الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لغرمائه:"خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"(1).
• وجه الدلالة من الحديثين:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بوضع جائحة الثمار عن المشتري، ولم يأمر بوضعها عنه في حديث أبي سعيد، فدل على أن الأمر بوضع الجائحة ليس على إطلاقه، فإذا وقعت الجائحة على الثمرة بعد قبض المشتري فلا توضع عنه.
الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" فقيل لابن عمر: ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته (2).
• وجه الدلالة: قال ابن حزم: [تأملوا هذا! فإن ابن عمر روى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وفسر ابن عمر بأن بدو صلاح الثمر: هو في ذهاب عاهته، فصح يقينًا أن العاهة وهي: الجائحة، لا تكون عند ابن عمر إلا قبل بدو صلاح الثمر، وأنه لا عاهة ولا جائحة، بعد بدو صلاح الثمر](3).
الرابع: جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: [ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع](4). ولا يعلم له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
23] جواز بيع الثمرة كاملة بعد بدو صلاح بعضها:
• المراد بالمسألة: إذا بدا صلاح بعض ثمرة النخلة أو الشجرة دون بعض، فإنه لا ينتظر صلاح الباقي، ويجوز له بيع الثمرة كاملة، باتفاق العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض
(1) أخرجه مسلم (1556)، (3/ 965).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"المحلى"(7/ 281).
(4)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(215)، (3/ 53)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 16)، و"شرح مشكل الآثار"(13/ 256)، وذكره البخاري معلقًا (ص 402). وصحح إسناده ابن حجر في "تغليق التعليق"(3/ 243).
ثمرة النخلة، أو الشجرة صلاح لجميعها، أعني: أنه يباح بيع جميعها بذلك، ولا أعلم فيه اختلافًا] (1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (2).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(وصلاح بعض ثمرة البرة صلاح جميعها) لا يختلف المذهب فيه، فيباح بيع جميعها بذلك، لا نعلم فيه خلافًا](3).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . يجوز بالاتفاق إذا بدا صلاح بعض نخلة أو شجرة، أن يباع جميع ثمرها، وإن كان فيها ما لم يصلح بعد](4). ويقول أيضًا: [إذا بدا صلاح بعض الشجرة، كان صلاحا لباقيها، باتفاق العلماء](5).
• ابن القيم (751 هـ) يقول: [والمعدوم ثلاثة أقسام: . . .، الثاني: معدوم تبع للموجود، وإن كان أكثر منه، وهو نوعان: نوع متفق عليه، ونوع مختلف فيه. فالمتفق عليه: بيع الثمار بعد بدو صلاح ثمرة واحدة منها، فاتفق الناس على جواز بيع ذلك الصنف الذي بدا صلاح واحدة منه، وإن كانت بقية أجزاء الثمار معدومة وقت العقد](6).
• تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة دون بعض، نظر: . . .، إن اتحد الجنس، والنوع، والبستان، والصفقة، والملك، جاز البيع من غير شرط القطع، بلا خلاف](7).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (8).
(1)"المغني"(6/ 156).
(2)
"حاشية الروض المربع"(4/ 557).
(3)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 203).
(4)
"مجموع الفتاوى"(29/ 37)، "الفتاوى الكبرى"(4/ 24).
(5)
"مجموع الفتاوى"(29/ 489، 480).
(6)
"زاد المعاد"(5/ 808).
(7)
"تكملة المجموع"(11/ 160).
(8)
"تبيين الحقائق"(4/ 12)، "فتح القدير"(6/ 287 - 288)، "الجوهرة النيرة"(1/ 189)، "مواهب الجليل"(4/ 500 - 501)، "الفواكه الدواني"(2/ 93)، "حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني"(2/ 168).
تنبيه: الحنفية يرون أن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح لا بشرط القطع لا يخلو من حالتين: =
• مستند الإجماع: يستدل لهذا الإجماع بدليل من المعقول، وهو:
أن اللَّه سبحانه وتعالى أجرى العادة بأن الثمرة لا تطيب دفعة واحدة رفقًا بالعباد، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها في طول وقته، وإنما تطيب شيئًا فشيئا، ولو اشترط في كل ما يباع كمال طيبه في نفسه لكان فيه ضررا، فإن العذق الواحد يطيب بعضه دون بعض، وإلى أن يطيب الأخير يتساقط الأول، وهذا يؤدي إلى أنه: إما أن لا يباع، وإما أن يباع حبة حبة، وفي كلا الأمرين حرج ومشقة، وقد قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1). وقال صلى الله عليه وسلم: "إني أرسلت بحنيفية سمحة"(2)(3).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، وهو أنه إذا اتحد النوع في بستان واحد، فإنه لا يجوز بيع الثمرة، ما لم يبدو صلاح الجميع (4). وهذا مخالف لما ذكره السبكي.
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: أن ما لم يبدو صلاحه داخل في عموم النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه لم يبد صلاحه، فلم يجز بيعه من غير شرط القطع، كالجنس الآخر، وكالذي في البستان الآخر (5).
النتيجة:
صحة الإجماع في جواز بيع الثمرة إذا بدا صلاح بعض النخلة؛ وذلك
= الأولى: أن يمكن الانتفاع به ولو علفا للدواب فهذا جائز بلا نزاع عندهم. الثانية: إذا كان لا يمكن الانتفاع به لا في الأكل ولا في جعله علفا للدواب، ففيه خلاف عندهم: قيل: يجوز. وقيل: لا يجوز. والخلاصة أنهم يوافقون الجمهور على الإجماع المحكي.
(1)
الحج: الآية (78).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(24855)، (41/ 349). وحسن إسناده ابن حجر في "تغليق التعليق"(3/ 43).
(3)
"تكملة المجموع"(11/ 159) بتصرف يسير، وينظر:"أسنى المطالب"(2/ 104)، "شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 335).
(4)
"المغني"(6/ 156)، "الإنصاف"(5/ 79).
(5)
"المغني"(6/ 156).