الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهبوا إلى وجوب الوفاء بالوعد، وأنه يلزم مطلقًا.
• دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه نصوص الوحيين التي فيهما الأمر بالوفاء بالوعد، منها:
الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3].
• وجه الاستدلال: فيها أن من ألزم نفسه عقدا لزمه الوفاء به، والوعد مما ألزم الشخص نفسه به، وإذا أخلف فهو كاذب.
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)(1).
• وجه الاستدلال: أن إخلاف الوعد قد عده النبي صلى الله عليه وسلم في خصال المنافقين، والنفاق مذموم شرعًا، وعلى هذا يكون إخلاف الوعد محرمًا فيجب الوفاء بالوعد.
الثالث: عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدًا فتخلفه)(2).
• وجه الاستدلال: أن فيه النهي عن إخلاف الوعد، والنهي يفيد التحريم.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في أن جواز الرجوع بالوعد بالهبة، وذلك للخلاف في المسألة.
[112 - 16] يجوز لبني هاشم وبني المطلب أن يأكلوا من الهبة
• المراد بالمسألة: لما كانت الصدقة محرمة على محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد،
(1) سبق تخريجه.
(2)
رواه: البخاري رقم (394)، والترمذي رقم (1995)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعبد الملك عندي هو ابن بشير، وضعفه: الألباني في: ضعيف الجامع الصغير، رقم (6274).
وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، جاءت النصوص تفيد بحل الهبة، والعطية، للنبي صلى الله عليه وسلم.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الهبة والعطية حلال لبني هاشم وبني المطلب ومواليهم](1).
ابن عبد البر (650 هـ) قال: [ولا خلاف علمته بين العلماء في بني هاشم وغيرهم في قبول الهدايا والمعروف سواء](2).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والشوكاني (6).
قال ابن قدامة: (والصدقة والهدية متغايران فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة)(7).
قال ابن تيمية: (الصدقة ما يعطى لوجه اللَّه عبادة محضة من غير قصد في شخص معين ولا طلب غرض من جهته لكن يوضع في مواضع الصدقة كأهل الحاجات، وأما الهدية فيقصد بها اكرام شخص معين، إما لمحبة وإما لصداقة، وإما لطلب حاجة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها، فلا يكون لأحد عليه منة، ولا يأكل أوساخ الناس التي يتطهرون بها من ذنوبهم، وهي الصدقات، ولم يكن يأكل الصدقة لذلك وغيره)(8).
قال البهوتي: (قال الشيخ: والصدقة أفضل من الهبة لما ورد فيها مما لا يحصر إلا أن يكون في الهبة معنى تكون الهبة به أفضل من الصدقة مثل الإهداء لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محبة له)(9).
(1) مراتب الإجماع (ص 172).
(2)
التمهيد (3/ 93).
(3)
الهداية (1/ 122).
(4)
أسنى المطالب (2/ 534).
(5)
المغني (8/ 239).
(6)
نيل الأوطار (4/ 243 - 244).
(7)
المغني، (8/ 239).
(8)
مجموع الفتاوى، (31/ 269).
(9)
كشاف القناع، (4/ 252).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن عائشة قالت: (كانت في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم، فدخل علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتى بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة على النار فيها لحم؟ فقالوا: بلى يا رسول اللَّه، ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية)(1).
الثاني: عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (بعث إليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشاة من الصدقة، فأرسلت إلى عائشة منها بشيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشاة، فقال: هات فقد بلغت محلها)(2).
الثالث: عن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فقال:(هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه، إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قربيه، فقد بلغت محلها)(3).
• وجه الاستدلال من هذه الأحاديث الثلاث التي هي بمعنى واحد: أن المتصدق عليها قد ملكت تلك الصدقة بوجه صحيح جائز، فقد صارت كسائر ما تملكه بغير جهة الصدقة، وإذا كان كذلك، فمن تناول ذلك الشيء المتصدَّق به من يد المتصدَّق عليه بجهة جائز غير الصدقة، جاز له ذلك، وخرج ذلك الشيء عن كونه صدقة بالنسبة إلى الآخذ من يد المتصدَّق عليه، وإن كان ممن لا تحل له الصدقة في الأصل (4).
(1) سبق تخريجه.
(2)
رواه: البخاري رقم (1446)، ومسلم رقم (1076).
(3)
رواه: مسلم، رقم (1073).
(4)
انظر: نيل الأوطار، الشوكاني (4/ 243 - 244).