الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يوصي قبل وفاته، فدل على مشروعية الوصية.
الرابع: القياس الصحيح: وهو أن الإنسان يحتاج أن يكون ختْمُ عمله بالقربة زيادة على القرب السابقة، أو تداركًا لما فرط في حياته، وذلك بالوصية، وهذه العقود ما شرعت إلا لحوائج العباد، فإذا مست حاجتهم إلى الوصية وجب القول بجوازها (1).
النتيجة:
صحة الإجماع في مشروعية الوصية بالجملة.
[143 - 2] عدم وجوب الوصية إلا لمن عليه حق واجب
• المراد بالمسألة: أن الوصية مستحبة لمن ترك خيرًا، وليست بواجبة، إلا لمن كان عليه حق واجب، فيجب عليه أن يوصي كما سيمر معنا.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ): قال [وأجمع الجمهور أن الوصية غير واجبة؛ إلا على من عليه دين، أو عنده وديعة فيوصي بذلك، وشذ أهل الظاهر فأوجبوها فرضًا إذا ترك مالًا كثيرًا ولم يوقتوا في وجوبها شيئًا](2).
ابن عبد البر (462 هـ) قال: [وأجمع الجمهور على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين، أو يكون عنده وديعة، أو أمانة، فيوصي بذلك](3).
(1) بدائع الصنائع (10/ 471 - 472).
(2)
الإقناع لابن القطان (3/ 1375 - 1376) مسألة (2542) نقلًا عن الإشراف، ولم أجده بهذا اللفظ في مظانه من الإشراف، والذي وجدته في الإشراف (4/ 401 - 402) هو:[واختلفوا في وجوب الوصية على من خلف مالًا. . . وفيه قول ثان وهو أن الوصية ليست بواجبة إلا على رجل عليه دين أو عنده مال لقوم. .].
(3)
الاستذكار (23/ 7). وقال في التمهيد (14/ 292): [وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين أو تكون عنده وديعة أو أمانة فيوصي بذلك. . وقد شذت طائفة فأوجبت الوصية ولا يعدون خلافًا على الجمهور].
ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الوصية غير واجبة لمن ليست عنده أمانة يجب عليه الخروج منها، ولا عليه دين لا يعلم من هو له، وليست عنده وديعة بغير إشهاد](1).
النووي (676 هـ) قال: (ما يستحق عليه من ديون اللَّه تعالى كالزكاة وحجة الإسلام، وديون الآدميين، تخرج بعد موته، وهذا الذي نوجبه من رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع)(2).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (3)، والشافعية (4)، والصنعاني (5).
قال الماوردي: (وأما على من كانت عليه ديون حقوق لا يوصل إلى أربابها إلا بالوصية، فتصير الوصية ذكرها وأدائها واجبة)(6).
قال الموصلي: (وهي مندوبة وهي مؤخرة عن مئونة الموصي وقضاء ديونه)(7). . . ويقول في كتاب الفرائض: (يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ثم تقضى ديونه. . . ولأن الدين مستحق عليه، والوصية تستحق من جهته، والمستحق عليه أولى لأنَّه مطالب به)(8).
قال المرداوي: (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص)(9).
قال الدردير: (. . . فتجب عليه إذا كان دينًا أو نحوه، ويندب إليها إذا كانت بقربة في غير الواجب)(10).
(1) الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 70).
(2)
روضة الطالبين، 6/ 131.
(3)
انظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 582)، والبحر الرائق (8/ 460)، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (10/ 336).
(4)
انظر: الأم (8/ 241)، والمهذب (1/ 449)، وأسنى المطالب (6/ 65).
(5)
سبل السلام (3/ 103).
(6)
الحاوي الكبير، 8/ 189.
(7)
الاختيار لتعليل المختار، 5/ 62.
(8)
الاختيار لتعليل المختار، 5/ 84 - 86.
(9)
الإنصاف، 8/ 217.
(10)
الشرح الصغير، 4/ 579.
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180].
• وجه الدلالة: أنها منسوخة، قال ابن عباس رضي الله عنهما:(كان المال للولد والوصية للوالدين فنسخ اللَّه من ذلك ما أحب. .)(1).
الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180].
• وجه الدلالة: أن المعروف يختص بالمندوب؛ كما هو مقرر شرعًا ولغة، والواجب لا يختص بالمتقين فقط (2).
الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ له مال يريد أن يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عنده)(3).
• وجه الدلالة: أن الوصية لو كانت واجبة لم يجعل ذلك إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لزامًا على كل حال (4).
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة: الشافعي في القديم، وإسحاق، وداود (5)، وابن حزم من الظاهرية (6)، والشوكاني (7)، فذهبوا إلى وجوب الوصية، وهو مروي عن جمع من السلف، منهم: عطاء، والزهري،
(1) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، رقم (2747).
(2)
الذخيرة، القرافي (7/ 4).
(3)
رواه: البخاري رقم (2738)، ومسلم رقم (1627).
(4)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 402)، ونصب الراية لأحاديث الهداية، الزيلعي (4/ 206).
(5)
انظر: فتح الباري (5/ 358).
(6)
المحلى (9/ 312).
(7)
الدراري المضية (2/ 260).
وأبو مجلز، وطلحة بن مصرف، والطبري (1).
قال ابن حزم: (الوصية فرض على كل من ترك مالًا)(2).
قال الشوكاني: (تجب على من له ما يوصي فيه)(3).
• دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180].
• وجه الدلالة: قالوا أن المعروف واجب كما يجب ترك المنكر، وواجب على الناس كلهم أن يكونوا من المتقين (4).
الثاني: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده)(5).
• وجه الدلالة: أن الحق هو: الثابت، فصرح صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت للمسلم إلا الوصية، والنفي كالنهي، والنهي للتحريم، وإذا حرم الترك وجب الفعل (6).
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص، فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم)(7).
• وجه الدلالة: قال ابن حزم: (فهذا إيجاب للوصية ولأن يتصدق عمن لم يوص ولابد، لأن التكفير لا يكون إلا في ذنب)(8).
(1) انظر: المحلى (9/ 312)، وفتح الباري (5/ 358)، ونيل الأوطار (6/ 143)، والمصنف، لعبد الرزاق (16328)، والدراري المضية (2/ 425).
(2)
المحلى (9/ 312).
(3)
الدراري المضية (2/ 260).
(4)
التمهيد (14/ 292).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
الذخيرة للقرافي (7/ 6)، والمحلى (9/ 313)، والدراري المضية (2/ 425).
(7)
رواه: مسلم، كتاب الوصية، باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، رقم (1630).
(8)
المحلى (9/ 313).