الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط محرما في الشرع، فيدخل فيه ما إذا كان الشرط من مقتضى العقد، أو فيه مصلحة للمتعاقدين (1).
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه. قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه، فسار سيرا لم يسر مثله. قال:"بعنيه بوقية (2) "، قلت: لا. ثم قال: "بعنيه" فبعته بوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي. فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت، فأرسل في أثري، فقال:"أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهو لك"(3).
• وجه الدلالة: أن جابر اشترط نفعا معلوما في المبيع، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه شرطه، فإذا جاز اشتراط نفع معلوم من قبل أحد المتعاقدين، فمن باب أولى جواز اشتراط ما فيه مصلحة للمتعاقدين.
الثالث: أن اشتراط ما هو من مقتضى العقد إنما هو تأكيد وتنبيه على ما أوجبه الشارع عليه؛ ولذا كان وجوده كعدمه، لا تأثير له على العقد (4).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
3] صحة اشتراط المشتري صفة مقصودة في المبيع:
• المراد بالمسألة: إذا اشترط المشتري في المبيع صفة مقصودة، ملائمة للعقد، مما لا يعد المبيع بعد فقدها معيبا، فإن البيع والشرط صحيحان، وملزمان للطرفين، وإذا فقد المشروط في السلعة فإن للمشتري حق الفسخ، باتفاق
(1) ينظر: "المبدع"(4/ 52)، "كشاف القناع"(3/ 189).
(2)
الأوقية: بضم الهمزة وتشديد الياء، اسم لأربعين درهما، ووزنه أفعولة، والألف زائدة، وجاء وقية بغير ألف، وهي لغة عامية. ينظر:"النهاية"(5/ 216). وهي معيار للوزن مختلف مقدارها شرعا باختلاف الموزون، فالأوقية من غير الذهب والفضة أربعون درهما = 119 غراما. وأوقية الفضة: أربعون درهما، لكن درهم الفضة يساوي 2، 812 غراما، وعليه فأوقية الفضة = 112، 512 غراما. وأوقية الذهب: سبعة مثاقيل ونصف مثقال، وهي تساوي 31، 7475 غراما. وهي اليوم مختلفة باختلاف البلدان. معجم لغة الفقهاء (ص 77).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
"مغني المحتاج"(2/ 385).
العلماء. مثال ذلك: أن يشترط في الفهد أن يكون صيودا، وفي الدابة أن تكون هملاجة، ونحو ذلك.
• من نقل الإجماع:
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا اشترى فهدا على أنه صيود، ودابة على أنها هملاجة، صح البيع](1).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا اشترط المشتري في البيع صفة مقصودة، مما لا يعد فقده عيبا، صح اشتراطه، وصارت مستحقة، يثبت له خيار الفسخ عند عدمها، مثل: أن يشترط مسلما، فيبين كافرا، أو يشترط الأمة بكرا أو جعدة أو طباخة، أو ذات صنعة، أو لبن، أو أنها تحيض، أو يشترط في الدابة أنها هملاجة، أو في الفهد أنه صيود، وما أشبه هذا، فمتى بان خلاف ما اشترطه، فله الخيار في الفسخ، والرجوع بالثمن، أو الرضا به، ولا شيء له، لا نعلم بينهم في هذا خلافا](2).
• النووي (676 هـ) يقول: [أن يشترط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكن فيه مصلحة للعاقد: كخيار الثلاث، والأجل، والرهن، والضمين، والشهادة، ونحوها، وكشرط كون العبد المبيع خياطا أو كاتبا ونحوه، فلا يبطل العقد أيضا بلا خلاف، بل يصح، ويثبت المشروط](3).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أجمع الفقهاء المعروفون -من غير خلاف أعلمه من غيرهم- أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه: كاشتراط كون العبد كاتبا، أو صانعا، أو اشتراط طول الثوب، أو قدر الأرض، ونحو ذلك، شرط صحيح](4).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (5).
(1)"الإفصاح"(1/ 295).
(2)
"المغني"(6/ 238 - 239).
(3)
"المجموع"(9/ 447).
(4)
"مجموع الفتاوى"(29/ 132)، "الفتاوى الكبرى"(4/ 79).
(5)
"بدائع الصنائع"(5/ 168)، "البحر الرائق"(6/ 93 - 94)، "رد المحتار"(5/ 85 - 86)، "المقدمات الممهدات"(2/ 67)، "شرح الخرشي على مختصر خليل"(5/ 82)، "حاشية =
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم، ما وافق الحق منها"(1).
• وجه الدلالة: هذا الحديث أصل في إباحة الشروط بين المتعاقدين ما لم يكن الشرط محرما في الشرع، فيدخل فيه ما إذا شرط أحدهما منفعة مقصودة في المبيع (2).
الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق"(3).
• وجه الدلالة: قال ابن تيمية: ["من اشترط شرطا" أي: مشروطا، وقوله:"ليس في كتاب اللَّه" أي: ليس المشروط في كتاب اللَّه، فليس هو مما أباحه اللَّه، كاشتراط الولاء لغير المعتق، والنسب لغير الوالد. . .، ونحو ذلك مما لم يبحه اللَّه بحال، ومن ذلك تزوج المرأة بلا مهر، ولهذا قال:"كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" وهذا إنما يقال إذا كان المشروط يناقض كتاب اللَّه وشرطه، فيجب تقديم كتاب اللَّه وشرطه، ويقال:"كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" وأما إذا كان نفس الشرط والمشروط لم ينص اللَّه على حله، بل سكت عنه، فليس هو مناقضا
= الدسوقي" (3/ 65).
تنبيه: هذه المسألة اختلفت عبارات العلماء في التعبير عنها، وإن كانت متفقة في المعنى، فالحنفية يعبرون عن هذا النوع من الشروط بأنها الشروط التي تلائم العقد، ويفسرون الملائمة: بأنها التي تؤكد موجب العقد، أو التي تكون راجعة إلى صفة الثمن أو المبيع: كاشتراط الخبز والطبخ والكتابة. والمالكية يعبرون عنها بالشروط التي لا يقتضيها العقد ولا ينافيها، والشافعية يعبرون عنها بالشروط التي لا يقتضيها إطلاق العقد وفيها مصلحة للعاقد، وقريبا منهم الحنابلة في التعبير. وبين العلماء اختلاف في تحقيق المناط في الأمثلة التي ذكرت وغيرها، فالكلام هنا على القاعدة وليس على ذات الأمثلة. ومسألة الشروط عموما جديرة بإفرادها في رسالة تجمع قواعدها وتلم مسائلها.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ينظر: "المبدع"(4/ 52)، "كشاف القناع"(3/ 189).
(3)
أخرجه البخاري (2168)، (ص 406)، ومسلم (1504)، (2/ 922).
لكتاب اللَّه وشرطه، حتى يقال: كتاب اللَّه أحق وشرطه أوثق، فقوله:"من اشترط شرطا ليس في كتاب اللَّه" أي: مخالفا لكتاب اللَّه. وسواء قيل: المراد من الشرط المصدر أو المفعول، فإنه متى خالف أحدهما كتاب اللَّه خالفه الآخر، بخلاف ما سكت عنه. فهذا أصل] (1). فدل هذا الحديث على أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما خالف كتاب اللَّه.
الثالث: أن رغبات المتبايعين مختلفة متباينة، فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التي شرع لأجلها البيع (2).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: ابن حزم من الظاهرية، فقال بمنع الاشتراط في هذه الحالة (3).
ولابن حزم رأي في الشروط عموما، خالف فيه عامة العلماء، فهي على البطلان عنده إلا ما دل الدليل على إباحته، وهي سبعة شروط فقط، هي:
الأول: اشتراط الرهن فيما تبايعاه إلى أجل مسمى.
الثاني: اشتراط تأخير الثمن إن كان دنانير أو دراهم إلى أجل مسمى.
الثالث: اشتراط أداء الثمن إلى الميسرة، وإن لم يذكرا أجلا.
الرابع: اشتراط صفات في المبيع التي يتراضيانها معا، ويتبايعان ذلك الشيء على أنه بتلك الصفة.
الخامس: اشتراط أن لا خلابة.
السادس: بيع العبد أو الأمة، فيشترط المشتري مالهما أو بعضه مسمى معينا، أو جزءا منسوبا مشاعا في جميعه، سواء كان مالهما مجهولا كله، أو معلوما كله، أو معلوما بعضه مجهولا بعضه.
السابع: بيع أصول نخل فيه ثمرة قد أبرت قبل الطيب أو بعده، فيشترط المشتري الثمرة لنفسه أو جزءا معينا منها، أو مسمى مشاعا في جميعها (4).
(1)"مجموع الفتاوى"(29/ 347).
(2)
ينظر المصدرين السابقين.
(3)
"المحلى"(7/ 319).
(4)
المصدر السابق.