الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (1).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو:
أن المنفعة معلومة، مقدور على تسليمها، والمستأجر قد تمكن من استلامها حقيقة، فتصح الإجارة عليها (2).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
9] جواز إجارة الأرض بالذهب والفضة:
• المراد بالمسألة: الأرض البيضاء التي لا شيء فيها، يجوز لمالكها إجارتها بالنقدين الذهب والفضة، إذا توفرت فيها شروط الإجارة، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) يقول: [ما اختلفوا في الذهب والورق]. نقله عنه ابن المنذر، وابن قدامة (3).
• الطبري (310 هـ) يقول: [واختلفوا في كراء الأرض البيضاء، بشيء من جنس المكترى له، بعد إجماعهم على أنها إذا اكتُريت بالذهب والورق، فجائز](4).
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض، وقتا معلوما، جائز بالذهب والفضة. . .، وأجازه كل من نحفظ عنه من
(1)"الجوهرة النيرة"(2/ 376)، "البحر الرائق"(7/ 305)، "الدر المختار"(6/ 30)، "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 841)، "الذخيرة"(5/ 411)، "منح الجليل"(7/ 494)، "روضة الطالبين"(5/ 180)، "الغرر البهية"(3/ 316)، "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان"(ص 225).
(2)
ينظر: "الذخيرة"(5/ 411)، "مغني المحتاج"(3/ 447).
(3)
"الإشراف"(6/ 263)، "المغني"(7/ 569)، وقد جاءت العبارة في "الإشراف" هكذا [قل ما اختلفوا. . .] وفي النسخة القديمة للمغني [فلما اختلفوا. . .]. وأرجو أن يكون هكذا الصواب كما هو الحال في النسخة التي بتحقيق/ التركي، ولم أجد العبارة في كتب المذهب ولا كتب المسائل، حتى أتحقق من ذلك.
(4)
"اختلاف الفقهاء"(ص 148).
أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] (1). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، وابن حجر، والعيني، والشوكاني (2).
• ابن بطال (449 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أنه يجوز كراء الأرض بالذهب والفضة](3). نقله عنه ابن حجر، والشوكاني (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض؟ فقال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها"، فسأله عن كرائها بالذهب والورق؟ فقال:"لا بأس بكرائها بالذهب والورق"(5).
الثاني: عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة، وقال:"إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أخاه أرضا فهو يزرع ما منح منها، ورجل اكترى بذهب أو فضة"(6).
• وجه الدلالة من الحديثين: هذان الحديثان صريحان في جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، وهو مقيد للتحريم المطلق عن كراء الأرض.
(1)"الإشراف"(6/ 263 - 264)، الإجماع (ص 143) ولم يذكر في الأخير إلا الجملة الأولى دون حكاية الإجماع عن الصحابة.
(2)
"المغني"(7/ 569)، "الإقناع" لابن القطان (2/ 1623)، "الشرح الكبير" لابن قدامة (14/ 255)، "فتح الباري"(5/ 25)، "عمدة القاري"(12/ 184)، "نيل الأوطار"(5/ 328). ابن قدامة وشمس الدين ابن قدامة حكيا الجملة الأولى، وابن حجر والعيني والشوكاني حكوا عنه إجماع الصحابة.
(3)
"شرح ابن بطال على صحيح البخاري"(6/ 487).
(4)
"فتح الباري"(5/ 25)، "نيل الأوطار"(5/ 328).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
أخرجه بهذا اللفظ: أبو داود (3393)، (4/ 145)، والنسائي في "المجتبى"(3890)، (7/ 40)، وابن ماجه (2449)، (4/ 96). وصحح إسناده ابن حجر ثم قال:[لكن بيَّن النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه والمزابنة، وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب، وقد رواه مالك في "الموطأ" والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قوله]. "فتح الباري"(5/ 26).
• المخالفون للإجماع:
نُقل الخلاف في المسألة عن جمع من الصحابة والتابعين أنهم قالوا بالنهي عن كراء الأرض بالذهب والفضة، منهم: ابن عمر، وجابر، وابن عباس، ورافع بن خديج، ومجاهد، والحسن، وطاوس، وعكرمة، والقاسم بن محمد (1)، وابن سيرين، وعطاء، ومكحول، ومسروق، ونصر هذا القول ابن حزم من الظاهرية (2).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض"(3).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه"(4).
الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة". المحاقلة: كراء الأرض (5)(6).
أما الأقوال عن الصحابة والتابعين فلم أجد من نقل هذا عنهم غير ابن حزم إلا ما نقل عن طاوس والحسن وعطاء فقط (7)، والبقية قد انفرد ابن حزم بذكر القول
(1) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد فقهاء المدينة السبعة، نشأ في حجر عمته عائشة فأكثر عنها، قال يحيى بن سعيد:[ما أدركنا أحدا نفضله بالمدينة على القاسم]. توفي عام (107 هـ)، وقيل (108 هـ) وقيل غير ذلك، "صفة الصفوة"(2/ 88)، "الحبر في خبر من غبر"(1/ 132).
(2)
"المحلى"(7/ 43 - 48)، وقد أخرج هذه الآثار عنهم كلها.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أخرجه البخاري معلقا، (2341)، (ص 440)، ومسلم (1544)، (3/ 954).
(5)
أخرجه البخاري (2186)، (ص 408)، ومسلم (1546)، (3/ 955).
(6)
ينظر في هذه الأدلة: "المحلى"(7/ 44).
(7)
أخرجه عنهم: عبد الرزاق في "مصنفه"(8/ 91)، وابن عبد البر في "التمهيد"(3/ 36)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 107)، وزاد ابن عبد البر أبا بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان وهو ممن لا يعتد بقوله؛ إذ هو معتزلي جلد. ينظر:"لسان الميزان" =
عنهم.
ولا شك أن هذا الانفراد في النقل عن هؤلاء الأئمة يدعو إلى الريبة والشك، ويتطلب أخذ الحيطة والحذر في الجزم بالنسبة إليهم.
ويجاب عما نقله ابن حزم عنهم بما يلي:
أولًا: أن عامة هذه النقول جاءت عامة في النهي عن كراء الأرض، وقد جاء استثناء الذهب والفضة في نصوص أخرى، كما جاء ذلك في الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن فصل هذه النصوص بعضها عن بعض، والذين ورد عنهم النهي المطلق، لا يدل على عدم التقييد عندهم (1). ثم إن هذه النقول عن هؤلاء، لا تخفى على العلماء، ولم يُنقل أن واحدا منهم نقل هذا النقول التي انفرد بأكثرها ابن حزم، فدل على أنهم فهموا غير ما فهمه ابن حزم منها، وأنها ليست على إطلاقها، ومما يتأيد به هذا الكلام، نَقْل ابن المنذر الإجماع عن الصحابة، وإقرار ابن حجر والعيني له على ذلك.
ثانيًا: أن النهي الذي جاء عنهم محمول على ما يكون فيه غرر وجهالة، تفضي إلى النزاع والشقاق، وهو منتف في كراء الأرض بالذهب والفضة، ويدل على هذا المعنى ما جاء في حديث رافع، وفيه:"كُنَّا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أَخرجت ذه، ولم تُخرج ذه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم". وفي لفظ له أيضًا "فربما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه، فنهينا عن ذلك، ولم نُنْه عن الوَرق"(2).
ثالثًا: من هذه الآثار ما يغلب على الظن تراجع أصحابها عنها، كما هو الحال في قول طاوس -وهو الذي اشتهر عنه القول به- فقد جاء عنه كراهة كراء الأرض بالذهب والفضة صريحا، وقد نص بعض العلماء على أن هذا هو أحد قوليه (3). ومن العلماء من شكك في نسبة هذا القول إليه وإلى الحسن، ومن هؤلاء: القاضي
= (3/ 427).
(1)
ينظر: "فتح الباري"(5/ 25).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"المنتقى"(5/ 142).
عبد الوهاب حيث قال: [ولا أظن الحكاية ثابتة](1).
رابعًا: من الآثار ما يغلب على الظن أن أصحابها قالوها تورعا وتركوها احتياطا، كما ورد عن ابن عمر (2)، ويدل لهذا ما أخبر به سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر كان يكري أراضيه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد اللَّه، فقال: يا ابن خديج ماذا تُحدث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض؟ قال رافع بن خديج لعبد اللَّه: سمعت عَمّيَّ -وكانا قد شهدا بدرا- يحدثان أهل الدار أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، قال عبد اللَّه: لقد كنت أعلم في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد اللَّه أن يكون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض (3). فخشْيَة ابن عمر تدل على تورعه كما هو معروف عنه، ولا يمكن أن يجزم بأن هذا رأي له. ولذا جاء في رواية أنه كان إذا سئل عن ذلك؟ قال: زعم رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. وأصرح من هذا ما رواه نافع عنه قال: كان ابن عمر يُكري أرضه فأخبر بحديث رافع بن خديج فأخبره، فقال: قد علمت أن أهل الأرض يعطون أراضيهم على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويشترط صاحب الأرض أن لي الماذيانات، وما سقى الربيع، ويشترط من الجرين (4) شيئًا معلوما، قال: فكان ابن عمر يظن أن النهي لما كانوا يشترطون (5). وهذا يدل على أن النهي إنما هو إذا كان شرط بين المتعاقدين على أن له شيء محدد من الأرض، وهذا فيه جهالة وضمان، وكلها فاسدة لا تجوز.
خامسًا: أن الذين ورد عنهم النهي، لعل مردَّه إلى ما قاله رافع بن خديج رضي الله عنه، وإنما هو فَهْم فهمه على غير وجهه، كما يدل على ذلك ما جاء عن زيد بن ثابت حين قال: يغفر اللَّه لرافع بن خديج! أنا -واللَّه- أعلم بالحديث منه، إنما كانا
(1)"الإشراف"(2/ 63). وهذا ربما يكون متعقبا لأن الرواية عن طاوس في مسلم.
(2)
ينظر: "المبسوط"(23/ 15).
(3)
أخرج هذا اللفظ: مسلم (1547)، (3/ 956).
(4)
الجرين: الموضع الذي يجري فيه التمر إلى صرم، ويترك حتى يتم جفافه. "المطلع"(ص 132).
(5)
أخرج هذا اللفظ: عبد الرزاق في "مصنفه"(14454)، (8/ 93).
رجلين اقتتلا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن كان هذا شأنكم، فلا تكروا المزارع" فسمع قوله: "لا تكروا المزارع"(1).
ثم إن من العلماء من أنكر ذلك على رافع، منهم: سالم بن عبد اللَّه بن عمر فقد حدث عنه ابن شهاب أنه قال: سألت سالما عن كراء الأرض بالذهب والفضة؟ فقال: [لا بأس بذلك]، قال فقلت: أرأيت الحديث الذي يُذكر عن رافع بن خديج؟ فقال: [أكثر رافع بن خديج، ولو كانت لي أرض أكريتها](2).
وقد ثبت عن رافع أنه أجاز كراء الأرض بالذهب والفضة حين سئل عن ذلك، فقال:[لا بأس بكرائها بالذهب والورق](3).
على أن من العلماء من ضعف حديث رافع، وحكم عليه بالاضطراب، كما جاء عن الإمام أحمد أنه قال:[حديث رافع ألوان] وقال: [حديث رافع ضروب] وقال ابن القيم قبل أن ينقل ذلك عن الإمام أحمد: [حديث رافع في غاية الاضطراب والتلون](4).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة، وما ذكر من الأقوال فما كان ثابتا صحيحا وهو قليل، فإنه يعتبر شاذ لا يُعْتد به، خاصة وأن ممن حكى الإجماع الإمام أحمد، وهو الذي عرف عنه شدة تورعه عن حكاية الإجماع، ومما يؤكد ذلك أن ابن المنذر نص على عدم الخلاف بين الصحابة في ذلك، فالإجماع في المسألة قديم.
* * *
(1) أخرج هذا اللفظ: أبو داود (3382)، (4/ 138)، والنسائي في "المجتبى"(3927)، (7/ 50)، وابن ماجه (2461)، (4/ 103). قال الزيلعي:[حديث حسن]. "نصب الراية"(4/ 180).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 711).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
"حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود"(9/ 184).