الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطحال، وهما وإن، ولا خلاف في طهارتهما" (1)، وهي عبارة مذهبية ذكرتها للاعتضاد.
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (2).
• مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، قال:"أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان: السمك والجراد، والدمان: الكبد والطحال"(3).
• وجه الدلالة: ظاهرةٌ من الحديث، فما دام أنهما أحلَّا لنا، فالله تعالى يحل الطيبات، ويحرم الخبائث؛ فهي طيبة طاهرة إذًا، واللَّه تعالى أعلم.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[15 - 51] طهارة المسك:
المسك ريح طيب يحبه الناس، وهو طاهر بإجماع المسلمين، كما حكاه عدد من العلماء.
• من نقل الإجماع: الباجي (474 هـ) -في سياق حديثه عن طهارة المسك-: "وقد أجمع المسلمون على طهارته"(4).
النووي (676 هـ) حيث يقول: "المسك طاهر بالإجماع"(5).
ونقله عنه ابن حجر (6)، وابن عابدين (7)، وابن قاسم (8).
ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك، إلا ما حكي عن عمر من كراهته"(9).
(1)"الإنصاف"(1/ 328)، وانظر:"كشاف القناع"(1/ 191).
(2)
"حاشية ابن عابدين"(1/ 319).
(3)
أحمد (ح 5723)، (2/ 97)، ابن ماجه كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، (ح 3314)، (2/ 1102)، صححه النووي في "المجموع"(2/ 578)، والألباني في "الصحيحة"(ح 1118).
(4)
"المنتقى شرح الموطأ"(1/ 61).
(5)
"المجموع"(2/ 591)، وانظر أيضًا:(9/ 370، 371).
(6)
"فتح الباري"(9/ 660)، وانظر:"أسنى المطالب"(1/ 11).
(7)
في "حاشيته"(1/ 209).
(8)
"حاشية الروض"(1/ 115).
(9)
"فتح الباري"(9/ 661).
الحطّاب (954 هـ) حيث يقول عن المسك: "وحكي الإجماع على طهارته"(1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (2)، والحنابلة (3)، وابن حزم (4).
• مستند الإجماع:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"أطيب الطيب المسك"(5).
• وجه الدلالة: ظاهر من الحديث، فقد وصف المسك بالطيّب، وهو لا يكون إلا لطاهر.
2 -
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:"كأني أنظر إلى وَبِيص (6) الطيب، في مفرق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم"(7)، وفي لفظ:"المسك"(8).
• وجه الدلالة: السنة الفعلية من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على طهارته، فقد استعمله، وهو في وقت عبادة، مما يدل على طهارته، وإلا لاجتنبه عليه الصلاة والسلام.
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الضحاك، فقال: إنه دم وميتة، فهو نجس عنده (9).
ونقل عن عمر رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وعطاء (10)، والحسن (11)، كراهتهم له.
ولكن قال ابن المنذر: "لا أحسبه يصح"(12)، يريد عن عمر، وقال عن مخالفة
(1)"مواهب الجليل"(1/ 97)، وانظر:"التاج والإكليل"(1/ 137)، و"شرح الخرشي"(1/ 87).
(2)
"البحر الرائق"(1/ 244)، و"درر الحكام"(1/ 25)، و"حاشية ابن عابدين"(1/ 209).
(3)
"الفروع"(1/ 249)، و"الإنصاف"(1/ 328)، و"شرح المنتهى"(1/ 32).
(4)
"المحلى"(6/ 57).
(5)
مسلم كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب وكراهة رد الريحان والطيب، (ح 2252)، (4/ 1765).
(6)
الوبيص: اللمعان، "المصباح" (247) مادة: وبص.
(7)
البخاري كتاب الغسل، باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب (ح 267)، (1/ 105).
(8)
مسلم كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، (ح 1190)، (2/ 849).
(9)
"المصنف"(6/ 220)، و"الأوسط"(2/ 297).
(10)
"الأوسط"(2/ 297).
(11)
"المصنف"(6/ 220)، و"الأوسط"(2/ 297).
(12)
"الأوسط"(2/ 297).
غيره: "ولا نعلم تصح كراهية ذلك إلا عن عطاء"(1).
وقد أشار ابن حجر للخلاف في المسألة، ولم ينسبه لأحد في موضع (2)، وأشار إليه في موضع آخر، وقال:"هو منقول عن الحسن، وعطاء، وغيرهما"، ثم قال بعد ذلك:"ثم انقرض هذا الخلاف، واستقر الإجماع على طهارة المسك، وجواز بيعه"(3).
وفي موضع ثالث؛ حكى الإجماع فيه كما سبق، ثم نقل حكاية كراهته عن عمر (4).
وقد حكى ابن عابدين قولا بعدم طهارته، معللا له بأن المسك من دابة حية، ولكنه لم يذكر صاحب القول، وعلق عليه بقوله:"وهذا القول لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه"(5).
ونقل الحطاب عن المازري، أنه حكى عن طائفةٍ قولا بنجاسته، ولم يعلق عليه (6)، مع أنه نقل حكاية الإجماع على طهارته (7).
ولم أجد خلافًا لدى الحنابلة في المسألة، ولكن أشكل عليَّ أن المرداوي نقل عن ابن مفلح، ما يوحي بوجود احتمال للحنابلة في المسألة.
فبعد أن ذكر طهارة المسك، ولم يشر لخلاف فيه، وأشار بعدها إلى الخلاف في فأرته، قال:"قال في "الفروع": ويحتمل نجاسة المسك؛ لأنه جزء من حيوان، لكنه ينفصل بطبعه"(8).
ولكن عندما راجعت الفروع، وجدت عبارته كالآتي:"فصل، ودود القز، والمسك، وفأرته طاهر. وقال الأزجي: فأرته طاهرة، ويحتمل نجاستها؛ لأنه جزء من حيوان حي، لكنه ينفصل بطبعه؛ كالجنين"(9).
والكلام هنا يحتمل أمرين:
الأول: أن قوله: "يحتمل نجاستها" راجع إلى الفأرة، حيث لم يشر للمسك،
(1)"الأوسط"(2/ 297).
(2)
"فتح الباري"(1/ 345).
(3)
"فتح الباري"(4/ 324).
(4)
"فتح الباري"(9/ 661).
(5)
"حاشية ابن عابدين"(1/ 209).
(6)
"مواهب الجليل"(1/ 97).
(7)
"مواهب الجليل"(1/ 97)، وانظر:"التاج والإكليل"(1/ 137).
(8)
"الإنصاف"(1/ 328)، وتأكدت من صحة العبارة في الطبعة المحققة (2/ 324).
(9)
"الفروع"(1/ 249).
وتحدث بصيغة التأنيث، والمسك مذكّر، وهذا هو الأظهر، وهو الذي يتوافق مع سائر كلام الحنابلة (1)، ولكن يشكل عليه الآتي.
الثاني: أن قولَه راجعٌ إلى المسك، كما نقل المرداوي، ويدل له أنه قال:"لأنه جزء"، ولم يقل:"لأنها"، والمرداوي إمام في المذهب ويبعد أن يفوت عليه مثل هذا.
ولكن الأظهر أن المرداوي وهم في ذلك، لأن هذا الاحتمال لم يذكره غيره، ولم يُذكر له قائل، واللَّه تعالى أعلم.
هذا ويمكن أن يستدل لهذا القول: بأن أصله دم، والدم نجس، وهو جزء منفصل من حيوان حي؛ فهو كالميتة.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق، فمما سبق؛ يتبين أن الخلاف في المسألة موجود، وإن كان خلافًا ضعيفًا؛ فالإجماع لا يتحقق مع وجود المخالف، أما ما ذكره ابن حجر من أن الخلاف انقرض، وأن الإجماع استقر بعده؛ فالجواب عليه من وجهين:
الأول: أن هذه مسألة أصولية مشهورة، وهي: ما إذا اختلف علماء عصر متقدم، في مسألة ما، ثم اتفق علماء عصر متأخر، في نفس المسألة؛ فهل يعتبر اتفاقهم إجماعًا شرعيًّا أو لا؟
اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين؛ بالاعتبار، وعدمه (2).
ويكفي أنها مسألة خلافية، فمن العلماء من لا ينظر إلى المسألة من الأصل، ولا يعتبره إجماعًا، فلا يعتد بإجماع كهذا، ما دام أنه يوجد من لا يعتبره، ولكن يمكن أن يكون حجة أو دليلًا لمن يرى ذلك.
الثاني: من خلال ما سبق عرضه، فيما ورد من خلافٍ في المسألة؛ يتبين أن الخلاف انتشر، والقائلون به ليسوا قلةً، وهذا يكفي في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: "شرح المنتهى"(1/ 32)، (1/ 109)، و"كشاف القناع"(1/ 57)، و"شرح غاية المنتهى"(1/ 237).
(2)
انظر: "العدة" لأبي يعلى (4/ 1105)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 275)، و"المهذب"(2/ 921).