الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا فالإجماع حجة في أي عصر كان، ولكن يمكن أن يقال بأن إجماع الصحابة أقوى درجة من إجماع من بعدهم بلا شك، فإجماعهم يدل على ثبات هذا القول وقوته أكثر مما لو اجتمع العلماء بعد عصرهم.
القسم الثالث: إجماع أهل المدينة
(1)
والمقصود بهذا الإجماع: هو إجماع أهل المدينة في القرون المفضلة بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فيما إذا خالفهم آخرون في أمر من أمور الاجتهاد (2).
واشتهر الإمام مالك رحمه الله بالقول بهذا النوع من الإجماع، وأكْثَرَ من الاستدلال به في الفروع الفقهية (3).
وأحصى العلامة ابن القيم رحمه الله ما ورد عنه في الاستدلال بإجماع أهل المدينة بنيِّف وأربعين مسألة (4).
وقد قسم ابن القيم رحمه الله عمل أهل المدينة إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن لا يُعلم أن أهل المدينة خالفهم فيه غيرهم.
والثاني: ما خالف فيه أهل المدينة غيرهم.
والثالث: ما فيه الخلاف بين أهل المدينة أنفسهم (5).
فأما الأول: فهو بلا شك حجة؛ لأنه إما أن يكون إجماعًا لفظيًّا أو سكوتيًّا عند من يقول به.
وأما الثاني: فهو محل النقاش والخلاف بين المالكية والجمهور.
وأما الثالث: فليس بشيء؛ إذ أن قول البعض ليس بحجة على الآخرين.
(1) هناك من يدخل إجماع أهل البيت هنا، إلا أن القول به قول ضعيف، وهو قول الشيعة، ولا يدل عليه دليل صحيح، فلم أدخله هنا.
(2)
"الوصول إلى الأصول"(2/ 122)، "حجية الإجماع"(327)، "الإجماع" للدكتور عبد الفتاح (254).
(3)
انظر مثالًا لذلك: "الموافقات" للشاطبي المالكي (3/ 271).
(4)
"إعلام الموقعين" لابن القيم (2/ 277).
(5)
انظر: "إعلام الموقعين"(2/ 277)، ولابن تيمية تقسيم آخر فليراجع:"مجموع الفتاوى"(20/ 303)، "أصول الفقه وابن تيمية"(340).
وهناك قسم قد يتوهم أن يكون نوعًا رابعًا لإجماع أهل المدينة، ولم يذكره ابن القيم رحمه الله، وهو ما لو كان عمل أهل المدينة موافقًا لما كان عليه العمل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفنا ذلك بطريق صحيح، فهو بهذا يرتفع ليصبح سنة تقريرية للمصطفى عليه الصلاة والسلام (1).
فتبين أن الخلاف فيما إذا أجمع أهل المدينة على قولٍ خالفهم فيه آخرون.
والصحيح -واللَّه أعلم- هو قول الجمهور، فيما اختلفوا فيه مع ما نسب إلى المالكية؛ إذ لا دليل على ما ادّعوه، بل هو قول المحققين من علماء المالكية أيضًا.
• أدلة الجمهور: أولًا: قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: الآية 115].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين، وأطلق المؤمنين، بمعنى كل المؤمنين، وأهل المدينة ليسوا كل المؤمنين، فلا يوجد إجماع إذًا (2).
ثانيا: أن من شروط الإجماع التي تجعله حجة شرعية غير متوفرة في إجماع أهل المدينة، فالاتفاق بين علماء الأمة لم يحصل، لمخالفة علماء الأمصار (3).
• دليل المالكية: أن أهل المدينة أقوى اجتهادًا من غيرهم؛ لمشاهدتهم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفتهم بالوحي، وقربهم منه (4).
• وجوابه: أن المدينة لو كانت جامعة للمجتهدين من الأمة لكان إجماعهم صحيحًا، وليست كذلك، وقول بعض الأمة ليس حجة على الآخرين (5).
ومن علماء المالكية من قال: إنما أراد الإمام مالك بذلك ترجيح روايتهم على رواية غيرهم.
ومنهم من قال: أراد به أن يكون إجماعهم أولى، ولا تمتنع مخالفتهم.
ومنهم من قال: أراد بذلك أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (6).
(1) انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية.
(2)
"الواضح"(5/ 184).
(3)
"الوصول إلى الأصول"(2/ 122)، "المستصفى"(148).
(4)
"الوصول إلى الأصول"(2/ 123)، "الواضح"(5/ 186).
(5)
"الوصول إلى الأصول"(2/ 123)، "الواضح"(5/ 186).
(6)
"الإحكام" للآمدي (1/ 243)، "الواضح"(5/ 186)، وانظر:"شرح مختصر الروضة" للطوفي =