الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: الألفاظ ذات الصلة
كثيرًا ما تستخدم ألفاظ الإجماع لأغراض أخرى، ليس المقصود منها حكاية الإجماع، وهي تأتي بصيغ متعددة. من هذه الصيغ:
1 -
قد يُستخدم لفظ الإجماع منسوبًا ومقيدًا بأهل بلد ما، كأن يقال:(أجمع أهل المدينة)؛ أو (أهل الحجاز)؛ أو (علماء نيسابور)؛ أو غير ذلك من البلدان؛ فإن ذلك لا يكون معتبرًا، باستثناء الخلاف في إجماع أهل المدينة، وقد سبق تفصيل في ذلك (1)؛ إذ أن أهل بلدٍ ما ليسوا بحجة على أهل بلد آخرين، وليس هذا من الإجماع في شيء.
وقد يستخدم مقيدًا بالجمهور أو الأكثر، فيقال:(أجمع الجمهور)؛ أو (اتفق الجمهور)؛ أو (لا خلاف بين جمهور العلماء)؛ أو (أجمعوا إلا أبا حنيفة أو أحمد)، كل هذه العبارات وإن كانت تستخدم ألفاظًا للإجماع أحيانًا؛ إلا أنها لا تدل عليه، بل إلى قول الأكثر والأغلب، وهو قول الجمهور، وليس إجماعًا؛ لأنه يفهم من هذه العبارات أن هناك من العلماء من خالف الجمهور في هذه المسألة.
2 -
هناك الكثير من العلماء من يعبر بلفظ الاتفاق، ويقصد به الاتفاق داخل المذهب الفقهي، الذي ينتسب إليه ذلك العالم.
يقول العيني: "الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع، . .، ونوع نجس بالاتفاق"(2)، فوصف الأول بأنه مجمع عليه، والثاني بأنه متفق عليه، فدل على تمييزه بينهما، والذي يظهر من خلال كتابه أنه يريد بالأول الإجماع الاصطلاحي، والثاني الاتفاق المذهبي.
ويقول الحطّاب المالكي: "والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب، وبالإجماع إجماع العلماء"(3).
(1) وذلك في المطلب الأول من المبحث الثالث أيضًا.
(2)
"البناية"(1/ 395)، وانظر:(1/ 330).
(3)
"مواهب الجليل شرح مختصر خليل"(1/ 40)، وانظر نحوه:"شرح الخرشي"(1/ 48) و (2/ 155)، =
وكذلك مصطلح نفي الخلاف من باب أولى، فقد جرت عادة بعض العلماء على استخدامه على نفي الخلاف داخل المذهب، الذي ينتمي إليه ذلك العالم (1).
3 -
هناك عبارة (وفاقًا)، وهي في الغالب تدل على الوفاق داخل المذهب، بل لم أجد من صرح بها وهو يريد الاتفاق بمعنى الإجماع، واللَّه تعالى أعلم.
وأحيانًا تدل على وفاق بقية المذاهب الفقهية الأربعة غير مذهب المؤلف؛ غير أنها لا تدل على الإجماع، كما هو منهج عدد من الكتب المذهبية (2).
4 -
هناك عبارات تدل أحيانًا على الإجماع، إلا أنها ضعيفة فيه، وغالبًا ما يقصد بها مذهب الجماهير، ومنها:(عامة أهل العلم)؛ (أهل العلم كافة)؛ (سائر العلماء)؛ (الفقهاء على كذا)؛ (جماعة أهل العلم)؛ (جميع العلماء)؛ (جميعهم)؛ (اجتمع العلماء)؛ (مجتمع عليه)؛ (اجتمعوا)(3)، وسأذكرها في ثنايا هذا المشروع من باب الاعتضاد فقط، وليس من باب الاستقلال.
5 -
الألفاظ التي تدل على تصريح بعض المجتهدين بالإجماع وسكوت الباقين، وهذا القسم هو ما يسمى بالإجماع السكوتي، أو ما يسمى بالرخصة عند بعض علماء الحنفية، وقد سبقت الإشارة إليه فيما مضى، وشروط اعتباره، والخلاف فيه (4).
ولهذا القسم عبارات، منها:(وهذا قول فلان من العلماء أو الصحابة ولم يعرف له مخالف)؛ أو (وهذا قول فلان، وقد اشتهر عنه هذا القول ولم ينكره أحد)، ونحو هذه العبارات.
وهذه الحكاية للإجماع تعتبر حجة شرعية على الأرجح -كما سبق بيانه- يجب الأخذ بها، خاصة إذا تحققنا من عدم وجود قول مخالف، بالبحث في كتب المذاهب الفقهية المختلفة.
= "حاشية العدوي على الخرشي"(1/ 158).
(1)
سيأتي ذكر بعض الأمثلة على ذلك في الحديث عن مناهج العلماء في المبحث الأخير من التمهيد.
(2)
انظر: "إجماعات ابن عبد البر" للبوصي (1/ 48).
(3)
انظر أمثلة على ذلك: "الأم" للشافعي (8/ 612)، "سنن الترمذي"(1/ 70) مع "العارضة"؛ "المغني"(1/ 15)، "المجموع"(1/ 327).
(4)
في المطلب الثاني من المبحث الثالث في التمهيد.