الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في عصر النبوة، والنص لا يبقى لنا مجددًا في زمن الإجماع، فلذلك لم يتصور معارضته بنص ولا إجماع، وامتناع إجماعين في عصر واحد، ولأن الأمة معصومة في اتفاقها عن أن تُجمع على حكم ثبت فيه نص عن اللَّه سبحانه أو عن رسوله بخلاف اتفاقهم" (1).
فالإجماع ليس دليلًا منفردًا عن الأصلين الأولين، بل هو تابع لهما من حيث كونه لا يقع إلا وله مستند شرعي علمناه أم لم نعلمه.
فإذا وقع، دلّ ذلك على وجود الدليل الشرعي، وأن ذلك النص صحيح، غير مؤول ولا منسوخ، بخلاف النصوص الشرعية؛ فقد تكون محتملة التأويل، أو النسخ.
وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الذي يقول بأن النظر أولا إلى الإجماع، ثم النصوص، وبين أن طريقة السلف هي النظر أولًا في كتاب اللَّه تعالى، ثم في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم في الإجماع (2).
ثم نقل عن بعض المتأخرين قولهم: "يبدأ المجتهد بأن ينظر أولًا في الإجماع، فإن وجده؛ لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصًّا خالفه؛ اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه، وقال بعضهم: الإجماع نسخه! والصواب طريقة السلف"(3).
• حجية الإجماع: هذا، وقد دلّ على حجيّة الإجماع، وكونه دليلًا يستمد منه الأحكام عدة أدلة، نذكر بعضًا منها:
•
أولًا: من الكتاب:
1 -
قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد بالعذاب لمن شاقّ اللَّه ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين، أي: الطريق الذي اختاروه لأنفسهم.
وهذا يدل على وجوب متابعة سبيل المؤمنين وعدم مخالفتهم.
(1)"الواضح في أصول الفقه" لابن عقيل (2/ 28).
(2)
"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (19/ 201)، وانظر:"أصول الفقه وابن تيمية" للدكتور صالح المنصور (327).
(3)
"مجموع الفتاوى"(19/ 201).
ولا يصح إطلاق القول؛ بأن ذلك القول أو الفعل هو سبيل المؤمنين؛ إلا باجتماع قولهم أو فعلهم على رأي موحد (1).
2 -
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف الأمة بأنها أمة وسط، والوسط: الخيار العدل، يدل لذلك قوله تعالى:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} [القلم: 28]، أي: أعدلهم.
واللَّه تعالى عدّلهم بقبول شهادتهم أيضًا، وشهادة الشاهد حجة، فدل ذلك على حجيّة إجماع الأمة ووجوب الأخذ به (2).
3 -
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأمة؛ بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن المنكر.
وهذا يقتضي كون قولهم حقًّا وصوابًا في جميع الأحوال، والخيرية توجب حقيقة ما اجتمعوا عليه؛ لأنه لو لم يكن حقًّا لكان ضلالًا، فإذا اجتمعوا على مشروعية شيء يكون ذلك الشيء معروفًا، وإذا اجتمعوا على عدم مشروعية شيء يكون ذلك الشيء منكرًا، فيكون إجماعهم حجة (3).
4 -
قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
• وجه الدلالة: نهى اللَّه تبارك وتعالى في الآية عن التفرق، ولا شك أن مخالفة الإجماع تفرق، فيكون منهيًّا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته، ووجوب اتباعه (4).
5 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
(1) وانظر: "الموافقات" للشاطبي (4/ 38)، "الإجماع عند الأصوليين" لجمعة (44)، "الإجماع في الشريعة الإسلامية"(57).
(2)
"الإجماع عند الأصوليين" لجمعة (44)، "الإجماع في الشريعة الإِسلامية"(60).
(3)
"المهذب" للنملة (2/ 857)، "حجية الإجماع"(161)، "الإجماع في الشريعة الإِسلامية"(62).
(4)
"الإجماع" د. عبد الفتاح حسيني (101)، "حجية الإجماع"(178).