الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكن مملوكة لأحد، والحديث جاء عاما لم يفرق بين ما كان من قبل الإمام أو غيره، فيبقى على عمومه (1).
الثالث: القياس على المعادن الظاهرة: فكما أنه ليس للإمام أن يُقْطعها لأحد، فكذلك المياه المباحة، بجامع وجود الضرر على الناس في تملكها، أو تخصيص أحد بها.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
14] تقسيم ماء النهر أو السيل الذي يتشاح الناس عليه:
• المراد بالمسألة: الماء الجاري الذي يجري من الأنهار الصغيرة، أو التي يستفيدها الناس من الأمطار، إذا تشاح الناس عليه، واختلفوا فيه، ولم يكن أحد منهم أقدم في المكان من الآخر، فإنه يقسم بينهم، وطريقة القسمة بينهم: أن يبدأ من في أول طريق الماء، فيأخذ نصيبه منه حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسله إلى من يليه، حتى يمر على الجميع، وإذا لم يفضل منه شيء فإن الآخر ليس له منه نصيب، وليس له حق المطالبة، وهذه القسمة لا خلاف فيها بين العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه، أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه، فإنه يبدأ من في أول النهر، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عمن يليهم فلا شيء للباقين. . .، وهذا قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا](2). نقله عنه العيني (3).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه، أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه، فإنه يبدأ من في أول النهر، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسل إلى الذي
(1) ينظر: "تحفة المحتاج"(6/ 227).
(2)
"المغني"(8/ 168).
(3)
"عمدة القاري"(12/ 332).
يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عمن يليهم فلا شيء للباقين. . .، وهذا قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (1).
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه: كنهر الشام، أو مسيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه، فيبدأ بمن في أول النهر فيسقى ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعبين، ثم يرسل إلى الثاني فيفعل كذلك، حتى تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عن من يليهما، فلا شيء للباقين. . .، ولا نعلم فيه خلافا](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن عبد اللَّه بن الزبير (4) رضي الله عنهما أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج (5) الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسق يا
(1)"الشرح الكبير" لابن قدامة (16/ 141 - 142).
(2)
"المبدع"(5/ 262).
(3)
"المنتقى"(6/ 33)، "الذخيرة"(6/ 160)، "الإتقان والإحكام"(2/ 171)، "البيان"(7/ 506)، "تحفة المحتاج"(6/ 229 - 230)، "السراج الوهاج"(ص 301)، "المحلى"(7/ 82 - 83).
(4)
عبد اللَّه بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر، أول مولود للمسلمين بعد الهجرة، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم وبصق له من ريقه، وسماه عبد اللَّه وكناه أبا بكر، أحد شجعان الصحابة، صاحب عبادة، ثبت أنه إذا قام للصلاة كأنه عمود، ولي الخلافة عام (64 هـ) وقتل عام (73 هـ)، "الاستيعاب"(3/ 905)، "أسد الغابة"(3/ 241)، "الإصابة"(4/ 89).
(5)
شراج واحدها شرج، وهي: مجاري الماء من الحرار إلى السهل. "غريب الحديث" لأبي عبيد (4/ 2)، "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/ 320).
زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك! فتلوَّن وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (1)(2).
الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى في السيل المهزور (3) أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل"(4).
الثالث: أن الأعلى أرضه قريبة من فوهة النهر فهو أسبق إلى الماء، فكان أولى به، كمن سبق إلى المشرعة.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
* * *
(1) النساء: الآية (65).
(2)
أخرجه البخاري (2362)، (ص 443)، ومسلم (2357)، (4/ 1459).
(3)
المهزور هو: وادي بني قريظة في المدينة، يهبط من حرة، وتنصب منه مياه عذبة. "معجم البلدان"(5/ 234).
(4)
أخرجه أبو داود (3634)، (4/ 235)، وابن ماجه (2482)، (4/ 114)، والبيهقي في "الكبرى"(11683)، (6/ 154). قال ابن عبد البر:[حديث سيل مهزور ومذينيب حديث مدني مشهور عند أهل المدينة، مستعمل عندهم، معروف معمول به]. "التمهيد"(17/ 410). وحسن إسناده ابن حجر في "فتح الباري"(5/ 40).