الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث: من العلماء من أجاز المسابقة في كل شيء إلا الحمام والطير. وهو قول محكي عند الحنابلة.
وهؤلاء لعلهم قاسوا الطيور على الحمام؛ لوجود الشبه بينهما.
القول الرابع: من العلماء من كره الرمي بالقوس الفارسية. قال به أبو بكر من الحنابلة (1).
واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو:
حديث عويم بن ساعدة (2) رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى قوسا فارسيا، فقال:"ملعون، ملعون من حملها، عليكم بهذه -وأشار إلى القوس العريبة- وبرماح القنا، يمكَّن اللَّه لكم في البلاء، وينصركم على عدوكم"(3).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
3] تحريم السبق من الطرفين إلا في الخف والحافر والنصل:
• المراد بالمسألة: السبق بفتح الباء، هو: ما يُجْعل من المال رهنا على المسابقة، يأخذه السابق منهم.
وبالسكون: مصدر سبقت أسبق سبقا بمعنى التقدم في الجري (4).
والمعنى هنا: أنه لا يحل أخذ المال بالمسابقة إلا في هذه الثلاثة، وهي: الإبل
(1) ينظر هذه الأقوال الأربعة: "الفروع"(4/ 463)، "الإنصاف"(4/ 88، 91)، "كشاف القناع"(4/ 49 - 50).
(2)
عويم -بالتصغير ومن دون راء في آخره- بن قيس بن عائش بن قيس بن النعمان الأنصاري الأوسي، ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الذين قال اللَّه فيهم {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} فقال:"نعم المرء منهم عويم بن ساعدة"، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حاطب بن أبي بلتعة، وتوفي في خلافة عمر. "أسد الغابة"(4/ 303)، "الإصابة"(4/ 745).
(3)
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 288)، والطبراني في "المعجم الكبير"(351)، (17/ 141)، والبيهقي في "الكبرى"(19519)، (10/ 14). وقال الهيثمي:[في إسناده مساتير لم يضعفوا ولم يوثقوا]. "مجمع الزوائد"(5/ 267).
(4)
غريب الحديث" للحربي (3/ 1113)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 521)، "النهاية" (2/ 338)، "لسان العرب" (10/ 151).
والخيل والسهام، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الطحاوي (321 هـ) يقول: [في السَبَق. . .، من غير خلاف في خف أو حافر أو نصل](1).
• الجصاص (370 هـ) يقول: [لا خلاف في حظره إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب، والإبل، والنصال إذا كان الذي يستحق واحدا إن سبق، ولا يستحق الآخر إن سبق](2).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل](3). نقله برهان الدين ابن مفلح، والبهوتي، والرحيباني (4).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [اتفقوا على أن السبق بالنصل والخف والحافر، جائز](5).
• أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل](6).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الشافعية في قول عندهم (7).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في خف أو
(1)"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 515). وقد زيد في المطبوع [إلا في الخف. . .] فاختلت العبارة.
(2)
"أحكام القرآن"(1/ 250).
(3)
"التمهيد"(14/ 88).
(4)
"المبدع"(5/ 122)، "كشاف القناع"(4/ 48)، "دقائق أولي النهى"(2/ 277)، "مطالب ولي النهى"(3/ 703).
(5)
"الإفصاح"(2/ 260).
(6)
"الجامع لأحكام القرآن"(9/ 146).
(7)
"روضة الطالبين"(10/ 350 - 351).
نصل أو حافر" (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى السبَق -الذي هو الجعل- إلا في هذه الثلاثة، فدل على أن ما عداها باقٍ على التحريم.
الثاني: أن هذه الثلاثة إنما أباحها الشارع لنا لما يحتاج إليها من الجهاد في سبيل اللَّه، وإظهار القوة على الأعداء، وما عداها لا يحتاج إليها في الجهاد كحاجة هذه، فلم تجز المسابقة عليها بعوض (2).
• المخالفون للإجماع:
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال سأذكرها حسب المذاهب:
أما الحنفية: يرون جواز السبق على الأقدام (3).
أما الشافعية: فهم يرون أن من شروط المسابقة: أن يكون عُدَّة للقتال، ولذا أجازوا أمورا كثيرة، وقد جمع الخلاف عندهم الإمام النووي حيث يقول: [الأصل في السبق الخيل والإبل. . .، وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب. وقيل بالمنع فيها. وقيل بالمنع في البغل والحمار. وقيل في الجميع خلاف. وأما المناضلة فتجوز على السهام العربية والعجمية -وهي: النشاب- وعلى جميع أنواع القسي حتى تجوز على الرمي بالمسلات (4) والإبر. وفي المزاريق والزانات (5) ورمي الحجارة باليد وبالمقلاع والمنجنيق طريقان (6)،
(1) سبق تخريجه.
(2)
"أحكام القرآن" للجصاص (1/ 250)، "المغني"(13/ 407).
(3)
"تبيين الحقائق"(6/ 227)، "الفتاوى الهندية"(5/ 324)، "الدر المختار مع "رد المحتار" (6/ 402).
(4)
المسلات جمع مسلة أو سلة، وهي: حصى صغار مثل الجوز، في بطون الأودية، سميت بذلك؛ لأن الماء سلها من بين الجبال. "العين"(7/ 195).
(5)
الزانة شبه مِزراق، يرمي بها الديلم."المصباح المنير"(ص 136).
(6)
الطرق هي: اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب، فيقول بعضهم مثلا: في المسألة قولان، أو وجهان، ويقول الآخر: لا يجوز قولا واحدا، أو وجها واحدا، أو يقول أحدهما: في المسألة تفصيل، ويقول الآخر: فيها خلاف مطلق. وقد يستعملون الوجهين في موضع الطريقين وعكسه. "المجموع"(1/ 108)، "مغني المحتاج"(1/ 105).
أحدهما: الجواز. والثاني: وجهان (1) أصحهما: الجواز. ولا تجوز المسابقة بإشالة الحجر باليد على المذهب، وبه قطع الأكثرون. وقيل: وجهان. . . . وأما المسابقة على التردد بالسيوف والرماح، فقيل: بمنعها؛ لأنها لا تفارق صاحبها، وإلا يصح. الجواز؛ لأنها من أعظم عدد القتال، واستعمالها يحتاج إلى تعلم وتحذق. والمسابقة على الحمام وغيره من الطيور، وعلى الأقدام، والسباحة في الماء، والطيارات، والزوارق، والصراع فجائزة بلا عوض. والأصح منها بالعوض. فإن جوَّزنا الصراع، ففي المشابكة باليد وجهان] (2).
أما الحنابلة: فعندهم وجه بعيد بجواز العوض في الفيلة.
ووجه ذكره ابن البنا في جوازه في الطير المعدة لأخبار العدو.
أما الصراع والسبق على الأقدام ومثلها المراهنة على العلم ونحوها إذا قصد بها نصر الإسلام، فإنه يجوز أخذ العوض عليها. اختار هذا ابن تيمية اعتمادا على الوجه الذي ذكره ابن البنا (3). أما ابن حزم فيرى جواز السبق في الإبل والخيل والبغل الحمير والنبل والسيف والرمح فقط دون غيرها (4).
واستدل المخالفون بعدة أدلة، منها:
الأول: عن عبد اللَّه بن الحارث (5) رضي الله عنه قال: صارع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ركانة (6) في
(1) الأوجه هي: التي تكون لأصحاب الإمام المنتسبين إلى مذهبه، يخرجونها على أصوله، ويستنبطونها من قواعده، ويجتهدون في بعضها وإن لم يأخذوه من أصله. "المجموع"(1/ 107)، "شرح جلال الدين المحلي على المنهاج"(1/ 14).
(2)
"روضة الطالبين"(10/ 350 - 351)، وينظر:"أسنى المطالب"(4/ 228 - 229)، "تحفة المحتاج"(9/ 399)، "مغني المحتاج"(6/ 167).
(3)
"الفروع"(4/ 461)، "المبدع"(5/ 122)، "الإنصاف"(6/ 90 - 91).
(4)
"المحلى"(5/ 425).
(5)
عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو محمد المدني، لقبه: ببَّة، أمه هند بنت أبي سفيان، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه، وتحول إلى البصرة، واصطلح عليه أهلها بعد موت يزيد بن معاوية فأقره ابن الزبير عليها، كان ثقة كثير الحديث. توفي عام (84 هـ). "طبقات ابن سعد"(5/ 24)، "تهذيب الكمال"(14/ 396)، "سير أعلام النبلاء"(3/ 529).
(6)
الصحيح أن اسمه ركانه، وهو ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد المناف، كان =
الجاهلية، وكان شديدا، فقال: شاة بشاة، فصرعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال أبو ركانة: عاودني، فصارعه فصرعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-أيضا، فقال: عاودني في أخرى، فعاوده، فصرعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-أيضا، فقال أبو ركانة: هذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب، وشاة تكسَّرت، فماذا أقول للثالثة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك، خذ غنمك"(1).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول اللَّه تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} (2) قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم فقالوا: أجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا جعلته إلى دون! " قال: أراه العشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله تعالى:{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} (3) إلى قوله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} (4) قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر (5).
الثالث: القياس على الثلاثة التي جاءت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق،
= من مسلمة الفتح، ومن أشد الناس قوة. مات بالمدينة في أول خلافة معاوية عام (42 هـ) وقيل في خلافة عثمان. "الاستيعاب"(2/ 507)، "الإصابة"(2/ 497).
(1)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(20909)، (11/ 427). قال ابن حجر:[يزيد فيه ضعف، والصواب ركانة]. يقصد وليس أبا ركانة. "التلخيص الحبير"(4/ 162). وقد جاء من طريق آخر عند أبي داود في "المراسيل" مرسلا (308)، (ص 235)، قال عنه البيهقي:[مرسل جيد]. البيهقي في "الكبرى"(10/ 18). وجاء من طريق موصول جود إسناده ابن القيم. "الفروسية"(ص 202).
(2)
الروم: الآيتان (1 - 2).
(3)
الروم: الآيتان (1 - 2).
(4)
الروم: الآيتان (4 - 5).
(5)
أخرجه الترمذي (3193)، (5/ 321)، والنسائي في "الكبرى"(11325)، (10/ 212)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12377)، (12/ 29). ورجح إرساله الدارقطني في "العلل"(1/ 214).