الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أبواب الوقف
[59 - 1] جواز الوقف في الجملة
• المراد بالمسألة: الوقف لغة: مصدر وقف، بمعنى: الحبس (1).
• والوقف اصطلاحًا: حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح موجود -أو بصرف ريعه على جهة بر وخير- تقربًا إلى اللَّه سبحانه وتعالى (2).
• والمراد بالمسألة: أن الوقف جائز من حيث الأصل، وهو من القرب، وممن يجري ثوابه على صاحبه في حياته وبعد وفاته، فإذا أوقف المرء شيئًا مما يصح وقفه لزم، ولا يجوز نقض.
• من نقل الإجماع:
1 -
الترمذي (279 هـ) قال: [والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك](3).
(1) انظر: لسان العرب، ابن منظور (3/ 69)، المطلع على أبواب المقنع، البعلي (ص 285).
(2)
اختلف تعريف الفقهاء في المذاهب الأربعة للوقف، وذلك تبعًا لاختلاف مذاهبهم في الوقف، فبعضهم يرى أن الوقف: لازم، وآخرون يرون أنه: غير لازم، وبعضهم يشترط فيه: معنى القربة، وآخرون لا يرون ذلك شرطًا.
انظر: اللباب (2/ 180)، والدر المختار، (3/ 391)، ومغني المحتاج، الشربيني (2/ 376)، وكشاف القناع، البهوتي (4/ 276).
(3)
سنن الترمذي، كتاب الأحكام، باب الوقف، رقم (1375).
2 -
الماوردي (450 هـ) قال: (فإذا وقف شيئا زال ملكه عنه بنفس الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه وليس من شرطه لزوم القبض ولا حكم الحاكم وهو قول الفقهاء أجمع)(1).
3 -
الجويني (478 هـ) قال: (وأجمع المسلمون على أصل الوقف وإن اختلفوا في التفصيل)(2).
4 -
السمرقندي (539 هـ) قال: (فقد أجمع العلماء أن من وقف أرضه أو داره مسجدا بأن قال جعلت هذه الأرض مسجدا يصلى فيه الناس، أنه جائز)(3).
5 -
الكاساني (587 هـ) قال: [لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالفرع ما دام الوقف حيًا](4).
6 -
ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف وهذا إجماع الصحابة رضوان اللَّه عليهم فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعًا](5).
7 -
القرطبي (671 هـ) قال: [فإن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابر كلهم أوقفوا الأوقاف](6).
8 -
الموصلي (683 هـ) قال: أجمعت الأمة على جواز أصل الوقف (7).
(1) الحاوي الكبير، (7/ 511).
(2)
نهاية المطلب، (8/ 340).
(3)
تحفة الفقهاء، (3/ 647).
(4)
بدائع الصنائع (6/ 218).
(5)
المغني (8/ 186).
(6)
الجامع لأحكام القرآن (8/ 243 - 244)، ونقل ابن حجر في الفتح (5/ 403) عنه أنه قال:[راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه].
(7)
الاختيار لتعليل المختار، (3/ 40).
9 -
الشوكاني (1250 هـ) قال: [أوقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء](1).
• وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (2)، والصنعاني (3).
قال ابن حزم رحمه الله: (والتحبيس وهو الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها وفي الأرحاء وفي المصاحف والدفاتر ويجوز أيضًا في العبيد والسلاح والخيل في سبيل اللَّه عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك)(4).
قال الصنعاني: (قال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل الفقه خلافًا في جواز وقف الأرضين)(5).
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أصاب عمر رضي الله عنه أرضًا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضًا أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. .)(6).
• وجه الاستدلال: أن عمر رضي الله عنه وقف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره له؛ فدل على جواز الوقف.
الثاني: عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(7)
(1) نيل الأوطار (6/ 126).
(2)
المحلى (9/ 175).
(3)
سبل السلام (3/ 87).
(4)
المحلى (9/ 175).
(5)
سبل السلام (3/ 87).
(6)
رواه: البخاري رقم (2772)، ومسلم (1632).
(7)
رواه: مسلم، رقم (1631)، وأبو داود، رقم (2880)، والترمذي رقم (1376)، والنسائي رقم (3651).
• وجه الاستدلال: أن عمل الإنسان ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، ومنها: الصدقة الجارية، وهي: الوقف. ويشعر أيضًا بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه، ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة.
الثالث: اشتهار الوقف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أصبح كل من عنده قدرة من الصحابة على الصدقة يبادر إلى الوقف (1).
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: شريح القاضي (2)، وأبو حنيفة، وزفر (3)، فانكروا تحبيس الأصل على التمليك وتسبيل الغلة والثمرة، وهي الأحباس المعروفة بالمدينة (4).
• دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه ما يلي:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (حبس أصلها)(5) قالوا: فلا يلزم
(1) قال ابن قدامة: [قال الحميدي: تصدق أبو بكر رضي الله عنه بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك كله إلى اليوم. وقال جابر: أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف وهذا اجماع منهم، المغني (8/ 185 - 186).
(2)
انظر: شرح معاني الآثار (4/ 96) وقد أجاب ابن حزم: في المحلى (9/ 177) على قول شريح بعدما ساقه: [وأما قوله: (لا حبس عن فرائض اللَّه) فقول فاسد، لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة، والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت، وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض اللَّه عز وجل، فيجب بهذا القول إبطال كل هبة وكل وصية لأنها مانعة من فرائض اللَّه تعالى بالمواريث]. وحمله بعض أهل العلم على حبس الجاهلية، قال الطرابلسي في: كتاب الإسعاف في أحكام الأوقاف (ص: 14): [قول شريح جاء محمد ببيع الحبس] محمول على حبس الكفرة مثل البحيرة والوصيلة والسائبة والحام). قلت: وهذا هو اللائق بقاضي الخلفاء شريح، فلا يتصور مثله يجهل حكم الوقف.
(3)
نيل الأوطار (6/ 129).
(4)
انظر: التمهيد (1/ 213).
(5)
سبق تخريجه.
التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره (1).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت سورة النساء، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(لا حبس بعد سورة النساء)(2). قالوا فهذا دليل على نسخ الوقف (3). يقول الماوردي: فأما الجواب عن حديث ابن عباس فمن وجهين:
1 -
أنه أراد حبس الزانية، وذلك قوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} [النساء: 15]، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم السبيل فقال: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
2 -
أنه أراد به ما ينبه في آخر وهو قوله: "إن اللَّه أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث"، فكأنه قال: لا يحبس عن وارث شيء جعله اللَّه له (4)
الثالث: عن عمر رضي الله عنه قال: (لولا أني ذكرت صدقتي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لرددتها")(5).
(1) انظر: شرح معاني الآثار (4/ 96 وما بعدها).
(2)
رواه: البيهقي في السنن الكبرى، رقم (12253)، والدارقطني، كتاب الفرائض والسير وغير ذلك، رقم (4105)، وابن حزم، في المحلى (9/ 177) وقال:[هذا حديث موضوع وابن لهيعة لا خير فيه وأخوه مثله، وبيان وضعه أن سورة النساء أو بعضها نزلت بعد أحد يعني آية المواريث وحبس الصحابة بعلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد خيبر وبعد نزول المواريث في سورة النساء. . وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل، ولو صح هذا الخبر لكان منسوخًا باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات].
(3)
انظر: شرح معاني الآثار (4/ 96 وما بعدها).
(4)
الحاوي الكبير، 7/ 513.
(5)
رواه: مالك في الموطأ، باب الاعتصار في الصدقة، رقم (2/ 487)، والطحاوي، كتاب الهبة والصدقة، باب الصدقات الموقوفات، رقم (5433)، قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (9/ 40):[فهو منقطع، لا تثبت به حجة، ومشكوك في متنه، لا يدري كيف قاله] ثم قال: [والأشبه بعمر إن كان هذا صحيحا أنه لعله أراد ردها إلى سبيل =