الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواز- من التابعين: الحسن وابن سيرين (1).
استدل من قال بالجواز بعدة أدلة، منها:
الأول: أن العقد إنما يكون على منافع الفحل ونزوه، وهذه منفعة مقصودة، والماء يكون تابعا لها، ثم إن الغالب حصوله عقب نزوه، فيكون كالعقد على الظئر لحصول اللبن في بطن الصبي (2).
الثاني: القياس على الإعارة: فكما أنه تجوز إعارة الفحل للنزو، فكذلك إجارته، بجامع المنفعة في كل منهما (3).
واستدل من قال بالكراهة بدليل عقلي، وهو:
أن الحاجة تدعو إلى هذه المنفعة؛ إذ ليس كل الناس يملك الفحل، وربما لا يجده إلا بأجرة، فأبيح لذلك، وهي منفعة مقصودة (4).
النتيجة:
أما مسألة بيع ماء الفحل فهذه لم يقع فيها خلاف بين العلماء، أما مسألة إجارة ضرابه فهذه لا يصح الإجماع فيها؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
وربما قصد ابن هبيرة بالاتفاق هو على أقل ما قيل في المسألة، وهذا لا يتأتى أيضا لوجود من قال بالجواز.
61] بطلان بيع الملامسة والمنابذة:
• المراد بالمسألة: هذان البيعان من بيوع الجاهلية التي كانوا يتعاملون بها، وقد اختلف العلماء في تفسيرها على عدة أقوال:
الأول: أن يجعلا اللمس والنبذ بيعا من دون صيغة، مثاله في الملامسة: يكون الثوب مطويا، فيقول البائع للمشتري: إذا لمسته فقد وجب البيع، اكتفاء بلمسه عن الصيغة. ومثاله في المنابذة: أيُّ ثوب أنبذه إليك فقد وجب البيع بيننا بعشرة.
= الإمام: فحمله القاضي على ظاهره، وهو التحريم.
وحمله ابن قدامة على الورع لا التحريم.
(1)
"الإشراف"(6/ 327)، "المغني"(8/ 130).
(2)
"المغني"(6/ 302) بتصرف يسير.
(3)
ينظر: "المغني"(8/ 130).
(4)
ينظر: "سبل السلام"(2/ 16).
وهذا ذكره الحنفية والشافعية والحنابلة (1).
الثاني: أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه أو نبذه إليه لزم البيع، وانقطع خيار المجلس وغيره. وهذا ذكره الشافعية (2).
الثالث: في الملامسة: أن يلمس ثوبا مطويا، أو في ظلمة، ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يلمس كل منهما ثوب صاحبه بغير تأمل.
وفي المنابذة: أن ينبذ كل واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر، ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه، أو ينبذه إليه بلا تأمل، على جعل النبذ بيعا. وهذا ذكره المالكية والشافعية (3).
الرابع: أن المراد بالمنابذة: هو بيع الحصاة. وهو تأويل عند الشافعية (4).
والتفسير الثالث أقعد باللفظين؛ لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين، وهو أقرب للتفاسير الواردة عن الصحابة (5).
وأيًّا كان المراد فإن المعاني الأربعة كلها منهي عنها، فاسدة لو وقعت، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الحصاة، والملامسة، والمنابذة باطل](6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (7).
(1)"البناية"(8/ 157)، "روضة الطالبين"(3/ 396)، "دقائق أولي النهى"(2/ 14)، "مطالب أولي النهى"(3/ 31).
(2)
"روضة الطالبين"(3/ 396).
(3)
"المنتقى"(5/ 44)، "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 420)، "الحاوي الكبير"(5/ 337)، "روضة الطالبين"(3/ 396).
(4)
"روضة الطالبين"(3/ 396).
(5)
ينظر: "فتح الباري"(4/ 359).
(6)
"الإفصاح"(1/ 301).
(7)
"حاشية الروض المربع"(4/ 355).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [أما بيع الملامسة: فكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه، وهذا مجمع على تحريمه]. ثم عدد بيوع الجاهلية وذكر منها المنابذة وقال بعدها: [فهذه كلها بيوع جاهلية متفق على تحريمها](1).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول لما ذكر كلام الخرقي (2) في عدم جواز بيع الملامسة والمنابذة: [لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذين البيعين](3).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الملامسة. . .، ولا بيع المنابذة. . . لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذه المبايعات](4).
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر معنى الملامسة: [وأجمعوا على تحريمه]. ولما ذكر معنى المنابذة قال: [وأجمع العلماء على تحريمه](5).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (6).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (7).
(1)"بداية المجتهد"(2/ 111).
(2)
عمر بن الحسين الخرقي أبو القاسم الحنبلي، شيخ الحنابلة، صاحب "المختصر" المشهور، له مصنفات كثيرة، احترقت كلها ولم يبق إلا "المختصر" الذي شرحه كثيرون منهم ابن قدامة في "المغني". توفي عام (334 هـ). "طبقات الحنابلة"(2/ 75)، "تاريخ بغداد"(11/ 234).
(3)
"المغني"(6/ 297).
(4)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 111 - 112).
(5)
"حاشية الروض المربع"(4/ 355 - 356).
(6)
"بدائع الصنائع"(5/ 176)، "تبيين الحقائق"(4/ 48)، "الهداية"(6/ 417)، "الوسيط"(3/ 71)، "المجموع"(9/ 416)، "مغني المحتاج"(2/ 380).
(7)
المائدة: الآية (90).
• وجه الدلالة: أن اللَّه أمر باجتناب الميسر، والميسر هو القمار (1)، وبيع الملامسة والمنابذة فيه معني القمار، وذلك بأنه لا يدري ما يقع عليه البيع هل هو مساوٍ للثمن أو أقل منه أو أكثر؟ وهذا هو معنى القمار (2).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة"(3).
الثالث: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبستين، وعن بيعتين: الملامسة والمنابذة"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين البيعتين، والنهي للتحريم، ويقتضي فساد المنهي عنه.
• المخالفون للإجماع:
على التفسير الأول للملامسة والمنابذة وهو جعل اللمس والنبذ بيعا من دون صيغة، قال بعض الشافعية أنه يجيء في هذه الصورة الخلاف في بيع المعاطاة، فإنهما مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة (5). وبيع المعاطاة وقع فيه الخلاف على قولين في المذهب:
الأول: أنه غير منعقد. وهو المذهب.
الثاني: أنه صحيح ومنعقد. وهو المعمول به، وعليه الفتوى (6).
وبناء على الخلاف في المعاطاة فإنه يُخرَّج عليه الخلاف في صورة المسألة معنا، ويكون الخلاف فيها على القولين السابقين.
واستدل هؤلاء: بأن اللَّه أحل البيع، ولم يثبت في الشرع لفظ له، فوجب
(1) جاء تفسيره بهذا عن ابن عباس، وجمع من التابعين، منهم: قتادة والحسن والسدي ومجاهد والضحاك وغيرهم. أخرج هذا عنهم ابن جرير في تفسيره (2/ 358).
(2)
ينظر: "العناية"(8/ 158).
(3)
أخرجه البخاري (2146)، (ص 403)، ومسلم (1511)، (3/ 931).
(4)
أخرجه البخاري (2147)، (ص 403).
(5)
"المجموع"(9/ 359)، "روضة الطالبين"(3/ 396).
(6)
"المجموع"(9/ 190 - 191)، "أسنى المطالب"(2/ 3).