الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد في المسألة، كأنهم عزموا وصمموا على هذا القول في المسألة، مما جعلهم يقولون بقول واحد غير مختلفين فيه.
والثاني: الاتفاق والاجتماع.
وهذا المعنى هو الأقرب ليتناسب مع المعنى الاصطلاحي للإجماع، فإذا اتفق العلماء على القول برأيٍ في المسألة واجتمعوا عليه؛ فإنهم قد أجمعوا على القول بهذا الرأي.
المطلب الثاني: تعريف الإجماع اصطلاحًا
• وأما تعريف الإجماع اصطلاحًا: فقد اختلفت تعريفات العلماء في ذلك، أذكر بعضًا منها:
1 -
عرفه القاضي أبو يعلى بأنه: "عبارة عمن تثبت الحجة بقوله"(1).
2 -
عرفه الآمدي بأنه: "اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع"(2).
3 -
عرفه ابن السبكي بأنه: "اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عصرٍ على أي أمرٍ كان"(3).
• التعريف المختار: فهو اتفاق مجتهدي العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على أمرٍ من أمور الدين.
وهذا التعريف هو أسلم التعريفات الأصولية من الاعتراضات، وهو مأخوذ من تعريف الإمام ابن السبكي رحمه الله في "جمع الجوامع" إلا أنه أضيف إليه تقييد الأمر المجمع عليه بالديني، وبهذا يكون سالمًا من الاعتراضات الواردة عليه (4).
• شرح التعريف وبيان محترزاته: (اتفاق): هو أن تكون آراء العلماء متطابقة ومشتركة في الرأي والوجهة، سواء كان عن طريق الأقوال؛ أو الأفعال؛ أو السكوت مع كلام البعض الآخر.
(1)"العدة"(4/ 1057).
(2)
"الإحكام في أصول الأحكام"(1/ 196).
(3)
"جمع الجوامع"(2/ 209) مع "شرح الجلال وحاشية العطار".
(4)
"جمع الجوامع"(2/ 209) مع "شرح الجلال وحاشية العطار".
وبهذا يكون التعريف شاملًا لنوعي الإجماع (الصريح أو اللفظي؛ والسكوتي)(1).
(مجتهدي): المجتهد هو: الفقيه الذي استكمل شروط الاجتهاد المعروفة في أبواب الاجتهاد في أصول الفقه (2).
وبهذا يخرج من التعريف العوام وطلاب العلم الذين لم يستكملوا شروط الاجتهاد (3).
(العصر): أي ذلك العصر الذي وقعت فيه تلك الحادثة، ولو خالف عالم بعد ذلك فلا عبرة بخلافه؛ لأنه خالف الإجماع.
ويلاحظ هُنا أن العصر مطلق؛ أيْ في أيِّ عصرٍ كان، بخلاف من قال باشتراط حدوث الإجماع في عصر الصحابة فقط، وهم الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وسيأتي مزيد من البيان لهذه المسألة في المبحث الثالث إن شاء اللَّه تعالى (4).
وكذلك يلاحظ عدم تقييد التعريف باشتراط انقراض العصر، الذي وقعت فيه تلك الحادثة، بموت جميع العلماء الذين أفتوا في تلك الحادثة برأي موحد، بخلاف من اشترطه (5).
(1) شروط الاجتهاد هي:
1 -
أن يكون عارفًا بكتاب اللَّه تعالى.
2 -
أن يكون عارفًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن يكون عالمًا بالمجمع عليه والمختلف فيه.
4 -
أن يكون عالمًا بأصول الفقه.
5 -
أن يكون عالمًا بالقياس.
6 -
أن يكون عالمًا باللغة العربية وقواعدها.
7 -
معرفة مقاصد الشريعة.
8 -
أن يكون عدلًا مجتنبًا للمعاصي القادحة في العدالة.
انظر: "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" لعبد العزيز البخاري (3/ 230)، و"شرح التلويح على التوضيح" لمسعود التفتازاني (2/ 83)، "البحر المحيط" لبدر الدين الزركشي (6/ 456)، و"التقرير والتحبير في شرح التحرير" لابن أمير حاج (3/ 101)، و"المهذب"(5/ 2322).
(2)
انظر: "البحر المحيط"(6/ 415)، "شرح الكوكب المنير" لابن النجار (602).
(3)
انظر: "الوصول إلى الأصول" لابن برهان (2/ 84)، "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" للإمام الشوكاني (1/ 337).
(4)
انظر: "البحر المحيط" للزركشي (6/ 455)، "التقرير والتحبير" لابن أمير حاج (3/ 97)، "العُدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى (4/ 1091).
(5)
انظر: "البحر المحيط" للزركشي (6/ 478)، "الفصول في الأصول" للجصاص (3/ 304)، "المستصفى من علم الأصول" للإمام الغزالي (149)، "كشف الأسرار" للبخاري (3/ 273)، "العدة في أصول =
(من أمة محمد صلى الله عليه وسلم): قَيْدٌ يُخرج المجتهدين من أتباع الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، فلا يُعتد بخلافهم أو إجماعهم، ولو وصلوا إلى رتبة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية.
(بعد وفاته): قيد يُخرج الإجماع في عصر النبوة؛ لأنه لا يتصور وقوعه في حال حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام، إذ بوجوده هو المصدر التشريعي الوحيد الناقل للوحي، فلو أقر الإجماع كان إقراره هو الحجة، ولو أنكر الإجماع كان إنكاره هو الحجة أيضًا، ولا اعتبار لهذا الإجماع الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولذلك يقول الجلال المحلي: "ووجهه؛ أنه إن وافقهم فالحجة في قوله، وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه"(1).
(على أمر من أمور الدين): قيد يُخرج الإجماع في الأمور غير الشرعية؛ كاللغة والحساب والفلك وغير ذلك من أمور الدنيا.
فالإجماع الاصطلاحي الشرعي هو ما كان في أمور الدين فقط (2).
* * *
= الفقه" للقاضي أبي يعلى (4/ 1095)، "الوصول إلى الأصول" لابن برهان (2/ 97).
(1)
"شرح جمع الجوامع" للجلال المحلي (2/ 212) مع "حاشية العطار"، وانظر:"سلالة الفوائد الأصولية من أضواء البيان في تفسير آي القرآن" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، جمع الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس (59).
(2)
انظر في تعريف الإجماع أيضًا: "الإجماع مصدر ثالث من مصادر التشريع الإسلامي" للدكتور عبد الفتاح حسيني الشيخ (11) وما بعدها؛ "الإجماع عند الأصوليين" للدكتور علي جمعة (9)، "الغلو في حجية الإجماع الأصولي" للدكتور صلاح الدين سلطان (12)، "حجية الإجماع" للدكتور عدنان السرميني (21)، "المهذب في علم أصول الفقه المقارن" للدكتور عبد الكريم النملة (2/ 845)، "أحكام الإجماع والتطبيقات عليها" لخلف المحمد (17).