الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الصرف
1] اشتراط القبض في الصرف:
• المراد بالمسألة: الصرف في اللغة: معظم باب هذه الكلمة يدل على رَجْع الشيء. فهو شيء صرف إلى شيء، كأن الدينار صرف إلى الدراهم، أي: رجع إليها، إذا أخذت بدله. ومنه اشتق اسم الصيرفي لتصريفه أحدهما على الآخر (1). ويطلق على فضل الدرهم على الدرهم في القيمة، وسمي بذلك؛ لأن الغالب ممن عقد على الذهب والفضة بعضها ببعض، هو طلب الفضل بها؛ لأنه لا يرغب في أعيانها (2).
• وفي الاصطلاح: بيع نقد بنقد من جنسه، أو من غيره (3).
والمقصود هنا: أن من شروط الصرف القبض في المجلس قبل التفرق، فإذا لم يقع فإن العقد فاسد، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن المتصارفَين إذا تفرقا قبل أن
(1)"معجم مقاييس اللغة"(3/ 342) بتصرف، وينظر:"العين"(7/ 109).
(2)
"طلبة الطلبة"(ص 113). وينظر: "المحكم والمحيط الأعظم"(8/ 301)، "لسان العرب"(9/ 190).
(3)
"دقائق أولي النهى"(2/ 73). وفي سبب تسميته بذلك أقوال: الأول: لصرفه عن مقتضى البياعات من عدم جواز التفرق قبل الفبض والبيع نساء. الثاني: من صريفهما وهو تصويتهما في الميزان. الثالث: أن كل واحد يأخذ العوض، وينصرف سريعا، بخلاف غيرهما من المبيع، فإنه ربما كان ثقيلا يحتاج إلى نقل. ينظر:"المطلع"(ص 239)، "تحرير ألفاظ التنبيه"(175 - 176)، "الدر النقي"(2/ 445 - 446).
يتقابضا، أن الصرف فاسد] (1). نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، وتقي الدين السبكي، وبرهان الدين ابن مفلح، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (2).
• الجصاص (370 هـ) يقول: [قد ثبت بالسنة واتفاق الأمة أن من شرط صحة عقد الصرف، افتراقهما عن مجلس العقد عن قبض صحيح](3).
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا يجوز في الصرف شيء من التأخير، ولا يجوز حتى يحضر العين منهما جميعا، وهذا أمر مجتمع عليه](4). ويقول أيضا: [ولا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم النسيئة في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق، وبيع الورق بالذهب، والذهب بالورق، وأن الصرف كله لا يجوز إلا هاء وهاء قبل الافتراق، هذه جملة اجتمعوا عليها، وثبت قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك "إلا هاء وهاء" بنقل الآحاد العدول أيضا، وما أجمعوا عليه من ذلك وغيره فهو الحق](5). ويقول أيضا: [ولا خلاف بين علماء الأمة، أنه لا يجوز النسيئة في بيع الذهب بالورق](6).
• الباجي (474 هـ) يقول: [فأما التفرق قبل القبض -أي: في الصرف- فلا خلاف بين الفقهاء نعلمه في أنه يفسد العقد](7).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن يقع ناجزا](8).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [والقبض في المجلس شرط لصحته -أي:
(1) الإجماع (ص 133)، "الإشراف"(6/ 61).
(2)
"المغني"(6/ 112)، "الشرح الكبير" لابن قدامة (12/ 106)، "تكملة المجموع"(10/ 69)، "المبدع"(4/ 151)، "كشاف القناع"(3/ 266)، و"حاشية الروض المربع"(4/ 525).
(3)
"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 253).
(4)
"التمهيد"(16/ 7).
(5)
"التمهيد"(16/ 12).
(6)
"الاستذكار"(6/ 362). ويقصد بالبيع هنا الصرف؛ فهو قد أورده في باب ما جاء في الصرف.
(7)
"المنتقى"(4/ 271).
(8)
"بداية المجتهد"(2/ 148).
الصرف - بغير خلاف] (1).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وأما الصرف. . .، القبض في المجلس شرط لصحته، بغير خلاف](2).
• تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [قاعدة: العقود بالنسبة إلى التقابض على أربعة أقسام: منها: ما يجب فيه التقابض قبل التفرق بالإجماع، وهو الصرف](3).
• ابن حجر (852 هـ) يقول: [والصرف. . .، له شرطان: منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه، وهو المجمع عليه](4). ويقول أيضا: [واشتراط القبض في الصرف، متفق عليه](5). نقل عنه العبارة الأولى المباركفوري (6).
• العيني (855 هـ) يقول: [(ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) يعني: قبل الافتراق بالأبدان، بإجماع العلماء](7).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) بإجماع الفقهاء](8).
• الشوكاني (1250 هـ) يقول: [لا بد في بيع بعض الربويات من التقابض، ولا سيما في الصرف وهو: بيع الدراهم بالذهب وعكسه، فإنه متفق على اشتراطه](9).
ويقول أيضا: [فإن كان بيع الذهب والفضة، أو العكس، فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا](10).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (11).
(1)"المغني"(6/ 112).
(2)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (12/ 106).
(3)
"تكملة المجموع"(10/ 93).
(4)
"فتح الباري"(4/ 382).
(5)
"فتح الباري"(4/ 383).
(6)
"تحفة الأحوذي"(4/ 369).
(7)
"البناية"(8/ 395).
(8)
"فتح القدير"(7/ 135).
(9)
"نيل الأوطار"(5/ 229).
(10)
"نيل الأوطار"(5/ 230).
(11)
"المحلى"(7/ 436).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن سليمان بن أبي مسلم (1) قال: سألت أبا المنهال (2) عن الصرف يدا بيد؟ فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه؟ فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم (3)، وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"ما كان يدا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه"(4).
الثاني: عن مالك بن أوس (5) أنه التمس صرفا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد اللَّه، فتراوضنا حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: واللَّه لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء"(6).
الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب
(1) سليمان بن أبي مسلم عبد اللَّه المكي الأحول، خال عبد اللَّه بن أبي نجيح، وثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي وغيرهم، "تهذيب الكمال"(12/ 62)، "تاريخ الإسلام"(8/ 123).
(2)
عبد الرحمن بن مطعم البناني أبو المنهال المكي، روى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم وابن عباس وغيرهم من الصحابة، ووثقه أبو زرعة، وروى له الجماعة. مات عام (106 هـ). "الجرح والتعديل"(5/ 284)، "تهذيب الكمال"(17/ 406).
(3)
زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان الخزرجي أبو عمر، استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشهد الخندق، وغزا سبع عشرة غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سمع عبد اللَّه بن أبي يقول: ليخرجن الأعز منها الأذل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عبد اللَّه، فأنزل اللَّه تصديق زيد، شهد صفين مع علي. مات بالكوفة عام (66 هـ)، وقيل:(68 هـ). "الاستيعاب"(2/ 535)، "أسد الغابة"(2/ 342)، "الإصابة"(2/ 589).
(4)
أخرجه البخاري (2497، 2498)، (ص 472).
(5)
مالك بن أوس الحَدَثَان بن الحارث أبو سعد النصري - بالنون - الحجازي المدني، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن عمر وعلي وعثمان وغيرهم، شهد الجابية وفتح بيت المقدس مع عمر، وكان عريفا في زمن عمر، وهو ثقة معروف بالفصاحة، قليل الحديث. توفي عام (92 هـ). "سير أعلام النبلاء"(4/ 172)، "تهذيب الكمال"(27/ 121).
(6)
أخرجه البخاري (2174)، (ص 407)، ومسلم (1586)، (3/ 980).