الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحسان غير واجب، وإن كان بعد القبض، فالاستبراء واجب قياسا واستحسانا] (1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: أن الجارية خرجت من ملكه ويده، وثبت حلها للغير، وهو المشتري، فإذا عادت إليه لزمه استبراء جديد، قياسا على استبرائه لها ابتداء (3).
الثاني: أن الاستبراء في الجارية إنما وجب كي لا يفضي إلى اختلاط المياه، وامتزاج الأنساب، ومظنة ذلك عند تجدد الملك على رقبتها، كما هو حال البائع والمشتري (4).
الثالث: أما قبل القبض: فالاستبراء إنما هو من أجل إثبات براءة الرحم، وفي هذه الحالة الرحم مأمون الجانب، فلا حاجة إليه.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
65] تحريم بيع الطعام قبل قبضه:
• المراد بالمسألة: التصرف في المبيع قبل قبضه معاوضة، والمبيع طعام غير الماء، وهو مما يحتاج إلى توفية -وهو ما كان مكيلا أو موزونا أو معدودا- وأراد بيعه لغير بائعه، لا يجوز، بإجماع العلماء. وإذا كان ذلك بعد القبض، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء.
(1)"فتح القدير"(6/ 310).
(2)
"التاج والإكليل"(5/ 527 - 528)، "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي"(2/ 498)، "منح الجليل"(4/ 362)، "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب مع فتوحات الوهاب عليه"(4/ 468)، "شرح جلال الدين المحلي على المنهاج"(4/ 59)، "مغني المحتاج"(5/ 114)، "قواعد ابن رجب"(ص 382)، "الإنصاف"(4/ 479)، "كشاف القناع"(5/ 437 - 438).
(3)
"المبسوط"(13/ 148) بتصرف يسير.
(4)
"المغني"(11/ 278).
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه](1). ويقول أيضا: [وثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض، وهذا قول عوام أهل العلم](2). نقل العبارة الأولى ابن قدامة، وابن القطان، والنووي، وابن القيم (3).
• الطحاوي (321 هـ) يقول: [ووجه آخر: أنا رأينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، وأجمع المسلمون على ذلك](4).
• الجصاص (370 هـ) يقول: [. . . لا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية -يعني قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (5) - وإن كان مخرجها مخرج العموم، فقد أريد به الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات، نحو بيع ما لم يقبض. . .](6). ويدخل فيه الطعام دخولا أوليًّا.
• الخطابي (388 هـ) يقول: [أجمع أهل العلم على أن الطعام، لا يجوز بيعه قبل القبض](7).
• ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من باع سلعة ملكها بعد أن قبضها، ونقلها عن مكانها، وكالها إن كانت مما يكال؛ فإن ذلك جائز](8). نقله عنه ابن القطان (9).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا خلاف فيه بين العلماء في الطعام كله،
(1)"الإجماع"(ص 132)، "الإشراف"(6/ 50).
(2)
"الإقناع" لابن المنذر (1/ 254).
(3)
"المغني"(6/ 183)، "الإقناع" لابن القطان (4/ 1783)، "المجموع"(9/ 326)، "حاشية تهذيب السنن"(5/ 131).
(4)
"شرح معاني الآثار"(4/ 36).
(5)
البقرة: الآية (275).
(6)
"أحكام القرآن"(1/ 640 - 641).
(7)
"معالم السنن"(5/ 130).
(8)
"مراتب الإجماع"(ص 157).
(9)
"الإقناع" لابن القطان (4/ 1757).
والإدام كله، مقتات وغير مقتات، مُدَّخر وغير مدخر، كل ما يؤكل أو يشرب، فلا يجوز بيعه عند جميعهم، حتى يستوفيه مبتاعه] (1). ويقول أيضا:[ولم يختلف العلماء في كل ما يكال أو يوزن من الطعام كله والإدام، أنه لا يجوز بيعه لمن ابتاعه على الكيل والوزن، حتى يقبضه كيلا أو وزنا](2). وقال في موضع آخر: [أما بيع الفاكهة رطبها ويابسها، فلا أعلم خلافا بين فقهاء العراق والحجاز والشام والمشرق والمغرب أنه لا يباع شيء منها قبل القبض -وهو الاستيفاء-](3). ويقول أيضا: [. . . إجماع العلماء على أنه لو استوفاه بالكيل أو الوزن إلى آخره، لجاز له بيعه في موضعه](4). وفي موضع آخر لما ذكر حديث ابن عمر "من ابتاع طعاما فلا. . . " قال: [هذا حديث صحيح الإسناد، مجتمع على القول بجملته](5). نقل عنه العبارة الثالثة ابن القطان (6).
• البغوي (516 هـ) يقول: [اتفق أهل العلم على أن من ابتاع طعاما، لا يجوز له بيعه قبل القبض](7).
• ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [. . . ما لا يدخل فيه اختلاف. . . كل ما كان من الأطعمة، فلا يجوز بيعه قبل استيفائه](8).
• العمراني (558 هـ) يقول: [فإن كان طعاما، لم يجز بيعه قبل قبضه بلا خلاف](9).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الطعام إذا اشتري مكايلة أو موازنة أو معاددة، فلا يجوز لمن اشتراه أن يبيعه من آخر، أو يعاوض به حتى يقبضه الأول، وأن القبض شرط في صحة هذا البيع](10).
• الكاساني (587 هـ) يقول: [لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل
(1)"الاستذكار"(6/ 378).
(2)
المصدر السابق (6/ 372).
(3)
المصدر السابق (6/ 344).
(4)
"التمهيد"(13/ 343).
(5)
المصدر السابق (13/ 325).
(6)
"الإقناع" لابن القطان (4/ 1786).
(7)
"شرح السنة"(8/ 107).
(8)
"البيان والتحصيل"(8/ 32).
(9)
"البيان في مذهب الإمام الشافعي"(5/ 67).
(10)
"الإفصاح"(1/ 287).
القبض، بالإجماع] (1).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما بيع الطعام قبل قبضه، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك، إلا ما يحكى عن عثمان البَتِّي](2).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وكل ما يحتاج إلى قبض إذا اشتراه لم يجز بيعه حتى يقبضه. . .، ولم أعلم بين أهل العلم خلافا، إلا ما حكي عن البتِّي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه](3). نقله عنه العيني (4).
• ابن شداد (5)(632 هـ) يقول: [وقد اتفق العلماء على أن من ابتاع طعاما، لا يجوز له بيعه قبل القبض](6).
• سبط ابن الجوزي (7)(654 هـ) يقول: [واتفقوا على عدم جواز بيع المنقول قبل القبض](8).
• النووي (676 هـ) يقول: [أما مذهب عثمان البتِّي فحكاه المازري والقاضي،
(1)"بدائع الصنائع"(5/ 234). والمنقول هو: الشيء الذي يمكن نقله من محل إلى آخر. فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات. "مجلة الأحكام العدلية"(1/ 116). وعليه فما ذكره الكاساني أعم مما ذكره العلماء، فالمنقول يشمل الطعام وغيره.
(2)
"بداية المجتهد"(2/ 108).
(3)
"المغني"(6/ 188 - 189).
(4)
"عمدة القاري"(11/ 242).
(5)
يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي بهاء الدين ابن شداد، ولد عام (539 هـ) برع في الفقه والعلوم، وساد أهل زمانه، ونال رئاسة الدين والدنيا، تولى قضاء بيت المقدس، من آثاره:"دلائل الأحكام على التنبيه"، "الموجز الباهر"، "سيرة صلاح الدين". توفي عام (632 هـ). "مرآة الجنان"(4/ 82)، "طبقات السبكي"(8/ 360)، "شذرات الذهب"(5/ 159).
(6)
"دلائل الأحكام"(2/ 116).
(7)
يوسف بن فرغلي أبو المظفر المعروف بسبط ابن الجوزي، كان حنبليا ثم أصبح حنفيا، ولد ببغداد عام (582 هـ) نشأ في كنف جده لأمه ابن الجوزي، من آثاره:"مرآة الزمان في وفيات الفضلاء والأعيان"، "إيثار الإنصاف في مسائل الخلاف". توفي عام (654 هـ). "الجواهر المضية"(3/ 633)، "تاج التراجم"(ص 83).
(8)
"إيثار الإنصاف"(ص 585).
ولم يحكه الأكثرون، بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه] (1).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وكل ما لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه، لا يجوز له بيعه حتى يقبضه. . .، ولم نعلم بين أهل العلم في ذلك خلافا، إلا ما حكي عن البتِّي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه](2).
• ابن حجر (852 هـ) يقول: [. . . اتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه](3).
• العيني (855 هـ) يقول: [بيع المنقول قبل القبض، لا يجوز بالإجماع](4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه (5).
الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" وفي لفظ "حتى يقبضه"(6).
الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله"(7).
• وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبضه المشتري من البائع، والنهي يقتضي التحريم.
• المخالفون للإجماع:
حُكي الخلاف في المسألة عن عثمان البَتِّي، وعطاء بن أبي رباح، ونقل عنهم أنهم كانوا يقولون بجواز بيع كل شيء قبل قبضه (8).
(1)"شرح صحيح مسلم"(10/ 170).
(2)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 497).
(3)
"فتح الباري"(4/ 335).
(4)
"البناية"(8/ 229).
(5)
أخرجه البخاري (2167)، (ص 406)، ومسلم (1527)، (3/ 938) واللفظ له.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
أخرجه البخاري (2132)، (ص 401)، ومسلم (1525)، (3/ 938) واللفظ له.
(8)
"الاستذكار"(6/ 440)، "التمهيد"(13/ 334)، "شرح صحيح مسلم"(10/ 170)، =
ولعلهم يستدلون: بأن الأصل في البيوع أنها على الإباحة، والملك للسلعة يتحقق بالعقد الذي هو قائم على الإيجاب والقبول، فإذا تحقق ذلك فله حق التصرف بها كيفما شاء.
أما قول عثمان: فقد جزم بشذوذه جماعة من العلماء، منهم: ابن عبد البر، والنووي، وابن القيم (1)، ولعله لم يبلغه الخبر في هذا، أو لم يصح ذلك عنه.
أما قول عطاء فلم أجد من نسبه إليه إلا ابن حزم، وهذا يشهد لضعف هذه النسبة إليه، خاصة وأن عطاء أشهر من عثمان، فكيف يحكي عامة العلماء الخلاف عن عثمان دونه، وينفرد ابن حزم بنسبته إليه! ! ويضاف إلى هذا أن عطاء هو راوي الحديث عن حكيم بن حزام (2)، والذي جاء فيه النهي صريحا في المسألة، ثم إنه رَوى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء ما يخالف ما ذكر ابن حزم (3)، ولو ثبت ما ذكر ابن حزم لحُكم بشذوذه.
النتيجة:
ثبوت الإجماع في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة، أو عدم ثبوتها. أما ما ذكره الحنفية -الكاساني والعيني وسبط ابن الجوزي- من حكاية الإجماع على المنقول عموما فهو غير صحيح؛ لأن من العلماء من خالف فقال: إن المحرم المفسد للبيع هو بيع الطعام دون غيره من الأشياء قبل قبضه، وما عداه فيبقى على الجواز. قال به المالكية وهو رواية عند الحنابلة (4). واختار هذا القول ابن المنذر (5).
= "المغني"(6/ 188 - 189)، "تهذيب السنن"(5/ 131)، "المحلى" (7/ 476). تنبيه: الذي نقله عن عطاء ابن حزم، ولم ينقل قول عثمان.
(1)
المصادر السابقة.
(2)
أخرجه النسائي (4603)، (7/ 286) وابن حبان (4985)، (11/ 361) عن حكيم بن حزام أنه قال: اشتريت طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل أن أقبضه، فاردت بيعه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبعه حتى تقبضه".
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156).
(4)
"الفواكه الدواني"(2/ 78)، "الشرح الكبير" لابن قدامة (3/ 151 - 152)، "منح الجليل"(5/ 246)، "الإنصاف"(4/ 466).
(5)
"الإقناع" لابن المنذر (1/ 254).