الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجعل يجعلوه لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، ولم ينكر عليهم، فدل على جواز فعلهم.
الثالث: أن الحاجة داعية لمثل هذا العقد، فقد يشرد العبد وتضل الضالة، ولا يجد من يتبرع له في البحث عنهما، ولا يمكن له أن يستأجر عليهما، وذلك للجهالة في العمل الذي يمنع صحة الإجارة، فلم يبق إلا أن يصح له أن يضع جعلا يستحقه من أدى له هذا العمل، والشارع الحكيم لا يمنع ما فيه منفعة للناس (1).
• المخالفون للإجماع:
خالف في هذه المسألة: ابن حزم الظاهري، قال: لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، ولا يقضى له بشيء لو أحضره، لكن يستحب له الوفاء بما وعده إياه (2).
واستدل لقوله: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال (3)، واللَّه أمر بالتعاون على البر والتقوى، وحق على كل مسلم أن يحفظ مال أخيه إذا وجده، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفس منه (4)، فلا يحل لمن أتى بآبق؛ لأنه فعل ما هو واجب عليه تجاه أخيه (5).
أما استحباب الوفاء بما وعده إياه، فلأنه وعد، والوعد غير واجب الوفاء به في هذه الحالة، وإنما هو على الاستحباب (6).
ولم أجد من وافقه من المتقدمين أو من المتأخرين على قوله هذا.
النتيجة:
صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها.
2] عدم استحقاق الجعل على عمل غير رد الآبق:
• المراد بالمسألة: من عمل لغيره عملا كرد لقطة أو ضالة ونحوها، ولم يكن صاحب العمل قد حدَّد جُعلا لهذا العمل، وهذا العمل لم يكن تخليص متاع لغيره من هلكة متحققة كفلاة أو بحر أو فم سبع، وهو -أي: العامل- غير مُعدٍّ لأخذ
(1) ينظر: "المغني"(8/ 323).
(2)
"المحلى"(7/ 33).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
"المحلى"(7/ 38).
(6)
"المحلى"(7/ 35). وابن حزم يرى أنه لا يجب الوفاء بالوعد إلا الوعد الذي افترضه اللَّه تعالى فقط.
الأجرة -وهو الذي يرصد نفسه للتكسب بالعمل- وكان العمل غير رد الآبق، فإنه لا يستحق الجعل على هذا العمل، بلا خلاف بين العلماء.
• من نقل الإجماع:
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ومن رد لقطة أو ضالة، أو عمل لغيره عملا غير رد الآبق، بغير جعل، لم يستحق عوضا، لا نعلم في هذا خلافا](1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (2).
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ومن عمل لغيره عملا بغير جعل، فلا شيء له، إلا في رد الآبق) لا نعلم في هذا خلافا](3).
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ومن عمل لغيره عملا بغير جعل، فلا شيء له، بغير خلاف نعلمه](4).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (5).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: أن العامل بذل منفعته من غير شرط عوض من المالك، فلم يستحق شيئًا على عمله، فهو في هذه الحالة كالمتبرع بعمله.
الثاني: أن إلزام المالك بالجعل في هذه الحالة إلزام بغير دليل ولا شرط، فيكون أخذُ المال في هذه الحالة أخذٌ له من غير طيب نفس صاحبه، وهذا ممنوع شرعا (6).
(1)"المغني"(8/ 328).
(2)
"حاشية الروض المربع"(5/ 499).
(3)
"الشرح الكبير" لابن قدامة (16/ 173 - 174).
(4)
"المبدع"(5/ 270).
(5)
"المبسوط"(11/ 16 - 17)، "بدائع الصنائع"(6/ 204)، "تبيين الحقائق"(3/ 308)، "أسنى المطالب"(2/ 439)، "شرح جلال الدين المحلي على المنهاج"(3/ 131 - 132)، "مغني المحتاج"(3/ 618).
(6)
ينظر في الدليلين: "المغني"(8/ 328)، "المبدع"(5/ 270)، "كشاف القناع"(4/ 206).