الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتلك اختلفوا فيها؛ لأنها قد يشملها اسم الماء المطلق على الخلاف بينهم، ولكن هذه لا يشملها، فلا يقول إنسان لماء ورد: هذا ماء، ويسكت، وكذا ما شابهه، واللَّه أعلم (1).
ولكن بعد مزيد من البحث وجدت أن البعلي في "الإختيارات"، قد نقل هذا القول عنه، فقال:"وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء، وبمعتصر الشجر، قاله ابن أبي ليلى، والأوزاعي، والأصم، وابن شعبان"(2).
هذا ما نقله عنه، ولم أجد من يؤكد هذا الزعم. ونقل الإمام ابن القيم دعوى هذا الإجماع، ونقده بأنه ليس فيه إجماع، ونقل قول الحسن بن صالح بن حي، وحميد بن عبد الرحمن في الخل، حيث قالوا: يجوز الوضوء بالخل (3).
وهناك مسألة أخرى، ولكنها قد تعتبر من نواقض هذا الإجماع المحكي، وهي: ما لو سال الماء من الثمر أو الشجر بدون عصر، فقد صرح بجواز الوضوء به صاحب "الهداية" المرغيناني الحنفي، وقد تفرد بذلك (4).
وخالف ابن حزم رحمه الله في الماء الذي طُبخ فيه، كالفول والحمص والترمس واللوبيا ما دام يقع عليه اسم الماء، فيجوز الوضوء به (5).
وخالف الحنفية أيضًا، في ماء الزعفران والصابون والأشنان، ولكن بشرط عدم سلب اسم الماء عنه (6).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق؛ حيث نقل الخلاف عن ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وحميد بن عبد الرحمن، وما نقل عن ابن تيمية، وكذلك قول ابن حزم، والمرغيناني، وكل ما سبق يبين وجود الخلاف في المسألة بما لا يدع مجالًا للشك، واللَّه تعالى أعلم.
[19 - 19] الطهارة بالمائعات سوى الماء غير جائزة:
إذا أراد المسلم الوضوء، ووجد مائعًا من المائعات، فإنه لا يجوز له الوضوء به،
(1) انظر كلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(21/ 24).
(2)
"الاختيارات"(8)، ومن ضمن "الفتاوى الكبرى"(5/ 298).
(3)
"إعلام الموقعين"(1/ 205).
(4)
انظر: "الهداية مع شرحه فتح القدير" لابن الهمام (1/ 71)، و"البحر الرائق"(1/ 72).
(5)
"المحلى"(1/ 186).
(6)
"البناية" للعيني (1/ 361).
وعليه حُكي الإجماع.
وقد تشتبه هذه المسألة بالمسألة السابقة (الوضوء بغير الماء المطلق غير جائزة)، والفرق هو: أن تلك المسألة يطلق على المائع فيها اسم الماء، ولكن بالإضافة، فيقال: ماء الورد، وماء الزعفران.
أما هذه المسألة، فالمقصود المائعات التي لا يطلق عليها اسم الماء مطلقًا، إلا من حيث السيولة فقط، مثل القهوة والنبيذ واللبن. .، سواء كانت ماء تغير بمخالطة طاهر، أو طبخ فيه طاهر (1).
ويستثنى من هذه المسألة النبيذ، حيث وقع فيه خلاف مشهور، أما غيره من المائعات فداخل في هذه المسألة.
ويؤكد هذا التقسيم أن ابن المنذر فصل هاتين المسألتين، وكذلك فقول ابن أبي ليلى السابق هو في المعتصر فقط كماء الشجر والورد ونحوهما (2).
وقد جعلهما بعض العلماء واحدة (3)، ورأيت أن أفصل بينهما؛ نظرًا لاختلافهما، واللَّه تعالى أعلم.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا يجوز الاغتسال، ولا الوضوء بشيء من الأشربة سوى النبيذ"(4). ونقل القرطبي نحو هذه العبارة، دون أن يشير أنها لابن المنذر (5).
ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ"(6).
الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة، فلا خلاف في أنه لا تحصل بها الطهارة الحكمية، وهي زوال الحدث"(7).
(1) انظر "المغني"(1/ 20).
(2)
انظر "نقد المراتب" لابن تيمية (288)، و"المغني"(1/ 20).
(3)
كابن تيمية في "نقد المراتب"(288)، والنووي في "المجموع"(1/ 139).
(4)
"الإجماع"(12).
(5)
"تفسير القرطبي"(5/ 230) ق؛ (5/ 149)، وانظر:"التاج والإكليل"(1/ 60)، "مواهب الجليل"(1/ 45).
(6)
"مراتب الإجماع"(36).
(7)
"بدائع الصنائع"(1/ 83).
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول "فصل: فأما غير النبيذ من المائعات غير الماء؛ كالخل، والمرق، واللبن، فلا خلاف بين أهل العلم -فيما نعلم- أنه لا يجوز بها وضوء ولا غسل"(1). ونقله عنه ابن قاسم (2).
ابن مفلح (884 هـ) حيث يقول عن الطاهر: "وهو قسمان: أحدهما غير مطهر بالإجماع، وهو ما خالطه طاهر يمكن أن يصان الماء عنه، . .، والأول ثلاثة أنواع: ما خالطه طاهر فغير اسمه، بأن صار صبغًا أو خلًّا؛ لأنه أزال عنه اسم الماء، أو غلب على أجزائه فصيره حبرًا، . .، أو طبخ فيه فغيره حتى صار مرقًا كماء الباقلاء"(3). ونقله عنه ابن قاسم (4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، فيما حكي عنهما في اللبن (5)، والشافعية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11].
2 -
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أثبت الطهورية للماء المطلق، وهذه المائعات لا يقع عليها اسم الماء المطلق؛ فلا يجوز الوضوء بها؛ لأنها ليست ماء (7)، واللَّه أعلم.
• الخلاف في المسألة: سبق النقل عن الإمام ابن القيم حيث نقد دعوى الإجماع في المسألة الماضية، وقال: ليس فيه إجماع، ونقل عن الحسن بن صالح بن حي وحميد ابن عبد الرحمن أنهما يقولان بجواز الوضوء بالخل (8)، وهذا نقض لدعوى الإجماع في المسألتين؛ حيث إن الخل لا يقال فيه ماء، فما يطلق عليه ماء بالإضافة يدخل من باب أولى حيث لا يطلق عليه ماء أصلًا. ونقل البعلي في "اختيارات ابن تيمية"(9) عنه القول بأن المائعات كلها حكمها حكم الماء، قلت أو كثرت، وهو رواية عن
(1)"المغني"(1/ 20)، وانظر كلامه بعدها في التفريق بين المسألتين.
(2)
"حاشية الروض"(1/ 81).
(3)
"المبدع"(1/ 41).
(4)
"حاشية الروض"(1/ 81).
(5)
"المصنف"(1/ 79).
(6)
"المجموع"(1/ 139).
(7)
"المغني"(1/ 19).
(8)
"إعلام الموقعين"(1/ 205).
(9)
من ضمن "الفتاوى الكبرى"(1/ 299)، وهو في "الاختيارات"(11).