الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيع، أو تصرف فيه تصرفا دالا على الرضا به، قبل علمه بالعيب، لم يسقط خياره؛ لأن ذلك لا يدل على الرضا به معيبا. وإن فعله بعد علمه بعيبه، بطل خياره في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: كان الحسن، وشريح، وعبيد اللَّه بن الحسن، وابن أبي ليلى، والثوري، وأصحاب الرأي، يقولون: إذا اشترى سلعة، فعرضها على البيع بعد علمه العيب، بطل خياره. وهذا قول الشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (1).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [فإذا ظهر ما يدل على الرضا من قول، أو فعل، سقط خياره بالاتفاق](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: أن حق الرد إنما شرع لفوات السلامة المشروطة في العقد دلالة، ولما صدر منه ما يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به، دل على أنه أسقط حق نفسه.
الثاني: أن حق الرد في حال العيب ثبت للمشتري دفعا للضرر عنه، فإذا عرض السلعة للبيع دل على رضاه بالعيب، وإذا ثبت الرضا سقط الخيار بينهما (4).
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها.
36] منع رجوع المشتري بقيمة العيب في العين مع إمساكها:
• المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري العبد، وكان به عيب لم يحدث عنده، ولم يكن قد علم به أو رآه من قبل، والعيب في إزالته مشقة عليه، وانتفى شرط
(1)"الشرح الكبير" لابن قدامة (11/ 401).
(2)
"مجموع الفتاوى"(29/ 366).
(3)
"بدائع الصنائع"(5/ 282)، "فتح القدير"(6/ 390 - 391)، "البحر الرائق"(6/ 71)، "المدونة"(3/ 215)، "التلقين"(2/ 388 - 389)، "الذخيرة"(5/ 103)، "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 487)، "أسنى المطالب"(2/ 65)، "شرح جلال الدين المحلى"(2/ 251 - 252)، "تحفة المحتاج"(4/ 366 - 367).
(4)
ينظر في الدليلين: "بدائع الصنائع"(5/ 282).
البراءة من العيوب بينهما، واستمر ملك المشتري له، ولم يتغير بزيادة ولا نقصان، فإنه يثبت له الخيار بين الإمساك والرضا بالعيب، وبين رد العبد وإرجاع كامل الثمن، ولا يحق له الإمساك مع المطالبة بالأرش. هذا إذا لم يكن بينهما مصالحة ورضا على أخذ الأرش، بإجماع العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمعوا أن المبتاع إذا وجد العيب لم يكن له أن يمسكه، ويرجع بقيمة العيب](1). نقله عنه ابن القطان (2).
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن للمشتري الرد بالعيب الذي لم يعلم به حال العقد ما لم يحدث عنده عيب آخر، وأن له إمساكه إن شاء بعد عثوره عليه](3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (4).
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وإذا وُجدت العيوب، فإن لم يتغير المبيع بشيء من العيوب عند المشتري، فلا يخلو: أن يكون في عقار، أو عروض، أو في حيوان، فإن كان في حيوان، فلا خلاف أن المشتري مُخيَّر بين أن يرد المبيع ويأخذ ثمنه، أو يمسك ولا شيء له](5).
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [متى علم بالمبيع عيبا لم يكن عالما به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه، أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا](6).
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [من البيوع ما نهي عنه لما فيها من ظلم أحدهما للآخر. . .، وهذه إذا علم المظلوم بالحال في ابتداء العقد، مثل: أن يعلم بالعيب
(1)"الاستذكار"(6/ 285).
(2)
"الإقناع" لابن القطان (4/ 1735).
(3)
"الإفصاح"(1/ 289).
(4)
"حاشية الروض المربع"(4/ 447).
(5)
"بداية المجتهد"(2/ 134).
(6)
"المغني"(6/ 225). والموفق بعد هذا ساق خلاف القائلين بالإمساك، هل يمسك بغير مقابل أم يجوز له المطالبة بالأرش؟ فهو هنا ساق القدر المتفق عليه بأن له الخيار بين الأمرين، فمن العلماء من اقتصر عليهما، ومنهم من زاد الأمر الثالث، وهو الإمساك مع المطالبة بالأرش.
والتدليس والتصرية، ويعلم السعر إذا كان قادما بالسلعة، ويرضى بأن يغبنه المتلقي، جاز ذلك، فكذلك إذا علم بعد العقد: إن رضي جاز، وإن لم يرض كان له الفسخ. وهذا يدل على أن العقد يقع غير لازم، بل موقوفا على الإجازة، إن شاء أجازه صاحب الحق، وإن شاء رده، وهذا متفق عليه في بيع المعيب، مما فيه الرضا بشرط السلامة من العيب] (1).
• تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [واتفقوا على أن من اشترى شيئا، ولم يبين له البائع العيب فيه، ولا اشترط المشتري سلامة، ولا اشترط الإخلاء به، ولا بيع منه ببراءة، فوجد به عيبا كان به عند البائع، وكان ذلك العيب يمكن البائع معرفته، وكان يحط من الثمن حطا لا يتغابن الناس بمثله في مثل ذلك البيع في ذلك الوقت -يعني: وقت عقد البيع- ولم يتلف عين المبيع ولا نقصها، ولا تغير اسمه، ولا تغير سوقه، ولا خرج عن ملك المشتري كله ولا بعضه، ولا أحدث المشتري فيه شيئا لا وطئًا ولا غيره، ولا ارتفع ذلك العيب، وكان البائع قد نقد فيه جميع الثمن، فإن للمشتري أن يرده ويأخذ ما أعطى فيه من الثمن، وإن له أن يمسكه إن أحب](2).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا ابتاع غلاما، فأقام عنده ما شاء اللَّه أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول اللَّه قد استغل غلامي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل ولم يكن قد رضي بالعيب، لم
(1)"مجموع الفتاوى"(29/ 283 - 284).
(2)
"تكملة المجموع"(11/ 312 - 313).
(3)
"تبيين الحقائق مع حاشية شلبي عليه"(4/ 31)، "الهداية مع فتح القدير"(6/ 355 - 357)، "المحلى"(7/ 574).
(4)
سبق تخريجه.