الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعِث والناس يتبايعون فيما بينهم، فأقرهم عليه من غير إنكار، بل إنه صلى الله عليه وسلم باع واشترى، فقد جاء عنه أنه باع حِلْسا (1) وقَدَحا (2)(3)، واشترى من جابر بعيرا (4)، ثم إنه حث على الكسب الطيب كما في حديث رافع بن خديج (5) رضي الله عنه أنه سئل: أيُّ الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور"(6).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
2] منع الفصل بين الإيجاب والقبول:
• المراد بالمسألة: من أركان البيع: الصيغة. وهي قائمة على الإيجاب من البائع، والقبول من المشتري، فإذا أوجب البائع البيع، وطال الفصل، والمشتري لم يقبل، وانشغلا بكلام أجنبي عن العقد، فإن العقد غير سائغ إذا قبل المشتري بعدها، بلا نزاع بين العلماء.
(1) الحلس جمع أحلاس، وهو: كساء أو لبد أو شيء يجعل على ظهر البعير تحت القتب يلازمه. ويقال لبساط البيت: الحِلْس. "مشارق الأنوار"(1/ 197)"لسان العرب"(6/ 54) بتصرف يسير.
(2)
القدح بفتحتين هو: الآنية التي يشرب بها. المغرب (ص 373)، "المصباح المنير"(ص 491).
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(11968)، (19/ 31)، والنسائي في "المجتبى"(4508)، (7/ 259). قال البخاري:[لا يصح]. نفله عنه ابن عبد البر في الاستغناء (1/ 439)، وقال ابن القطان:[لا يصح، فإن عبد اللَّه الحنفي لا أعرف أحدا نقل عدالته، فهي لا تثبت]. "بيان الوهم والإيهام"(5/ 57).
(4)
أخرجه البخاري (2097)، (ص 395)، ومسلم (715)، (3/ 990).
(5)
رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن يزيد الأوسي الأنصاري الحارثي أبو عبد اللَّه، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره، ثم شهد أحدا وما بعدها، كان صحراويا عالما بالمزارعة والمساقاة. توفي عام (74 هـ)، "الاستيعاب"(2/ 479)، "سير أعلام النبلاء"(3/ 181)، "الإصابة"(2/ 436).
(6)
أخرجه أحمد في "مسنده"(17265)، (28/ 502)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10179)، (5/ 263)، والطبراني في "المعجم الكبير"(4411)، (4/ 276). وقد حكم بإرساله البخاري وأبو حاتم والبيهقي. ينظر:"العلل" لابن أبي حاتم (2/ 443)، "التلخيص الحبير"(3/ 3).
• من نقل الإجماع:
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ومثل هذه الوقوف -أي: الوقوف بين المعطوفات في كتاب اللَّه التي يفصلها التحزيبات الموجودة في المصحف العثماني - لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي، ولهذا لو ألحق بالكلام: عطف، أو استثناء، أو شرط، ونحو ذلك، بعد طول الفصل بأجنبي، لم يسغ، باتفاق العلماء. ولو تأخر القبول عن الإيجاب، بمثل ذلك بين المتخاطبين، لم يسغ ذلك، بلا نزاع](1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: أن العقد إذا طال الفصل فيه بين الإيجاب والقبول انقطعت فائدة الكلام فيه، ويعد لا ارتباط فيه بينهما، كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لا يتم
(1)"مجموع الفتاوى"(13/ 411).
(2)
"بدائع الصنائع"(5/ 137)، "فتح القدير"(6/ 253 - 254)، "درر الحكام شرح مجلة الأحكام"(1/ 153 - 156)، "مواهب الجليل"(4/ 240 - 241)، "حاشية الدسوقي"(3/ 5)، "حاشية الصاوي على الشرح الصغير"(3/ 17)، "روضة الطالبين"(3/ 340)، "الغرر البهية"(2/ 392 - 393)، "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان"(ص 182).
تنبيه: اختلفت عبارات العلماء في موافقة الإجماع المحكي في المسألة وهي في تفسير الفاصل الطويل المؤثر في ارتباط القبول بالإيجاب، فالحنفية: يعدون الأقوال والأفعال الدالة على الإعراض عن العقد مانعة من إتمام العقد. أما المالكية: فيقسمون اتصال القبول بالإيجاب إلى عدة أقسام: الأول: إذا حصل القبول بإزاء الايجاب في المجلس ومن غير فاصل، فالبيع يلزم اتفاقا. الثاني: إذا تراخى القبول عن الإيجاب حتى انقضى المجلس فإن البيع لا يلزم اتفاقا. الثالث: لو حصل فاصل يقتضي الإعراض، بحيث لا يكون كلامه بعد ذلك جوابا للإيجاب السابق فيما يقضي به العرف، فإن العقد لا ينعقد حينئذ. وقد ذكرت تفصيلهم في المسألة ليعلم موافقتهم للإجماع، ومخالفة ابن العربي -كما سيأتي- للمقرر في المذهب. أما الشافعية: يرون أن الاشتغال بأجنبي عن العقد يعد مبطلا له، وكذا السكوت الطويل دون اليسير.