الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: إجماع الصحابة
لا شك أن أولى من يعتبر إجماعهم هم صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الذين شهدوا الوحي وعاصروه، وهم أعلم الناس بالحلال والحرام وجميع أحكام الدين -رضوان اللَّه عليهم.
ولذلك يقول الزركشي: "إجماع الصحابة حجة بلا خلاف بين القائلين بحجية الإجماع، وهم أحق الناس بذلك"(1).
ويقول الإمام الشوكاني: "إجماع الصحابة حجة بلا خلاف"(2).
وقد اختلف العلماء في إجماع من بعد الصحابة هل هو حجة؛ أو لا؟ على قولين:
• الأول: أن الإجماع إجماع الصحابة دون من بعدهم.
وروي هذا القول عن الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه، وعليه سار بعض الحنابلة والظاهرية (3).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الذي أنكره أحمد: دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين"(4).
• دليل هذا القول: أن الإجماع يشترط فيه اتفاق الكل، وتحقق العلم بذلك، وهذا لا يحصل إلا بالمشاهدة، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المجمعون محصورين، كما هو الحاصل في عصر الصحابة دون من بعدهم، حيث من المُحال حصر العلماء المجتهدين في العالم، ومعرفة رأي كل واحد منهم، فيبقى أن الإجماع هو إجماع
(1)"البحر المحيط"(3/ 527).
(2)
"إرشاد الفحول"(1/ 317).
(3)
انظر: "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى (4/ 1090)، "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3/ 47)، "أصول مذهب الإمام أحمد" للدكتور عبد اللَّه التركي (372)، "إرشاد الفحول"(1/ 317)، "المدخل الفقهي العام" للزرقا (1/ 79).
(4)
"المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" للشيخ محمد بن قاسم (2/ 114).
الصحابة دون من بعدهم (1).
• القول الثاني: أن الإجماع حجة في كل العصور.
وهذا قول الجمهور من علماء الأمة، وهو الأقرب إلى الصواب واللَّه أعلم، وعليه درج العلماء حتى علماء الحنابلة إجمالًا، وكل أدلة حجية الاحتجاج بالإجماع دالة عليه.
ويمكن أن يوجه قول الإمام أحمد رحمه الله بأنه يقصد أن الإجماع مراتب؛ أعلاها إجماع الصحابة، ثم من يليهم (2).
وحمله القاضي أبو يعلى على أنه يقصد إذا انفرد تابعيٌ أو تابعه؛ فإن الإنسان مخير في ذلك -أي في الأخذ بذلك القول أو رده (3).
وقال الطوفي الحنبلي بأن الرواية الأخرى للإمام أحمد رحمه الله وهي الموافقة للجمهور -هي المشهورة عنه، وهي التي رجحها الطوفي نفسه (4).
وقال في "مختصره للروضة" الذي شرحه: "لا يختص الإجماع بالصحابة، بل إجماع كل عصرٍ حجة"(5).
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي -بعد ذكره للرواية المذكورة والخلاف في المسألة: "ولنا -وهذه عبارة تدل على اختياره لهذا القول - ما ذكرناه من الأدلة على قبول الإجماع من غير تفريق بين عصر وعصر"(6).
• دليل الجمهور: أن الأدلة الشرعية الواردة في حجية الإجماع لم تفرق بين إجماع الصحابة ومن بعدهم، وهذا التفريق يحتاج إلى دليل، والدليل غير موجود، فيبقى أن الإجماع حجة، وليس حجة في عصر دون عصر (7).
(1)"الإحكام" للآمدي (1/ 230)، "حجية الإجماع"(324).
(2)
انظر: "شرح التلويح على التوضيح" للتفتازاني (2/ 102).
(3)
"العدة"(4/ 1090).
(4)
"شرح مختصر الروضة"(3/ 47).
(5)
"شرح مختصر الروضة"(3/ 47)، وانظر في هذه المسألة بالإضافة للمصادر السابقة:"الإحكام" للآمدي (1/ 230)، "المستصفى" للغزالي (148)، "البحر المحيط" للزركشي (6/ 439)، "التقرير والتحبير"(3/ 84).
(6)
"روضة الناظر وجنة المناظر" لابن قدامة (2/ 461).
(7)
"الإحكام" للآمدي (1/ 230)، و"حجية الإجماع"(316).