الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
قال الكاساني: (فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها، لأن هذا عين ماله، ومن وجد عين ماله فهو أحق به على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)(4).
قال ابن قدامة: (وإن مات وعنده وديعة معلومة بعينها، فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها)(5).
قال الماوردي: (وإذا هلك وعنده وديعة بعينها فهي لربها)(6). قال الدردير: (وأُخذت الوديعة من تركته حيث ثبت أن عنده وديعة إذا لم توجد بعينها ولم يوص بها قبل موته لاحتمال أنه تسلفها)(7).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوديعة من جنس الأمانات الواجب ردها، فوجودها مع مال التركة لا يسوغ للورثة تأخير ردها بعينها أو قيمتها إلى صاحبها، وأن يدهم عليها يد أمانة، لا يد ملك (8).
النتيجة:
صحة الإجماع في أن المودع أحق بوديعته إذا عرفت بعينها.
[30 - 11] المودع بالخيار في التضمين إذا تلفت الوديعة عند الوديع الثاني
• المراد بالمسألة: أن الوديع الأول إذا استودع الوديعة غيره، ثم استهلكها الثاني، فالمودع بالخيار إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني، غير أنه إنْ ضمن الأول، فإن الأول يرجع بالضمان على الثاني، وإن ضمن الثاني؛ فلا يرجع بالضمان على الأول؛ لأن سبب وجوب الضمان
(1) حاشية الدسوقي (5/ 130)، والشرح الصغير (4/ 562)، وبلغة السالك (2/ 203).
(2)
الحاوي الكبير (8/ 379).
(3)
المغني (9/ 263)، وكشاف القناع (4/ 154).
(4)
بدائع الصنائع، (6/ 213).
(5)
المغني، (9/ 270).
(6)
الحاوي الكبير (8/ 379).
(7)
الشرح الصغير، 3/ 562.
(8)
الواضح في شرح مختصر الخرقي (2/ 509).
وجد من الثاني حقيقة (1).
• من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) قال: [فأما إذا استهلكها فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع](2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
قال الكاساني: (المالك بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني)(6).
قال العيني: (ومن أودع رجلًا وديعة فأودعها أي المودع أودعها رجلًا آخر فهلكت فله أي فللمالك أن يضمن للأول أي المودع الأول وليس له أن يضمن الآخر أي مودع المودع)(7).
قال المطيعي: (وإن أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لأن المودع لم يرض بأمانة غيره، فإن هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمّن الأول لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه، وله أن يضمّن الثاني لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه)(8).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: يضمن لأن المودع إنما أذن له في حفظها تحت يده، ولم يأذن له في وضعها تحت يد غيره، فإن فعل ذلك، كان متعديا، لخروجه في حفظها عن الوجه المأذون فيه.
(1) بدائع الصنائع (6/ 208).
(2)
المرجع السابق (6/ 208).
(3)
المدونة الكبرى (4/ 433).
(4)
المجموع شرح المهذب (التكملة)(14/ 189).
(5)
الشرح الكبير (5/ 369).
(6)
بدائع الصنائع، (6/ 208).
(7)
البناية في شرح الهداية، (9/ 159).
(8)
المجموع شرح المهذب (التكملة)، (14/ 189).
الثاني: ولأن الناس يتفاوتون في الحفظ والأمانة، والمودع إنما رضي بحفظه وأمانته دون غيره، ولم يسلطه على أن يودعها غيره، فإذا دفعها إلى أجنبي، فقد صار تاركًا الحفظ الذي التزمه، مستحفظًا عليها من استحفظ منه، وذلك تفريط موجب للضمان.
الثالث: لأن سبب وجوب الضمان وجد من الثاني حقيقة وهو الاستهلاك، لوقوعه إعجازًا للمالك عن الانتفاع بماله على طريق القهر، ولم يوجد من الأول إلا الدفع إلى الثاني على طريق الاستحفاظ دون الإعجاز، إلا أنه ألحق ذلك بالإعجاز شرعًا في حق اختيار التضمين صورة لأنه باشر سبب الإعجاز فكان الضمان في الحقيقة على الثاني، لأن إقرار الضمان عليه (1).
• الخلاف في المسألة: اختلف العلماء في هذه المسألة إلى عدة أقوال، والخلاف في واقع الأمر متجه إلى صورتين اثنتين:
الصورة الأولى: أن يودعها عند غيره لغير عذر، وفي هذا قولان:
القول الأول: أن عليه الضمان، وهو مذهب الحنفية (2)، المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وإسحاق (6)، وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي:
الأول: أنه خالف المودع فضمنها، كما لو نهاه عن إيداعها.
القول الثاني: أنه لا ضمان عليه، وهو قول ابن أبي ليلى (7).
وحجة ما ذهب إليه ما يلي:
(1) انظر: تحفة المحتاج (7/ 105)، وأسنى المطالب (3/ 76)، والقوانين الفقهية (ص 379)، وكشاف القناع (4/ 193)، والمبدع (5/ 238).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 208).
(3)
المدونة الكبرى (4/ 433).
(4)
المجموع شرح المهذب (التكملة)(14/ 189).
(5)
الشرح الكبير (5/ 369).
(6)
المغني (9/ 259).
(7)
المبسوط (11/ 141 - 142).
الأول: أن الوديعة إذا كان على الوديع إحرازها وحفظها على الوجه الذي يحفظ به ماله، فالإنسان قد يودع مال نفسه عند أجنبي، فكان له أن يودع الوديعة عنده، كما لو حفظها في حرزه.
الثاني: ولأن من ملك شيئًا بنفسه، ملك تفويضه إلى غيره، والوديع قد ملك حفظ الوديعة، فيملك تفويضه إلى غيره (1).
القول الثاني: ذهب الحنفية (2)، والمالكية (3)، والليث بن سعد (4)، إلى أن له أن يودعها عند ثقة مأمون، ولا ضمان عليه في ذلك، سواء قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر.
• دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي:
الأول: لأنه أودعها عند الحاجة لثقة مرضى، فأشبه إيداعها عند الحاكم.
الثاني: ولأنه أحد سببي حفظها، فكان موكلا إلى اجتهاده كالحرز (5).
الصورة الثانية: إذا كان له عذر، مثل إن أراد سفرا، أو خاف عليها عند نفسه من حرق أو غرق أو سرقة، وهذا أيضا فيه خلاف على قولين:
القول الأول: ذهب الشافعية (6)، والحنابلة (7)، إلى أنه إن كان له عذر، فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله، فإن تعذر وصوله إليهما، دفعها إلى
(1) انظر: المبسوط (11/ 113)، والإشراف لابن المنذر (6/ 334)، واختلاف العراقيين (4/ 63).
(2)
المبسوط (11/ 141 - 142).
(3)
المدونة الكبرى (4/ 433).
(4)
الأوسط (11/ 311).
(5)
انظر: رد المحتار (4/ 495)، والبحر الرائق (7/ 275)، والبدائع (6/ 208)، والعقود الدرية (2/ 71)، والتاج والإكليل (5/ 257)، والزرقاني على خليل (6/ 117)، والكافي لابن عبد البر (ص 403)، وبداية المجتهد (2/ 312).
(6)
مغني المحتاج (3/ 81 - 82).
(7)
الإنصاف (6/ 328).
القاضي، إذ القاضي يقوم مقام صاحبها عند غيبته. فإن لم يجد قاضيا، دفعها إلى أمين ثقة، وإلا ضمنها.
• دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه: أنها موضع حاجة، فإن ترك الدفع إلى المالك أو وكيله مع القدرة عليه، ودفعها إلى الحاكم العدل أو الأمين، ضمن، لأنه دفعها إلى غير مالكها بدون إذنه من غير عذر، فضمنها، كما لو أودعها عند أجنبي بلا عذر. ولو دفعها إلى أمين مع القدرة على الحاكم ضمن، لأن غير الحاكم لا ولاية له (1).
القول الثاني: ذهب الحنفية (2)، والمالكية (3)، إلى أن له أن يودعها عند ثقة مأمون، ولا ضمان عليه في ذلك، سواء قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر.
• دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي:
الأول: لأنه أودعها عند الحاجة لثقة مرضي، فأشبه إيداعها عند الحاكم، ولأنه أحد سببي حفظها، فكان موكلا إلى اجتهاده كالحرز (4).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في أن المودِع بالخيار في التضمين إذا تلفت الوديعة عند الوديع الثاني، وذلك للخلاف القوي فيها، ولكن ممكن أن يقال بأنه لا يضمن إلا في حالة مخالفة شرط المودع، أو وضعها في يدٍ غير أمينة، فيخرج على أنه مفرط، كما تقرر سابقًا، واللَّه أعلم (5).
(1) روضة الطالبين (6/ 328)، والمغني (9/ 260)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 453).
(2)
المبسوط (11/ 141 - 142).
(3)
المدونة الكبرى (4/ 433).
(4)
رد المحتار (4/ 495)، وبداية المجتهد (2/ 312)، والإشراف لابن المنذر (6/ 334).
(5)
انظر المسألة في: البحر الرائق (7/ 274)، والتاج والإكليل (5/ 257)، وروضة الطالبين (6/ 327)، والقوانين الفقهية (ص 379)، وكشاف القناع (4/ 193)، والمبدع (5/ 238).