الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجامع أن كلا منهما بيع، لكن في البيع بيع للعين، وفي الإجارة بيع للمنفعة.
الثاني: أن المحرمات لا يجوز جعلها منافع يتعامل بها، وإلا تعطلت المناهي التي حرمها اللَّه جل جلاله وكانت الناس تتحايل على ارتكابها بالتعاقد على منافعها كما تحايلت اليهود، فدل هذا على لزوم التعاقد على ما أباح اللَّه التعاقد عليه دون غيره.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
25] بطلان أجرة النائحة والمغنية:
• المراد بالمسألة: النائحة: هي التي تنوح في مصيبة غيرها، واتخذت ذلك مكسبا لها (1).
وأصل النياحة هو: اجتماع النساء وتقابلهن بعضهن لبعض للبكاء على الميت، ثم استعمل في صفة بكائهن بصوت وندبة (2).
والمغنية: هي التي تعمل الغناء وتستعمله، ويطلق -أي: الغناء- على كل من رفع صوته بشيء، ووالى به مرة بعد أخرى، فصوته عند العرب غناء، وأكثره فيما شَاقَ من صوت، أو شجا من نغمة ولُحَّن (3).
ويطلق على معنى أضيق وهو: التطريب والترنم بالكلام الموزون وغيره، مصحوبا بالموسيقى وغير مصحوب (4).
• والمقصود بالمسألة: أنه إذا وقع التعاقد على النياحة والغناء، ولم يكن الغناء فيما أباح اللَّه من عرس ونحوه، فإن الأجرة باطلة ولا تجوز، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على إبطال أجرة النائحة
(1)"العناية"(7/ 409).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 31). والندبة هي: البكاء على الميت وتعداد محاسنه. "الصحاح"(1/ 223).
(3)
"غريب الحديث" للخطابي (1/ 656).
(4)
"المعجم الوسيط"(2/ 665).
والمغنية] (1). نقله عنه شمس الدين ابن قدامة، وابن تيمية، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (2).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [. . . فمما اجتمعوا على إبطال إجارته: كل منفعة كانت لشيء محرم العين، كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع، مثل: أجر النوائح، وأجر المغنيات](3). نقله عنه ابن الشاط (4).
• النووي (676 هـ) يقول: [أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء، والنائحة للنوح](5).
• الأُبّي (728 هـ) يقول: [ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة](6). نقله عنه الحطاب وعليش (7).
• العيني (855 هـ) يقول: [. . . فلذلك أبطلوا أجر المغنية والنائحة، وأجمعوا على بطلانه](8).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (9).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (10).
• وجه الدلالة: أن من أكل أموال الناس بالباطل جعلها ثمنا في العقود المحرمة
(1)"الإجماع"(ص 146)، "الإشراف"(6/ 325).
(2)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (14/ 312)، "مجموع الفتاوى"(30/ 215)، "دقائق أولي النهى"(2/ 249)، "حاشية الروض المربع"(5/ 303).
(3)
"بداية المجتهد"(2/ 166).
(4)
"إدرار الشروق"(4/ 9).
(5)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (10/ 231).
(6)
"إكمال إكمال المفهم"(4/ 250).
(7)
"مواهب الجليل"(5/ 424)، "منح الجليل"(7/ 498).
(8)
"عمدة القاري"(21/ 9).
(9)
"المحلى"(7/ 16).
(10)
النساء: الآية (29).
شرعًا، والتي منها أجرة النائحة والمغنية (1).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه تعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"(2).
• وجه الدلالة: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأشياء المحرمة في الشرع، أثمانها تكون محرمة كذلك، فيدخل في ذلك أجر النائحة والمغنية؛ لأنهما مهنتان محرمتان في الشرع، كما جاء في حديث أبي مالك الأشعري (3) رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران (4)، ودرع من جرب"(5). وجاء عنه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف"(6).
الثالث: عن أبي أمامة (7) رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا المغنيات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام"(8).
(1)"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 245).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أبو مالك الأشعري، اختلف في اسمه، قيل: كعب بن مالك، وقيل: كعب بن عاصم، وقيل غير ذلك، صحابي قدم مع الأشعريين في السفينة على النبي صلى الله عليه وسلم، يعد في الشاميين، روى عنه عبد الرحمن بن غنم وأبو سلام. "الاستيعاب"(4/ 1745)، "أسد الغابة"(6/ 267)، "الإصابة"(7/ 356).
(4)
السربال: القميص، والقطران: شيء يستحلب من شجر يهنأ به الإبل، وإنما جعلت سرابيلهم منه؛ لأن النار إذا لفحته قوي اشتعالها، فاشتد إحراقها للجلود. "كشف المشكل"(4/ 157).
(5)
أخرجه مسلم (934)، (2/ 536).
(6)
أخرجه البخاري (5590)، (ص 1101).
(7)
صُدي - بالتصغير - بن عجلان بن الحارث، ويقال: ابن عمرو الباهلي أبو أمامة مشهور بكنيته، سكن الشام، كان مع علي بصفين، قيل أنه آخر من بقي بالشام من الصحابة. مات عام (86 هـ)، وله مائة وست سنين. "الاستيعاب"(2/ 736)، "الإصابة"(3/ 420)، "سير أعلام النبلاء"(3/ 359).
(8)
أخرجه أحمد في "مسنده"(22169)، (36/ 502)، والترمذي (1282)، (3/ 579). قال الترمذي:[تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد، وضعفه].