الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعَ وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(1).
• وجه الدلالة: أن من أعظم أوجه إضاعة المال، إنفاقه فيما لا منفعة فيه، ومنها مبايعة هوام الأرض.
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: الشافعية، فقالوا بالتفصيل: يجوز بيع الحشرات التي يباح أكلها؛ كالضب واليربوع وأم حبين وابن عرس والدلدل والقنفذ والوبر. أما التي يحرم أكلها، فلا يجوز (2).
ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن الأكل منفعة من المنافع، بل هي أعظم المنافع، فما دام أن له منفعة فيصح مبايعته، وما عداه فيبقى على التحريم؛ لانعدامها.
النتيجة:
صحة الإجماع في طرف من المسألة، وهو المنع من الحشرات التي لا يحل أكلها؛ وذلك لعدم وجود المخالف فيها، أما ما يحل أكلها فلا يصح فيها الإجماع؛ لثبوت الخلاف عند الشافعية.
33] تحريم بيع جلود الميتة قبل الدبغ وإباحته بعدها:
• المراد بالمسألة: الدبغ: ما يدبغ به الجلد، وهو: معالجته بمادة ليلين ويزول ما به من رطوبة ونتن (3).
وجلد الميتة -وهي: ما زالت حياتها بغير ذكاة شرعية- قبل دباغته لا يجوز بيعه، أما بعدها فيجوز، وهذان أمران أجمع عليهما العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن المنذر (318 هـ) لما ذكر الخلاف عن الزهري، وأجاب عنه: بأنهما
(1) سبق تخريجه.
(2)
"تحفة المحتاج"(4/ 238)، "حاشية الرملي على أسنى المطالب"(2/ 9)، "حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي"(2/ 198).
(3)
"لسان العرب"(8/ 424)، "المعجم الوسيط"(1/ 270).
قولان متكافئان فيسقطان، قال بعده:[. . . ويثبت تحريم الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ باتفاق أهل العلم، إذ لا نعلم أحدا أرخص في ذلك، إلا ما اختلف فيه عن الزهري](1). ومن وجوه الانتفاع البيع.
• الطحاوي (321 هـ) يقول: [لم نجد عن أحد من العلماء جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ](2).
• الجصاص (370 هـ) يقول: [اتفقوا أنه لا ينتفع بالجلود قبل الدباغ](3). ومن صور الانتفاع البيع.
• النووي (676 هـ) يقول: [لا يجوز بيع الجلد النجس بالاتفاق](4).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيعه قبل الدبغ، لا نعلم فيه خلافا](5).
• العيني (855 هـ) يقول: [(ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ) أي: ولا يجوز بيعها قبل الدباغة. وقيد بقوله: قبل أن تدبغ؛ لأن بعد الدبغ يجوز، بلا خلاف بين الفقهاء](6).
(1)"الأوسط"(2/ 270). وكلامه هذا يدل على أن القول الشاذ لا ينقض الاتفاق في المسألة.
(2)
"مختصر اختلاف العلماء"(1/ 160). وقد نقل كلامه ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 154)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(10/ 156). وقد تصرف ابن عبد البر في كلام الطحاوي، فقدم وأخر فيه، ونقله القرطبي عنه مع تصرفه، ولم يوافق على حكاية الإجماع، ثم إنه وجه كلام الطحاوي، لما ذكر قول الليث ونفى الخلاف بقوله:[يعني من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار بعد التابعين]، ويظهر -واللَّه أعلم- أن التوجيه الأقرب لكلام الطحاوي هو أنه أراد الإجماع على حقيقته، وقصد من ذكر خلاف الليث الحكم بالشذوذ على قوله، وإذا حكم بالشذوذ عليه فلا ينقض الإجماع في المسألة، وإلا فإن الإمام الطحاوي غني عن أن يعبر بهذه العبارة الصريحة في نفي الخلاف في المسألة.
(3)
"أحكام القرآن"(3/ 25).
(4)
"المجموع"(9/ 287).
(5)
"الشرح الكبير"(1/ 170). وهذا من الغرائب أن ينفي الخلاف في مسألة، ولم يعتمد فيها على كلام الموفق أبي محمد ابن قدامة في "المغني".
(6)
"البناية"(8/ 167).
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ). . .، ولا خلاف في هذا](1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (2).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (3).
• وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل حرم الميتة في كتابه، فكان ذلك واقعا على اللحم والجلد جميعا، وجاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالترخص في جلد الشاة الميتة بعد الدباغ، فوجب استثناء ذلك من جملة التحريم، وبقي حكم الجلد قبل الدباغ على الأصل وهو التحريم (4).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة (5) رضي الله عنها فقالت: يا رسول اللَّه ماتت فلانة، تعني الشاة، قال:"فلولا أخذتم مَسْكها؟ ". فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما قال اللَّه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (6) الآية، فإنه لا بأس بأن تدبغوه فتنتفعوا به". قالت: فأرسلت إليها، فسلخت مسكها فدبغته، فاتخذت منه قِرْبة، حتى تخرَّقت (7).
(1)"فتح القدير"(6/ 427).
(2)
"المحلى"(1/ 128).
(3)
المائدة: الآية (3).
(4)
ينظر: "الأوسط"(2/ 269).
(5)
سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، تزوجها السكران بن عمرو فتوفي عنها، فتزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانت أول امرأة تزوجها بعد خديجة، ولما خشيت أن يطلقها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهبت يومها لعائشة. توفيت عام (54 هـ). "الاستيعاب"(4/ 1867)، "أسد الغابة"(7/ 157)، "الإصابة"(7/ 721).
(6)
الأنعام: الآية (145).
(7)
أخرجه أحمد في "مسنده"(3026)، (5/ 156)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 471)، وأبو يعلى في "مسنده"(2334)، (4/ 222). قال الدبيان:[إسناده ضعيف، رواية سماك عن عكرمة مضطربة. . .، وقد خالف سماك غيره في هذا الحديث في سنده ومتنه]. "أحكام الطهارة": المياه - الآنية (ص 513).
• وجه الدلالة: قال الطحاوي: [ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته عن ذلك، قرأ عليها الآية التي نزل فيها تحريم الميتة، فأعلمها بذلك أن ما حرم عليهم بتلك الآية من الشاة حين ماتت إنما هو الذي يطعم منها إذا ذكيت لا غير، وأن الانتفاع بجلودها إذا دبغت، غير داخل في ذلك الذي حرم منها](1). وإذا جاز الانتفاع بها جاز بيعها.
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه إذا حرم على قوم أكل شيء، حرم عليهم ثمنه"(2).
• وجه الدلالة: أن الميتة الأصل فيها التحريم، فيكون ثمنها محرما، ويستثنى منه ما استثناه الدليل، وهو جلدها المدبوغ.
• المخالفون للإجماع:
هذه المسألة يمكن جعلها على قسمين:
الأول: بيع جلود الميتة قبل الدبغ: وهذه خالف فيها الليث بن سعد (3)، والزهري (4)، ورواية عن الإمام مالك (5)، قالوا بجواز البيع.
واستدل هؤلاء قالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أذن في الانتفاع بجلود الميتة، والانتفاع عام يدخل فيه البيع (6).
الثاني: بيع جلود الميتة بعد الدبغ: فالمشهور عند المالكية (7)، والقول القديم
(1) المصدر السابق.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"مختصر اختلاف العلماء"(1/ 160). ونقله عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 156).
(4)
"الأوسط"(2/ 268)، "التمهيد" (4/ 155). ونقل ابن عبد البر عن أبي عبد اللَّه المروزي قوله:[وما علمت أحدا قال ذلك قبل الزهري]. وهذه إشارة منه إلى الحكم بشذوذ القول.
(5)
"التمهيد"(4/ 156، 164).
(6)
"التمهيد"(4/ 156) بتصرف.
(7)
"المدونة"(3/ 438)، "المنتقى"(3/ 135)، "جامع الأمهات"(ص 338)، "الثمر الداني"(ص 402).
تنبيه: نسب الماوردي في "الحاوي الكبير"(1/ 65) إلى أبي حنيفة القول بالجواز، ونقله النووي عن العبدري، ولم أجد هذا في كتب الحنفية.
عن الشافعي (1)، ورواية عند الحنابلة (2)، وقال به إبراهيم النخعي من التابعين (3)، وهو القول بمنع بيعها (4).
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
الأول: أن الجلد جزء من الميتة، فلا يكون قابلا للعوض، أخذا من النصوص الدالة على تحريم ثمنه وبيعه (5).
الثاني: أنه حرم التصرف فيه بالموت، ثم رخص في الانتفاع به، فبقي ما سوى الانتفاع على التحريم (6).
أما ما جاء في القسم الأول: فالليث والزهري فهو وإن كان المشهور عنهما هذا، إلا أن لهم أقوالا ثابتة توافق الإجماع، وإذا جاء عن الإمام قولان متقابلان، لا يعلم الناسخ من المنسوخ، ولا الأول من الآخر، فالقاعدة أن يسقط عنه القولان، كما قرر ذلك ابن المنذر رحمه الله (7).
وما جاء عن الإمام مالك، فقد حكم عليه ابن عبد البر بالشذوذ، والشاذ لا يعتد به (8).
(1)"الحاوي الكبير"(1/ 65)، "المجموع"(1/ 283).
(2)
"المغني"(6/ 363)، "شرح العمدة"[كتاب الطهارة] لابن تيمية (ص 128)، "الإنصاف"(1/ 89)، "كشاف القناع"(1/ 55).
(3)
أخرجه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 46)، وذكره ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 268). وجاء عنه رواية تخالف هذه الرواية، وهي القول بالجواز أخرجها ابن أبي شيبة (5/ 47)، وذكرها ابن حزم في "المحلى"(1/ 131).
(4)
ويظهر أن مبنى الخلاف في مسألة البيع على القول بطهارة جلد الميتة بالدباغ.
(5)
"كشاف القناع"(1/ 55) بتصرف.
(6)
المهذب (1/ 283).
(7)
"الأوسط"(2/ 270)، "التمهيد" (4/ 154). والليث بن سعد جاء عنه أنه قال:[لا بأس بالصلاة في جلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بالنعال من جلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بالاستقاء من جلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بالوضوء إذا دبغ] أخرجه ابن عبد البر، ثم قال معلقا [فهذه الرواية عن الليث بذكر شرط الدباغ أولى مما تقدم عنه]. وأقول: خاصة إذا كان فيها مخالفة لإجماع العلماء.
(8)
"التمهيد"(4/ 164).