الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أن هذه ليست برواية مخالفة لقوله: [إنهن لا يبعن]، في الروايات الأخرى؛ لأمور:
الأول: أن السلف رحمة اللَّه عليهم، ومنهم الإمام أحمد، كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا، وهذا اصطلاح كان ظاهرا عندهم، ومن المعلوم أن الاصطلاح المتعارف عليه في التفريق بين التحريم والكراهة لم يستقر إلا بعدهم.
الثاني: أنه متى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عن الإمام، وجب حمل اللفظ المحتمل، على المصرح به، ولا يجعل ذلك اختلافا، خاصة إذا كان معارضا لقول عامة العلماء (1).
أما ما جاء عن قتادة فلم أجد من نسبه إليه إلا الشوكاني.
النتيجة:
هذا المسألة من عُضَل المسائل، التي يصعب على الباحث الجزم فيها بشيء، خاصة وأن أئمة كبارا ممن عُنوا بحكاية الإجماع لم يذكروه في هذه المسألة، بل نصوا على الخلاف: كابن المنذر وابن عبد البر (2)، والجزم برجوع الصحابة يحتاج إلى يقين، وعلى سبيل المثال: الإمام أحمد استدل بفعل علي، ولو ثبت عنده رجوعه، لم يذكره.
24] جواز بيع المدبر تدبيرا مقيدا:
• المراد بالمسألة: التدبير: تعليق العتق دبر الحياة، سمي تدبيرا من لفظ الدبر، وقيل: لأنه دبَّر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه، وأمر آخرته بإعتاقه، وتحصيل أجر عتقه. وهذا عائد إلى الأول؛ لأن التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ الدبر أيضًا؛ إذ هو نظر في عواقب الأمور وإدبارها (3).
والتدبير منه ما هو مطلق، وصورته أن يقول: إذا متُّ فأنت حر، وأشباه هذا اللفظ.
ومنه ما هو مقيد، وصورته أن يقول: إن متُّ من مرضي هذا، أو من سفري
(1) ينظر: "المغني"(14/ 586 - 587).
(2)
"الإشراف"(7/ 67 - 68)، "الاستذكار"(7/ 330).
(3)
"تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 98)، وينظر:"النهاية"(2/ 98)، "المطلع"(ص 315)، "أنيس الفقهاء"(ص 169)، "المغرب"(ص 160).
هذا فأنت حر، أو قال: إن مت إلى عشر سنين، أو بعد موت فلان.
والمدبر تدبيرا مقيدا إذا باعه سيده، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• العيني (855 هـ) يقول: [ويباع المدبر المقيد، بالإجماع](1).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [أما المقيد -أي: المدبر منهم- فجواز بيعه، اتفاق](2).
• عبد الرحمن المعروف رضي الله عنهما[داماد أفندي](1078 هـ) يقول: [قيدنا بالمطلق -أي: عدم جواز بيع المدبر-؛ لأن بيع المقيد جائز اتفاقا](3).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، وهو حر من الثلث"(5).
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر،
(1)"البناية"(8/ 143)، "عمدة القاري"(12/ 49).
(2)
"فتح القدير"(6/ 407).
(3)
"مجمع الأنهر"(2/ 53).
(4)
"المدونة"(4/ 427)، "الفواكه الدواني"(2/ 136)، "منح الجليل"(9/ 424 - 425).
تنبيه: المالكية لا يعدون التدبير المقيد تدبيرا وإنما يعدونه وصية، والمعلق بالوصية يجوز بيعه عندهم. أما المدبر تدبيرا مطلقا فإنه لا يجوز بيعه عندهم، إلا إذا كان على سيده دين تداينه قبل التدبير، وليس عنده ما يجعله في الدين.
(5)
أخرجه الدارقطني في "السنن"(50)، (4/ 138)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "الكبرى"(21361)، (10/ 314). قال الدارقطني بعده:[لم يسنده غير عبيدة بن حسان، وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر موقوفا من قوله]. وضعفه أبو حاتم والعقيلي وابن القطان، ورجح الموقوف أبو زرعة والبيهقي. ينظر:"الضعفاء" للعقيلي (3/ 234)، "تهذيب "التهذيب" (7/ 300)، "التلخيص الحبير" (4/ 215).
لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه (1) بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (2).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديث الأول يدل على المنع من بيع المدبر، والثاني يدل على الإباحة، فيفرق بين الحالتين، ويحمل على التفريق بين المطلق فيمنع، والمقيد فيباح (3).
الثالث: القياس على الموصى بعتقه: فكما أنه يجوز بيعه، فكذلك المدبر تدبيرا مقيدا، بجامع أن كلا منهما معلق على أمر لا يُدرى هل يقع أو لا؟ .
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:
القول الأول: جواز بيع المدبر عموما، من غير تفريق بين المطلق والمقيد منه. وهذا القول قال به: عائشة رضي الله عنها (4) ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز (5) وإسحاق وأبو ثور (6). . . . . .
(1) نعيم بن عبد اللَّه بن أسيد بن عدي بن كعب القرشي العدوي المعروف بالنحام، قيل له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:[دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم]. والنحمة هي: السعلة التي تكون في آخر النحنحة الممدود آخرها، كان إسلامه قبل عمر، ولكنه لم يهاجر إلا قبيل فتح مكة؛ وذلك لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فلما أراد أن يهاجر قال له قومه: أقم ودن بأي دين شئت، قتل يوم أجنادين، "طبقات ابن سعد"(4/ 138)، "الاستيعاب"(4/ 1507)، "الإصابة"(6/ 458).
(2)
أخرجه البخاري (7186)، (ص 1371)، ومسلم (997)، (3/ 1044).
(3)
ينظر: "معالم السنن"(5/ 415 - 416).
(4)
أخرجه عنها: عبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 141)، والشافعي في "الأم"(7/ 257).
(5)
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو حفص القرشي الأموي المدني المصري، الخليفة الراشد، أشج بني أمية، من الأئمة المجتهدين، ولد عام (63 هـ) وتولى الخلافة عام (99 هـ) له أخبار عظيمة، وكلمات جليلة. توفي عام (101 هـ). أفرده بالترجمة: ابن عبد الحكم، وابن الجوزي، والآجري. "طبقات ابن سعد"(5/ 330)، "سير أعلام النبلاء"(5/ 114).
(6)
إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي، ولد عام (170 هـ) الإمام الحافظ الحجة مفتي العراق، قال عنه ابن حبان:[كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا] =
وداود وعثمان البَتِّي (1) وعمرو بن دينار (2) وعطاء (3)(4)، والشافعية (5)، والحنابلة في المشهور عنهم (6)، وابن حزم (7).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (8).
• وجه الدلالة: أن الأصل في البيوع أنها على الإباحة إلا ما دل الدليل على استثنائه.
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم باع المدبر (9).
= صنف الكتب وفرع على السنن، وذب عنها. توفي عام (240 هـ). "تاريخ بغداد"(6/ 56)، "سير أعلام النبلاء"(12/ 17).
(1)
عثمان بن سليمان بن جرموز البتي أبو عمرو، فقيه البصرة، حدث عن أنس بن مالك وغيره، ووثقه أحمد والدارقطني وابن سعد وغيرهم، كان يبيع البتوت - وهي الأكسية الغليظة - فسمي بذلك. توفي عام (143 هـ). "طبقات ابن سعد"(7/ 257)، "سير أعلام النبلاء"(6/ 148)، "تهذيب التهذيب"(7/ 139).
(2)
عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم، ولد عام (46 هـ) قال عنه ابن أبي نجيح:[ما كان عندنا أحد أفقه ولا أعلم من عمرو بن دينار]، شيخ الحرم في زمانه، روى عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر وابن عمرو وابن عباس وابن الزبير. توفي عام (126 هـ). "طبقات ابن سعد"(5/ 479)، "تهذيب التهذيب"(8/ 28).
(3)
عطاء بن أبي رباح، أبو محمد القرشي مولاهم، ولد أثناء خلافة عثمان، وهو شيخ الإسلام وفقيه الحرم، كان أعور أفطس أعرج أسود، لكن رفعه اللَّه بالعلم والصلاح، أدرك مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو جعفر:[ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء] وسئل ابن عباس عن مسألة قال: [يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء]. توفي عام (115 هـ). "سير أعلام النبلاء"(5/ 78)، "تاريخ مدينة دمشق"(40/ 336).
(4)
"الاستذكار"(7/ 448 - 449)، "المجموع"(9/ 292 - 293).
(5)
"الأم"(7/ 257)، "المجموع"(9/ 292 - 293)، "شرح جلال الدين المحلي على المنهاج"(4/ 362).
(6)
"المحرر"(2/ 7)، "الكافي" لابن قدامة (2/ 592)، "المبدع"(6/ 329)، "الإنصاف"(7/ 437 - 438).
(7)
"المحلى"(7/ 529).
(8)
البقرة: الآية (275).
(9)
أخرجه بهذا اللفظ: النسائي في (4654)، (7/ 304) وهو نفس حديث جابر السابق لكنه =
الثالث: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (1).
القول الثاني: عدم جواز بيع المدبر عموما. قال به: ابن عمر وزيد بن ثابت (2) وشريح والشعبي وابن المسيب (3) وسالم (4)(5) والنخعي والثوري (6) والأوزاعي (7). . . . . . . .
= مختصر هنا، فأصله في الصحيحين.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري الخزرجي أبو سعيد، أول مشاهده الخندق، كانت معه راية بني النجار يوم تبوك، كتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تولى قسم غنائم اليرموك، جمع القرآن في عهد أبي بكر، كان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، يستخلفه عمر على المدينة إذا غاب. توفي عام (45 هـ). "الاستيعاب"(2/ 537)، "أسد الغابة"(2/ 346)، "الإصابة"(2/ 592).
(3)
سعيد بن المسيب القرشي المخزومي، ولد لسنتين من خلافة عمر، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، سمع من عثمان وعلي وزيد بن ثابت وآخرين، قال ابن المديني:[لا أعلم أحدا في التابعين أوسع علما منه، وهو عندي أجل التابعين]، توفي عام (94 هـ). "سير أعلام النبلاء"(4/ 217)، "إسعاف المبطأ"(ص 12).
(4)
سالم بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، ولد في خلافة عثمان، أحد فقهاء المدينة السبعة، حدث عن أبيه فجود وأكثر، وكان والده يحبه، وسماه على سالم مولى أبي حذيفة. توفي عام (106 هـ). "طبقات ابن سعد"(5/ 195)، "سير أعلام النبلاء"(4/ 457).
(5)
أخرجه عن هؤلاء: ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 77).
(6)
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ولد عام (97 هـ) شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ، قال ابن المبارك:[كتبت عن مائةٍ وألف شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان الثوري]. توفي عام (161 هـ). "تاريخ بغداد"(9/ 151)، "سير أعلام النبلاء"(7/ 229).
(7)
عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمَد أبو عمرو الأوزاعي، ولد عام (88 هـ) أوحد الزمان وعالم أهل الشام، من أوائل من صنف المصنفات، كان كثير العلم والحديث والفقه، أجاب عن سبعين ألف مسألة أو نحوها، كان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة وفقهاء الأندلس ثم فني. توفي عام (157)، "حلية الأولياء"(6/ 135)، "سير أعلام النبلاء"(7/ 107).
والزهري وابن سيرين (1)، وهو رواية عند الحنابلة (2).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، وهو حر من الثلث"(3).
الثاني: القياس على أم الولد: فلا يجوز بيعها، بجامع أن كلا منهما استحق العتق بموت سيده (4).
القول الثالث: جواز بيعه إذا احتاج إلى بيعه. قال به: عطاء بن أبي رباح والحسن (5)، وقتادة وطاوس (6)، وهو رواية عند الحنابلة (7).
استدل هؤلاء: بحديث جابر الذي في مستند الإجماع، وقالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم باعه لما كان الرجل محتاجا، ليس له مال غيره (8).
القول الرابع: التفريق بين العبد والأمة، فالعبد يجوز بيعه دون الأمة. وهذا القول رواية عند الحنابلة (9).
واستدل هؤلاء: بأن في جواز بيع الأمة إباحة لفرجها، وتسليط مشتريها على وطئها، مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها، بخلاف المدبر (10).
القول الخامس: لا يباع المدبر إلا من نفسه، أو من رجل يُعَجِّل عتقه. قال به: الأوزاعي (11)، وابن سيرين (12)، لكنه لم يذكر إلا الحالة الأولى.
(1)"الاستذكار"(7/ 447)، "المجموع"(9/ 293).
(2)
المراجع السابقة عن الحنابلة.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
"المغني"(14/ 420).
(5)
أخرجه عنهما: ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 77).
(6)
أخرجه عنهما: عبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 140). تنبيه: قد علمت أن طاوسا قد قال بالقول الأول، فلعل هذا قولا آخر له.
(7)
المراجع السابقة عن الحنابلة.
(8)
"الكافي" لابن قدامة (2/ 592).
(9)
المراجع السابقة عن الحنابلة.
(10)
"المبدع"(6/ 329).
(11)
"الاستذكار"(7/ 448).
(12)
"معالم السنن"(5/ 415)، "طرح التثريب"(6/ 213).
تنبيه: علق العراقي على هذا القول فقال: [والحق أن هذا ليس قولا آخر، بل هو قول =