الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الخلاف في المسألة: نقد ابن تيمية هذا الاتفاق؛ بأن الشافعي في الجديد (1)، وأحمد في قول له (2) قالا: بأن الجاري كالراكد، في اعتبار القلتين؛ فينجس ما دون القلتين من الماء الجاري بوقوع النجاسة فيه، وإن لم يتغير (3).
واستدلوا بمفهوم حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"(4)، فإنه لم يفصل فيه بين الماء الجاري والراكد؛ فدل على أن حكمهما سواء ما لم يكن قلتين (5).
النتيجة:
أن الاتفاق غير متحقق، فيما إذا كان الماء الجاري أقل من قلتين، وأما ما زاد على ذلك؛ فلم أجد فيه خلافًا، والاتفاق فيه متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[18 - 18] الطهارة بغير الماء المطلق غير جائزة:
إذا توضأ الإنسان من غير الماء المطلق، بأن توضأ بشيء يطلق عليه ماء بالإضافة، كماء الورد أو ماء الشجر أو ماء العصفر، فإن هذا الوضوء غير جائز.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الوضوء لا يجوز بماء الورد، وماء الشجر، وماء العصفر، ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق، يقع عليه اسم الماء"(6). ونقله عنه ابن قدامة (7)، والنووي (8)، وابن قاسم (9).
ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ"(10).
الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "والطهورية مختصة بالماء من بين سائر المائعات،
(1)"مغني المحتاج"(1/ 128)، "نهاية المحتاج"(1/ 85)، "طرح التثريب"(2/ 32).
(2)
"الإنصاف"(1/ 57)، "شرح منتهى الإرادات"(1/ 21).
(3)
"نقد مراتب الإجماع"(288).
(4)
أبو داود كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء، (ح 63)، (1/ 17)، الترمذي كتاب الطهارة، باب منه آخر، (ح 67)، (1/ 97)، النسائي كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء، (ح 52)، (1/ 46)، ابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس، (ح 517)، (1/ 172)، ابن جرير في "تهذيب الآثار" في مسند ابن عباس، السفر الثاني (736) وصححه، وكذا الألباني في "الإرواء"(ح 23).
(5)
"نهاية المحتاج"(1/ 86).
(6)
"الإجماع"(12).
(7)
"المغني"(1/ 20).
(8)
"المجموع"(1/ 139).
(9)
"حاشية الروض"(1/ 59)، (1/ 81).
(10)
"مراتب الإجماع"(36).
أما في طهارة الحدث فبالإجماع، . .، " (1). نقله النووي، وتعقبه بقول ابن أبي ليلى (2)، وابن قاسم (3).
الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ بالماء المقيد كماء الورد ونحوه لا يصير مستعملًا بالإجماع؛ لأن التوضؤ به غير جائز، فلم يوجد إزالة الحدث ولا إقامة القربة"(4). حيث لم يحسب الوضوء به وضوءًا.
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ومنها: أن المضاف لا تحصل به الطهارة، وهو على ثلاثة أضرب؛ أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة، وهو على ثلاثة أنواع؛ أحدها: ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد، وماء القرنفل، وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة". . .، ثم قال:"فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها، ولا الغسل، لا نعلم فيه خلافًا، إلا ما حكي عن ابن أبي ليلى والأصم في المياه المعتصرة، أنها طهور يرتفع بها الحدث، ويزال بها النجس، ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلاء المغلي، وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم"(5).
الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "اعلم أن الاتفاق على أن الماء المطلق تزال به الأحداث؛ أعني ما يطلق عليه ماء، والمقيد لا يزيل؛ لأن الحكم منقول إلى التيمم عند فقد المطلق في النص"(6). ونقل عبارته ابن الهمام (861 هـ) بنصها دون إشارة (7).
العيني (855 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ بماء الورد، لا يصير مستعملًا إجماعًا"(8). حيث لم يحسب الوضوء به وضوءًا.
ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وقد علمت أن العلماء اتفقوا على جواز الوضوء بالماء المطلق، وعلى عدم جوازه بالماء المقيد"(9).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (10).
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الوضوء بالماء، و (ماء) هنا مطلقه، فمن لم
(1)"الوسيط" للغزالي (1/ 109).
(2)
"المجموع"(1/ 139).
(3)
"حاشية الروض"(1/ 59).
(4)
"بدائع الصنائع"(1/ 69).
(5)
"المغني"(1/ 20)، وانظر:"المبدع"(1/ 42).
(6)
"تبيين الحقائق"(1/ 20).
(7)
"فتح القدير"(1/ 72).
(8)
"العناية"(1/ 402).
(9)
"البحر الرائق"(1/ 72).
(10)
"التاج والإكليل"(1/ 60)، "مواهب الجليل"(1/ 46).
يجد الماء المطلق فيصير للتيمم، ولم يقل: إنه يلجأ إلى غير الماء المطلق، فدل على أنه لا يجوز الوضوء بغيره (1)، واللَّه تعالى أعلم.
• الخلاف في المسألة: نُقل الخلاف في هذه المسألة كما سبق عن ابن أبي ليلى، والأصم، وقد عقَّب الإمام النووي على نقل الغزالي للإجماع؛ بأنه لم يبلغه قول ابن أبي ليلى إن صح عنه (2)، وعلى قول الأصم؛ بأنه لا يعتد بخلافه (3).
ونقد ابن تيمية نقل ابن حزم للإجماع في هذه المسألة؛ بحكاية قول ابن أبي ليلى والأصم (4). ونقل المرداوي في "الإنصاف" قولًا عن ابن تيمية في هذه المسألة، وأنقله بنصه، حيث قال: "الطريق الثالث: أنه ينقسم -أي الماء- إلى قسمين: طاهر طهور، ونجس.
وهي طريقة الشيخ تقي الدين، فإن عنده أن كل ماء طاهر تحصل الطهارة به، وسواء كان مطلقًا أو مقيدًا، كماء الورد ونحوه. نقله في "الفروع" عنه في باب الحيض" (5).
وبعد مراجعة كلام ابن مفلح في الفروع، وجدت كلامه غير دال على ذلك، وهذا هو نص كلامه:"وعند شيخنا -يعني ابن تيمية- ما أطلقه الشارع عمل بمطلق مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعده؛ فلهذا عنده الماء قسمان: طاهر طهور، ونجس"(6)، ثم عاد إلى الحديث عن مسائل الحيض.
وهذا ليس فيه تصريح بما ذكره المرداوي رحمه الله.
وبعد التأمل ومراجعة كلام ابن تيمية في المسألة، وجدت أنه قال بقول قريب من هذا في مسألة مشابهة، ولعله اشتبهت عليه المسألتان.
فهو يقصد إذا اختلط بالماء شيء من المائعات كالدهن والكافور ونحو ذلك، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم تختلف عما نحن بصدده (7)، أو اختلط بشيء من الطاهرات كالزعفران والأشنان والحمص وغير ذلك (8).
(1)"تبيين الحقائق"(1/ 20).
(2)
"المجموع"(1/ 139).
(3)
"المجموع"(1/ 139).
(4)
"نقد المراتب"(288).
(5)
"الإنصاف"(1/ 22).
(6)
"الفروع"(1/ 267 - 268).
(7)
سبق بحثها بعنوان: (طهارة ما تغير بمجاورة دون مخالطة).
(8)
وهي مسألة خلافية، انظر:"المبدع"(1/ 43).