الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
أن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[25 - 215] الأكل مما مسته النار لا ينقض الوضوء:
أكْل المتوضئ من شيء مسته النار لا ينقض الوضوء، وعليه الإجماع (1).
• من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين ومن بعدهم، مثل: سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق؛ رأوا ترك الوضوء مما مست النار"(2).
عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) حيث يقول عن اختلاف الأحاديث في المسألة: "اختلف الأول والآخر من هذه الأحاديث، فلم يقف على الناسخ منها ببيان يحكم به، فأخذنا بإجماع الخلفاء الراشدين، والأعلام من الصحابة رضي الله عنهم في الرخصة في ترك الوضوء، مع أحاديث الرخصة"(3). نقله عنه النووي (4).
ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول بعد ذكر الخلاف في المسألة: "ولا أعلم اليوم بين أهل العلم اختلافًا في ترك الوضوء مما مست النار، إلا الوضوء من لحوم الإبل خاصة"(5).
ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار"(6).
الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما تغميض الميت، وغسله، وحمل الجنازة، وأكل ما مسته النار، والكلام الفاحش، فليس شيء من ذلك حدثًا عند عامة العلماء"(7).
ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اختلف الصدر الأول في إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار؛ لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واتفق جمهور
(1) وليس من مسألتنا الوضوء من لحم الإبل، ففيها الخلاف المعروف، وله أدلة خاصة.
(2)
"سنن الترمذي"(1/ 94) مع "العارضة".
(3)
لم أجد له كتابًا هو مظنةً لهذا الكلام.
(4)
"المجموع"(2/ 68).
(5)
"الأوسط"(1/ 224).
(6)
"الإفصاح"(1/ 42).
(7)
"بدائع الصنائع"(1/ 32).
فقهاء الأمصار بعد الصدر الأول على سقوطه؛ إذ صحح عندهم أنه عمل الخلفاء الأربعة. . " (1).
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه، سواء مسته النار، أو لم تمسه، هذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وعامة الفقهاء، ولا نعلم اليوم فيه خلافًا"(2).
النووي (676 هـ) حيث يقول بعد أن ذكر خلافًا في المسألة: "ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول؛ ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار"(3). ونقله عنه ابن حجر (4)، والشوكاني (5).
الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "أما لحوم الغنم، فلا نقض بأكلها بالاتفاق، كذا قيل، ولكن حكى في "شرح السنة" وجوب الوضوء مما مست النار"(6).
ولحوم الغنم تدخل فيما مسته النار.
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وعائشة (7) رضي الله عنهم، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد، وداود، وابن جرير (8)، والحنفية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، وابن حزم (12).
• مستند الإجماع:
1 -
حديث جابر رضي الله عنه، قال:"كان آخرُ الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تركَ الوضوء مما غيرت النار"(13).
(1)"بداية المجتهد"(1/ 70).
(2)
"المغني"(1/ 254).
(3)
"شرح مسلم"(4/ 43).
(4)
"فتح الباري"(1/ 311).
(5)
"نيل الأوطار"(1/ 262).
(6)
"سبل السلام"(1/ 99).
(7)
"شرح مسلم"(4/ 43).
(8)
"الاستذكار"(1/ 177).
(9)
"المبسوط"(1/ 79).
(10)
"المجموع"(2/ 66).
(11)
"الفروع" و"حاشيته"(1/ 186)، و"الإنصاف"(1/ 146).
(12)
"المحلى"(1/ 225).
(13)
أبو داود كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار، (ح 192)، (1/ 49)، النسائي كتاب أبواب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار، (ح 185)، (1/ 108)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(ح 192).
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ"(1).
• وجه الدلالة: ظاهرةٌ من الحديث الأول في نسخ الأحاديث الأولى، وأن الأمر استقر على عدم نقض ما مسته النار للوضوء (2).
أما الحديث الثاني، فقد أكل عليه الصلاة والسلام ما مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذه سنة فعلية يجب الأخذ بها، تدل على عدم وجوب الوضوء مما مست النار، واللَّه تعالى أعلم.
• الخلاف في المسألة: روي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي موسى، وأبي هريرة، وأنس رضي الله عنهم وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وأبي قلابة، وأبي مجلز، وغيرهم، أنهم قالوا: بإيجاب الوضوء مما غيرت النار (3).
ولم يجعل ابنُ حزم المسألةَ متفقًا عليها في المراتب، حيث استثناها من المسائل المتفق عليها، وإن كان لا يخالف المسألة، كما سبق الإشارة لذلك (4).
غير أني لم أجد من تابعهم من أهل المذاهب، ولا ممن بعدهم من أهل العلم.
واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعا: "توضؤوا مما مسته النار"(5).
وهو إما منسوخ، أو أنه في غسل اليدين بعد الأكل (6).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق بعد عصر المخالفين الذين ذكرتهم؛ لعدم وجود المخالف في المسألة بعدهم، واللَّه تعالى أعلم، وهذا مبني على مسألة الإجماع على أحد القولين؛ هل يعتبر إجماع أو لا؟ وهي مسألة أصولية خلافية، وإن كان الأقرب أنه إجماع، ولكن ليس في حق من يرى أنه ليس بإجماع (7)، وهذا يضعف حكم مسألتنا،
(1) البخاري كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، (ح 204)، (1/ 86)، مسلم كتاب الطهارة، باب نسخ الوضوء مما مست النار، (ح 354)، (1/ 273).
(2)
"عارضة الأحوذي"(1/ 94).
(3)
"المغني"(1/ 255)، و"شرح مسلم"(4/ 43)، وانظر:"المصنف"(1/ 68).
(4)
"مراتب الإجماع"(41).
(5)
مسلم كتاب الطهارة، باب الوضوء مما مست النار، (ح 352)، (1/ 272).
(6)
"شرح مسلم"(4/ 43).
(7)
المسألة خلافية مشهورة، وناقشتها في التمهيد، وانظر:"المهذب في أصول الفقه"(2/ 921).