الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية
اختلف العلماء في خلاف الظاهرية، هل يقدح في صحة الإجماع، وينفي حجيته؛ أو لا؟
• القول الأول: أن خلاف الظاهرية لا يعتد به، ولا ينقض الإجماع.
يقول أبو بكر الرازي رحمه الله عن الظاهرية: "وأمثال هؤلاء لا يعتد بخلافهم، ولا يؤنس بوفاقهم"(1).
ويقول ابن عبد البر: "فما أرى هذا الظاهري إلا قد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف، وخالف جميع فرق الفقهاء، وشذ عنهم، ولا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم"(2).
واختار هذا القول الإمام النووي رحمه الله، وصرح به في عدة مواضع من كتبه، يقول في موضعٍ منها:"ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور، واللَّه أعلم"(3).
وقد أنكر عليه الإمام الشوكاني رحمه الله إنكارًا شديد اللهجة، لأجل هذا الأمر، فقال:"وعدم الاعتداد بخلاف داود؛ مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه، من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة، فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر، وأما داود؛ فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة"(4).
وهو اختيار الحافظ العراقي أيضًا، يقول رحمه الله: "إن أهل الظاهر ليسوا من العلماء،
(1)"الفصول في الأصول"(3/ 281)، ونقله عنه في "البحر المحيط"(6/ 424)، وانظر:"كشف الأسرار"(3/ 295) فقد ذكر كلامًا نحوه عن شمس الأئمة السرخسي في خلاف الظاهرية.
(2)
"الاستذكار"(1/ 82).
(3)
"المجموع"(2/ 156)، وانظر:"شرح مسلم"(3/ 142).
(4)
"نيل الأوطار"(1/ 134)، وانظر:"إرشاد الفحول"(1/ 314).
ولا من الفقهاء، فلا يعتد بخلافهم، بل هم من جملة العوام وعلى هذا جل الفقهاء، والأصوليين، ومن اعتد بخلافهم إنما ذلك؛ لأن من مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام، فلا ينعقد الإجماع مع وجود خلافهم، والحق أنه لا يعتبر إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد، على ما يذكر في الأصول" (1).
وهو قول ابن العربي رحمه الله، حيث يقول عن قول من قال بأن غسل الرأس لا يجزئ عن المسح:"وهذا تولُّج في مذهب الداودية الفاسد من اتباع الظاهر، المبطل للشريعة، الذي ذمه اللَّه تعالى في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]، وكما قال: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: 33] "(2). ونقل القرطبي هذه العبارة عنه (3).
وهو قول العيني، حيث يقول:"وداود لا يعتبر خلافه في الإجماع، ولا يصح ذلك شريعة"(4).
وقد حرصت على نقل عبارات العلماء لإثراء البحث، ولأهمية المسألة، فهي تبين أن هؤلاء العلماء لا يعتبرون خلاف الظاهرية، وبالتالي يؤثر في إجماعاتهم التي يحكونها، أو ينقلونها ويقرونها.
• القول الثاني: أن خلاف الظاهرية يعتد به، ولا يُحتج بإجماعٍ خالف فيه أهل الظاهر.
• دليل القول الأول: أن الظاهرية لا يعملون بالقياس، ومن شروط المجتهد معرفة القياس، فهم كالعوام، والعوام لا يعتبر قولهم في الإجماع (5).
• وجوابه: أنه يلزمهم بهذا عدم اعتبار قول منكر العموم وخبر الواحد، ولا قائل بهذا إلا من شذّ (6).
• دليل القول الثاني: أن علماء الظاهرية جزء من علماء الأمة، وفيهم العلماء الكبار كداود وابن حزم رحمهم اللَّه تعالى، ولا يجوز استثناؤهم من الأمة إلا أن يقال بكفرهم، وهذا لا يقول به أحد، فيجب الأخذ بقولهم.
(1)"طرح التثريب"(2/ 37).
(2)
"أحكام القرآن"(2/ 66)، وكرر هذا الرأي في "عارضة الأحوذي"(1/ 139).
(3)
"تفسير القرطبي"(6/ 90) ق؛ (6/ 60).
(4)
"البناية"(1/ 447).
(5)
"طرح التثريب"(2/ 37)، "البحر المحيط"(6/ 424).
(6)
"البحر المحيط"(6/ 424).