الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[44 - 153] فعل صلوات متعددة بوضوء واحد جائز:
إذا توضأ المسلم، وصلى به صلاة، فإنه يجوز له أن يصلي صلاة أخرى بوضوئه الأول، ولا يجب عليه تجديد الوضوء ما لم يحدث، نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: أحمد بن حنبل (204 هـ) حيث يقول فيمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد: "لا بأس بذلك إذا لم ينتقض وضوؤه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا". نقله عنه ابن تيمية (1).
الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث"(2).
ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل العلم على أن لمن تطهر للصلاة أن يصلي ما شاء بطهارته من الصلوات، إلا أن يحدث حدثًا ينقض طهارته"(3).
ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وروي عن ابن عباس و. . . أن الآية عني بها حال القيام إلى الصلاة على غير الطهر، وهذا أمر مجتمع عليه، لا خلاف بين الفقهاء فيه، والحمد للَّه"(4).
وقال بعدها بقليل بعد ذكر الأدلة على المسألة: "وهذا أمر مجمع عليه فسقط القول فيه"(5).
وقال نحو الكلام السابق في "التمهيد"، ثم قال:"وأجمعت الأمة على أن ذلك جائز"(6).
ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "الثانية -أي: الفائدة الثانية-: ترك التوضؤ لكل صلاة، أصح الأحاديث المتقدمة والإجماع عليه"(7).
النووي (676 هـ) حيث يقول: "في هذا الحديث (8) أنواع من العلم منها: . . . وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع
(1)"مجموع الفتاوى"(21/ 373).
(2)
"سنن الترمذي"(1/ 69) مع "العارضة".
(3)
"الأوسط"(1/ 110).
(4)
"الاستذكار"(1/ 155).
(5)
"الاستذكار"(1/ 156).
(6)
"التمهيد"(18/ 238).
(7)
"عارضة الأحوذي"(1/ 70).
(8)
حديث بريدة الآتي في المستند.
من يعتد به" (1).
ثم ذكر قولًا محكيًّا عن طائفة من أهل العلم بالوجوب، وعلق عليه بقوله:"وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة"(2). ونقله عنه ابن حجر (3).
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أما الحكم، وهو أن من توضأ لصلاة، صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى؛ فهذا قول عامة السلف والخلف، والخلاف في ذلك شاذ"(4).
وقال أيضًا: "وأما القول بوجوبه؛ فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولإجماع الصحابة"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأبو موسى، وجابر رضي الله عنهم، وعبيدة السلماني، وأبو العالية، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، والحسن، وإبراهيم النخعي، والسدّي (6)، والحنفية (7)، والحنابلة في الصحيح من المذهب عندهم (8).
• مستند الإجماع:
1 -
حديث بريدة رضي الله عنه، قال:"صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: صنعت شيئًا -يا رسول اللَّه- لم تكن تصنعه، فقال عليه الصلاة والسلام: "عمدا فعلته يا عمر" (9).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك مداومته على الوضوء لكل صلاة؛ بيانًا للأمة بأنه مستحب، وليس بواجب (10).
2 -
حديث أنس رضي الله عنه، قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم نحدث"(11).
(1)"شرح مسلم"(3/ 177).
(2)
"شرح مسلم"(3/ 177).
(3)
"فتح الباري"(1/ 316).
(4)
"مجموع الفتاوى"(21/ 371).
(5)
"مجموع الفتاوى"(21/ 373).
(6)
"التمهيد"(18/ 238)، و"الاستذكار"(1/ 155)، وانظر:"التاج والإكليل"(1/ 440)، و"مواهب الجليل"(1/ 303).
(7)
"المبسوط"(1/ 5).
(8)
"المغني"(1/ 198)، و"الفروع"(1/ 155)، و"الإنصاف"(1/ 147).
(9)
مسلم كتاب الطهارة، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد، (ح 277)، (1/ 232).
(10)
"شرح مسلم" للنووي (3/ 177).
(11)
البخاري كتاب الوضوء، باب الوضوء من غير حدث، (ح 211)، (1/ 87).
• وجه الدلالة: الحديث فيه بيان أن فعل الصحابة عدم الالتزام بالتجديد، والنبي صلى الله عليه وسلم موجود، والسكوت عن البيان وقت الحاجة غير جائز، والنبي عليه الصلاة والسلام منزّه عن ذلك؛ فدل على عدم وجوب التجديد، واللَّه تعالى أعلم.
• الخلاف في المسألة: خالف البعض في مسألتنا في قولين:
القول الأول: وجوب الوضوء لكل صلاة (1)، ونُقل عن عُبيد بن عُميْر (2)، ونقل ابن حجر حكايةَ ابن عبد البر له عن عكرمة، وابن سيرين (3)، وبعد مراجعة كلام ابن عبد البر، وجدته حكى القول عن عمر، وعن عكرمة يروي عن علي، وعن ابن سيرين، ولكن كلامه رحمه الله فيه إشكال، حيث قال ابن عبد البر بعده:"وهذا معناه أن يكون الوضوء على المحدث إذا قام إلى الصلاة واجبًا، وعلى غير المحدث ندبًا وفضلًا"(4).
حيث حمله على قول الجماهير، ولم أجد من أكّد هذا القول عنهما.
وعمر رضي الله عنه هو من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله في الخندق كما سبق، بل روى عنه ابن المنذر ما يوافق الجماهير (5).
أما علي رضي الله عنه؛ فقال ابن تيمية بأنه لم يثبت عنه هذا القول، بل الثابت بخلاف ذلك (6).
وقد نسبه الطحاوي إلى قومٍ، ثم نسب القول الآخر إلى أكثر العلماء (7).
وهؤلاء استدلوا بظاهر آية الوضوء؛ إذ فيها تعليق للأمر بالوضوء على القيام للصلاة، فقالوا: يجب الوضوء لكل صلاة.
وهنا فائدة؛ فقد نقل البيهقي عن الإمام الشافعي في القديم أنه يرى أن الآية نزلت خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، بعدما صلى الصلوات بوضوء واحد (8).
القول الثاني: وهو منسوب للنّخعي بأنه لا يصلي بوضوئه أكثر من خمس صلوات (9). وليس له دليل.
(1)"شرح مسلم"(3/ 103).
(2)
"مراتب الإجماع"(43).
(3)
"فتح الباري"(1/ 316).
(4)
انظر كلامه في: "التمهيد"(18/ 238)، و"الاستذكار"(1/ 154).
(5)
"الأوسط"(1/ 109).
(6)
"مجموع الفتاوى"(21/ 373).
(7)
"شرح معاني الآثار"(1/ 41).
(8)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 117).
(9)
"مراتب الإجماع"(43).