الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمقرها نازلة من السماء، وهي طهورة ما لم تتغير، واللَّه تعالى أعلم.
2 -
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43].
• وجه الدلالة: حيث لا يجوز المصير إلى التراب؛ إلا بعدم الماء، وماء الآبار ونحوها تسمى ماء، فيجب الوضوء بها، فهي إذًا طاهرة.
3 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن الماء طهور لا ينجسه شيء"(1).
• وجه الدلالة ظاهرة من الحديث بالمطابقة على مياه الآبار، أما غيرها مما أضيف لمقره، كمياه العيون والأنهار فتدخل بالقياس، واللَّه تعالى أعلم.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم.
[4 - 4] الماء المتغير بما لا يمكن التحرز منه:
إذا حصل تغير الماء، بشيء طاهر يسقط فيه، كورق الشجر والعيدان ونحو ذلك، أو بما ينبت فيه كالطحلب والخز ونحوهما، فإن الماء يبقى على طهوريته بالإجماع (2).
• من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وكذلك أجمعوا على أن كل ما يغير الماء، مما لا ينفك عنه غالبًا، أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير، إلا خلافًا شاذًّا، روي في الماء الآجن عن ابن سيرين"(3).
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الثاني: ما لا يمكن التحرز منه، كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء، أو تحمله الريح
(1) أحمد (ح 11275)، (3/ 31)، وأبو داود باب ما جاء في بئر بضاعة، (ح 66)، (1/ 17)، والترمذي كتاب أبواب الطهارة، باب ما جاء في أن الماء لا ينجسه شيء (ح 66)، (1/ 95)، والنسائي كتاب المياه، باب ذكر بئر بضاعة (ح 326)، (1/ 174)، ورواه ابن جرير في "تهذيب الآثار" في مسند ابن عباس السفر الثاني (691)، وصححه في (693)، وصححه الألباني في "الإرواء"(ح 14).
(2)
وهذه المسألة لها قيود، هي:
1 -
أن لا يكون التغير الحاصل للماء بشكلٍ يتغير معه الاسم، فيصبح ماء ورد، أو نحو ذلك.
2 -
أن لا يكون التغير بفعل فاعل؛ بأن يسقط فيه ذلك.
3 -
أن يكون التغير الحاصل ناتجًا عن مخالطة شيء، وليس من ذاته، ولا من المجاورة.
(3)
"بداية المجتهد"(1/ 51).
فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه، فتلقيه في الماء، وما هو في قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما، إذا جرى عليه الماء فتغير به، أو كان في الأرض التي يقف فيها الماء، فهذا كله يعفى عنه؛ لأنه يشق التحرز منه. . .، ولا نعلم في هذه الأنواع خلافًا" (1).
القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "الماء المتغير بقراره، كزرنيخ (2) أو جير يجري عليه، أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه، لا يمكن الاحتراز عنه، فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الوضوء به، لعدم الاحتراز منه، والانفكاك عنه"(3).
النووي (676 هـ) معلقًا على كلام الشيرازي في "المهذب" بعد أن قال: "إن تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نظرت، فإن كان مما لا يمكن حفظ الماء منه كالطحلب وما يجري عليه الماء من الملح والنورة وغيرهما، جاز الوضوء به" قال النووي: "أما قوله -أولًا-: إذا تغير -أي: الماء- بما لا يمكن حفظه منه جاز الوضوء به؛ فمجمع عليه"(4).
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فما كان من التغير حاصلًا بأصل الخلقة، أو بما يشق صون الماء عنه فطهور باتفاقهم"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية في وجه (8)، والحنابلة (9)، وابن حزم (10).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أمرنا بأن نتوضأ بالماء، ولا نعدل عنه إلى التيمم
(1)"المغني" لابن قدامة (1/ 22).
(2)
الزرنيخ: نوع من الحجر، "القاموس المحيط"(1/ 359).
(3)
"تفسير القرطبي"(13/ 44) ق، (1331).
(4)
"المجموع" للنووي (1/ 150).
(5)
"مجموع فتاوى ابن تيمية"(21/ 24)، وانظر:(21/ 26).
(6)
"البحر الرائق"(1/ 71)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 187).
(7)
"مواهب الجليل" للحطاب (1/ 62).
(8)
"المجموع" للنووي (1/ 159)، "الأشباه والنظائر" لابن الملقن (1/ 149)، "مغني المحتاج" للشربيني (1/ 118).
(9)
"الإنصاف"(1/ 22).
(10)
"المحلى"(1/ 194).
إلا عند عدمه، وهذا الماء لا زال يطلق عليه اسم الماء؛ فوجب استعماله (1).
2 -
أنه لا يمكن صون الماء عن مثل هذه الأشياء، فعفي عنها، كما عفي عن النجاسة اليسيرة، والعمل القليل في الصلاة (2).
• الخلاف في المسألة: في مسألة تغير الماء بنحو الطحلب والخز والعيدان، لم أجد خلافا سوى ما نقله الحطاب، حيث نقل قولًا محكيًّا عن الإمام مالك بالكراهة فقط، إذا وجد غير ذلك الماء، وأمكن الاستغناء عنه (3).
ووجدت المرداوي أيضًا حكاه قولًا في المذهب الحنبلي (4).
ولكن هذا القول غير مخالف لمسألتنا في الحقيقة، فليس فيه إلا الكراهة، وهي لا تنافي الجواز، واللَّه تعالى أعلم.
وأما مسألة تغيره بورق الشجر، فقد ثبت فيها الخلاف:
فخالف في المسألة الشافعية في وجه (5)، فقالوا: هو غير طهور ولا يعفى عن هذا التغير.
ويمكن أن يستدل لهذا المذهب بأن الماء قد تغير ولم يصبح ماءً مطلقًا؛ فلا يتوضأ به.
وخالف الشافعية في وجه آخر (6)، فقالوا بأنه يفرق بين الورق الخريفي والربيعي، فالخريفي لا يضره، وأما الربيعي فيسلبه الطهورية.
واستدلوا: بأن الربيعي رطوبة تخالط الماء، وتساقطه نادر فلا يعفى عنه، بخلاف الخريفي.
وخالف المالكية في قول (7)، فقالوا بأنه يفرق بين التغير البين وغير البين؛ فإن كان التغير بَيِّنًا فيضر، وإن لم يكن كذلك فلا.
ويمكن أن يستدل لهذا المذهب بأن الماء إذا تغير وأصبح التغير بَيِّنًا؛ لم يصبح ماءً مطلقًا، ولا يسوغ أن نبرر طهورية الماء بالعفو عن اليسير فالتغير بيِّن، بخلاف ما لو
(1) انظر: "المحلى"(1/ 194).
(2)
انظر: "المجموع"(1/ 150).
(3)
"مواهب الجليل"(1/ 56)
(4)
"الإنصاف"(1/ 22).
(5)
"المجموع"(1/ 159).
(6)
"المجموع"(1/ 159).
(7)
"مواهب الجليل"(1/ 62).