الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم، فدل على جواز عقودهم، فإذا جاز عقد من كان أعمى ولم يطلع على العين، جاز عقد من اطلع على العين وعَرَفها، ثم عَمي من باب أولى (1).
الثالث: أن العاقد الذي عمي، قد عرف السلعة بالرؤية التي هي أقوى علامات معرفة العين، فلم يبق غرر ولا جهالة عنده، ولذا صح عقده (2).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
46] فساد بيع العبد الآبق والجمل الشارد:
• المراد بالمسألة: إذا أبق العبد من سيده، وكذا إذا شرد الجمل من مالكه، ولم يعلما مكانهما، وكانا مقصودين بالبيع، ولم يكونا في يد المشتري أو يدعي معرفتهما؛ فإنه لا يجوز للسيد ولا للمالك، بيع العبد والجمل، والعقد لو وقع فإنه فاسد، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع علماء المسلمين أن مبتاع العبد الآبق، والجمل الشارد، وإن اشترط عليه البائع أنه لا يرد الثمن الذي قبضه منه، قَدِر على العبد أو الجمل، أو لم يقدر، أن البيع فاسد مردود](3).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [الآبق إذا لم يكن عند المشتري، لا يجوز بيعه باتفاق الأئمة الأربعة. . .] ثم تكلم بعده عن الحديث - وهو حديث أبي سعيد الخدري وسيأتي في مستند الإجماع - وكلام العلماء على تضعيفه وقال بعده: [وعلى كل حال، فالإجماع على ثبوت حكمه، دليل على أن هذا المضَعَّف بحسب الظاهر، صحيح في نفس الأمر](4).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة (5).
(1) ينظر في الاستدلال بالعرف: "بدائع الصنائع"(5/ 164).
(2)
ينظر: "مغني المحتاج"(2/ 358).
(3)
"الاستذكار"(6/ 455).
(4)
"فتح القدير"(6/ 421 - 423).
(5)
"المجموع"(9/ 344)، "أسنى المطالب"(2/ 11)، "تحفة المحتاج"(4/ 242)، =
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (1).
• وجه الدلالة: أن العبد إذا أبق، والبعير إذا شرد، فإن صاحبه إذا باعه إنما يبيعه مخاطرة، فيشتريه المشتري بدون ثمنه بكثير، فإن حصل له، قال البائع: قمرتني وأخذت مالي بثمن قليل، وإن لم يحصل، قال المشتري: قمرتني وأخذت الثمن بلا عوض، وهذه هي سورة الميسر الذي حرمه اللَّه في الآية، وذكر أنه سبب لإيقاع العداوة والبغضاء (2).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر"(3).
• وجه الدلالة: أن الغرر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان مجهول العاقبة، فلا يدرى أيحصل أم لا؟ فيدخل في ذلك العبد الآبق، والجمل الشارد؛ لأنه لا يدرى هل يجده المشتري أم لا؟ .
الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء الغنائم حتى تقسم، وعن بيع الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق، والنهي في الأصل
= "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (4/ 16)، "الإنصاف"(4/ 293)، "دقائق أولي النهي"(2/ 11).
(1)
المائدة: الآية (90).
(2)
ينظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (4/ 16).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أخرجه أحمد في "مسنده"(11377)، (17/ 470)، وابن ماجه (2196)، (3/ 545)، والدارقطني في "السنن"(44)، (3/ 15). وفيه محمد بن إبراهيم الباهلي وهو مجهول. قاله أبو حاتم. "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 373). وقال الأشبيلي:[إسناده لا يحتج به، وشهر مختلف فيه]. نقله عنه الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 14).
يقتضي التحريم.
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: جملة من الصحابة والتابعين، منهم:
ابن عمر رضي الله عنهما فقد ثبت عنه أنه اشترى بعيرا وهو شارد (1).
وممن خالف أيضا: شريح، وابن سيرين، والشعبي، وطاوس، والبتي، وأبو بكر بن داود (2)، وابن حزم وقال بأنه مذهب أصحابه من الظاهرية (3)، وكذا ذكره الحسن عن أبي حنيفة (4)، كل هؤلاء يرون جواز بيع العبد الآبق، إذا كان علمهما فيه واحد.
وهؤلاء يستدلون بدليل عقلي، وهو:
أن كل ما صح ملكه عليه وعرفت صفاته، فإنه يصح تصرفه فيه بأي لون من ألوان التصرف، فالعبد الآبق، والبعير الشارد، ملك البائع عليهما صحيح، فيصح بيعه لهما (5).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 61) ومن طريقه أخرجه ابن حزم في "المحلى" وصححه (7/ 288)، وابن عمر أحد الرواة الذي رووا حديث النهي عن بيع الغرر، كما أخرجه ابن حبان عنه في "صحيحه"(11/ 327)، فدل على أنه يعتبر هذا ليس من الغرر المنهي عنه، وإلا فابن عمر قد عرف عنه حسن الاتباع والحرص عليه.
(2)
محمد بن داود بن علي الظاهري أبو بكر، علامة بارع ذو الفنون، كان مضرب المثل بذكائه، له بصر تام بالحديث وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا، من آثاره:"الفرائض"، "الزهرة"، "المناسك"، "الإيجاز". توفي عام (297 هـ). "سير أعلام النبلاء"(13/ 109)، "تاريخ بغداد"(5/ 256).
(3)
أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 60 - 62)، وابن حزم في "المحلى"(7/ 285 - 290). وابن سيرين أخرج أثره ابن المنذر كما نسبه إليه ابن حجر في "الفتح"(4/ 357)، والذي جاء عن شريح أنه بالخيار إذا رآى العبد بعد وجوده إن شاء أخذه وإن شاء رده، ومما ينبغي أن يذكر أيضا أن الشعبي قد جاء عنه النهي عن بيع العبد الآبق كما رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" في الموضع السابق.
(4)
"البناية"(8/ 162).
(5)
"المحلى"(7/ 285 - 290). ابن حزم يرى أن الغرر هو: ما كان مجهول القدر والصفة حين العقد، فلا يدخل العبد والجمل هنا في الغرر.