الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: الشافعية: ويرون أن الآخذ يرفعه إلى الإمام، والإمام غير مخير فيه، بل يحبس العبد، فإن أبطأ سيده باعه وحفظ ثمنه (1).
استدل من قال بأن واجد الآبق مخير بين أن يأتي به للسلطان أو يحفظه بنفسه:
بالقياس على الضوال: فكما أن له الحق بأن يأخذها ويحفظها، فكذلك الآبق، وكل منهما مال يحتاج إلى رعاية وحفظ (2).
ويمكن أن يستدل لمن قال بأن الإمام غير مخير في التصرف في هذه الحالة:
أن المصلحة تقتضي أن يكون تصرفه في الآبق كذلك، ينتظر مدة سواء كانت محددة أو غير محددة، ثم بعد ذلك يباع ويحفظ ثمنه، وحفظ الثمن أسهل من حفظ العبد؛ إذ هو محتاج إلى النفقة، وربما أبق مرة أخرى.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها.
6] استحقاق الجعل لراد الآبق إذا شرطه:
• المراد بالمسألة: إذا أبق العبد من سيده، فقال السيد: من رد عبدي فله ألف ريال، سواء كان القول لواحد بعينه أم لعموم الناس، فرده أحدهم، فإنه يلزم السيد أن يعطيه الجعل المحدد، باتفاق العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن راد الآبق يستحق الجعل برده إذا اشترطه](3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (4).
• أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن راد الآبق يستحق الجعل برده إذا شرطه](5).
• الأسيوطي (880 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن من رد الآبق يستحق الجعل
(1)"أسنى المطالب"(2/ 444)، "مغني المحتاج"(3/ 627)، "نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي عليه"(5/ 480).
(2)
ينظر: "فتح القدير"(6/ 133).
(3)
"الإفصاح"(2/ 59).
(4)
"حاشية الروض المربع"(5/ 494).
(5)
"رحمة الأمة"(ص 246).
برده إذا شرطه] (1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3).
• وجه الدلالة: أن هذا عقد التزمه الجاعل على نفسه، فوجب الوفاء به.
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم"(4).
• وجه الدلالة: أن السيد قد ألزم نفسه بالشرط الذي اشترطه على نفسه، فيلزمه الوفاء به.
الثالث: أن في وجوب الجعل صيانة لأموال الناس عن الضياع، وحفظ حقوقهم عن الهدر، فلو بقي الأمر على الاحتساب لما أقدم على هذا الفعل -الذي فيه معنى التعاون- كثير من الناس (5).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: علي بن أبي طالب، والحكم بن عمرو (6)، وإبراهيم النخعي، روي عنهم أنهم قالوا:[المسلمون يرد بعضهم على بعض](7).
(1)"جواهر العقود"(1/ 329).
(2)
"مختصر اختلاف العلماء"(4/ 351)، "المبسوط"(11/ 16 - 17)، "بدائع الصنائع"(6/ 203)، "تبيين الحقائق"(3/ 308)، "المدونة"(3/ 468)، "الكافي" لابن عبد البر (ص 377)، "القوانين الفقهية"(ص 182)، "جامع الأمهات"(ص 442).
(3)
المائدة: الآية (1).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
ينظر: "بدائع الصنائع"(6/ 203)، "فتح القدير"(6/ 135).
(6)
الحكم بن عمرو بن مجدع بن حذيم بن الحارث الغفاري، له صحبة ورواية وفضل وصلاح ورأي وإقدام، سكن البصرة، توفي بخراسان وكان واليا عام (51 هـ). "الاستيعاب"(1/ 356)، "أسد الغابة"(2/ 52)، "الإصابة"(2/ 107).
(7)
أخرجه عن علي: عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 209)، وأخرجه عن الحكم وإبراهيم: ابن =
وكذلك ابن حزم من الظاهرية لكنه قال: بأنه لا يقضى للمجعول شيء حتى وإن وقع الشرط على الجعالة، لكن يستحب الوفاء له بالوعد ولا يجب (1).
واستدل هؤلاء: بأن رد الآبق لسيده من باب التعاون على البر والتقوى، والمسلم مأمور بأن يحفظ مال أخيه إذا وجده، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه فلا شيء له؛ لأنه أتى ما هو فرض عليه، لكن لو أعطاه بطيب نفس لكان حسنا؛ لأنه من باب الوفاء بالوعد، والوفاء بالوعد في هذه الحالة مستحب وليس بواجب (2).
أما علي رضي الله عنه فقد جاء عنه أنه جعل في جُعل الآبق دينارا أو اثني عشر درهما (3).
أما النخعي: فقد جاء عنه أنه قال: [لا بأس بجعل الآبق](4).
فإما أن يقال قد تعارض القولان عنهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فيسقطان، أو يحمل قولهما المخالف على أنه ينبغي لمن أتى بالعبد الآبق أن لا يأخذ شيئًا لما فيه من التعاون على البر والتقوى.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ القول المخالف.
* * *
= أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 227).
تنبيه: من المالكية من ذكر بأن من العلماء من خالف في المسألة، ولم يذكروا أحدا بعينه، فلعلهم يقصدون بذلك هؤلاء النفر من الصحابة وغيرهم. ينظر:"الذخيرة"(6/ 5)، "شرح مختصر خليل" للخرشي (7/ 59).
(1)
"المحلى"(7/ 33) وما بعدها.
(2)
المصدر السابق.
(3)
أخرجه عنه: ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 226).
(4)
أخرجه عنه: ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 227). وقد رواه عنه إبراهيم بن مهاجر، وهو متكلم فيه. ينظر:"تهذيب التهذيب"(1/ 146).