الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. . أما بعد:
فإن تحقيق مسائل الإجماع من أهم ما ينبغي أن تصرف فيه الجهود العلمية، فهو أصل من أصول الأدلة الشرعية، وإليه المرجع في حسم كثير من المسائل والأحكام، ولذلك معرفة الفقيه وطالب العلم للإجماعات، وتتبع مظانها في كتب العلم في مرتبة الضرورة، لا سيما القضاة والمفتون وطلبة العلم الشرعي، وبعد هذا الجهد يمكن أن ألخص النتائج التي خرجت بها من هذه الأطروحة بما يلي:
الأول: أن الإجماع حجة من حجج الشرع، وأصل من أصول أدلة الأحكام، وأن ضعف الاهتمام به قديمًا وحديثا راجع -في تقديري- إلى أنه دليل تبعي لا استقلالي، مع أن الحاجة إلى الاطلاع عليه وتحقيقه مهمة بل في مرتبة الضرورة.
الثاني: أنَّ مخالفة الواحد والاثنين والثلاثة تخرم الإجماع؛ إلا إذا كانت المخالفة شاذة؛ كمخالفة أهل الظاهر في بعض المسائل الفقهية التي فيها مصادمة للنصوص الظاهرة أو مخالفتهم جماهير أهل العلم قاطبة.
الثالث: اختلاف مشارب أهل العلم في التعبير عن الإجماع، فمنهم من يعبر عنه بلفظ الإجماع، ومنهم من يعبر بنفي الخلاف، ومنهم من يعبر بالاتفاق، ومنهم من يحكيه عن الجمهور، وتكمن مهمة الفقيه في التأكد من حقيقة الإجماع، وذلك بالنظر إلى من صدر عنه من أهل العلم، وذلك لاختلافهم من حيث استقراء مسائل الإجماع؛ فابن قدامة يكثر من التعبير
عن الإجماع بنفي الخلاف، وغالبًا ما يكون مصيبًا، وأحيانًا من الفقهاء من يعبر عن الإجماع بلفظة (الإجماع)، وهو في واقع الأمر مجرد اتفاق، وأخطر شيء هو تقليد العلماء بعضهم بعضًا في نقل الإجماع، فتجد أحيانًا العالم لا يكلف نفسه في التحقق من مسائل الإجماع، وإنما يكتفي بمجرد نقلها عن فلان، وقد يكون الإجماع مخرومًا، وهو حاصل في كثير من كتب أهل العلم.
الرابع: أن الحكم بالإجماع في المسألة ليس على إطلاقه في الحقيقة، فبعض العلماء يطلق الإجماع ويريد به إجماع المذهب، وهذا كثيرًا ما يسلكه فقهاء الحنفية رحمهم الله وبعضهم يعكس ذلك، الاتفاق ومراده الإجماع كما يحصل من تعبيرات ابن رشد، وابن حزم -رحمهما اللَّه- وغيرهما من أهل العلم.
الخامس: توصل الباحث إلى أنَّ كثيرًا من الإجماعات المشتهرة والمؤخوذة بالتلقي لا يصح فيها الإجماع، ولذلك كان راسخًا في ذهن الباحث مسائل مقطوعًا فيها بالإجماع، بسبب كثرة ترددها في الكتب المذهبية، وعلى ألسنة العلماء، ولكن بعد الدراسة والتحقيق تبين أنها مسائل خلافية، مثل: كون الوقف دائمًا مؤبدًا، لقطة الحاج، والتقاط ضالة الإبل، وقطع جاحد العارية، وغيرها مما مر في دراستي، فكان المتقرر أنها من الإجماع القطعي، فتبين أن فيها خلافًا قويًا.
السادس: توصل الباحث بعدما عاش مع مسائل هذه الدراسة أنها تربي الإنسان على التروي والنظر وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام، وأن أول ما ينبغي لطالب العلم الرجوع إليه هو مسائل الإجماع في المسألة التي يريد النقاش حولها، وأن إهمال مسائل الإجماع، واللجوء إلى الأقوال الشاذة، أو مصادرة الأحكام لقول وارد عن المتقدمين، مسلك غير صحيح في نظر الباحث، وقد يكون سببه التلقي الخاطئ لمسائل العلم، وعدم المنهجية
العلمية الواضحة والسليمة في طريقة التعامل مع المسائل الشرعية، وهذا منهج بدأ يظهر على السطح، ولأجل هذا فإن دراسة مسائل الإجماع، والتحقق منها، والوصول إلى الصحيح منها، يحقق قدرًا كبيرًا من الاجتماع والائتلاف الذي هو أحد مقاصد الشريعة، فالإجماع يعتبر فيصلًا في المسائل التي يقع فيها الخلاف عند المتأخرين، ويسهم أيضًا في إزالة الفكرة التي فرضتها بعض الاجتهادات الخاطئة، والتي تشير إلى طغيان المسائل المختلف فيها على المجمع أو المتفق عليها، حتى ساد اعتقادٌ أن مسائل الخلاف هي الأصل، ودراسة هذه المسائل تبين ضعف هذا التوجه مما يكون له الأثر الطيب على المستوى الفردي والجماعي للأمة.
السابع: خلصت من خلال البحث إلى أن ابن المنذر، وابن عبد البر، وهما من أشهر من يحكي الإجماع يكررون الإجماع في أكثر من مكان في كتبهم، فرأيت من المنالسب عدم الاكتفاء بأحد كتبهم، وحاولت الإفادة من التمهيد إلى جانب الاستذكار عند ابن عبد البر، وكذلك الإشراف والأوسط لابن المنذر، إلى جانب كتاب الإجماع له، في توثيق مسائل الإجماع، وفي واقع الأمر لم أقف إلا على موضع أو موضعين.
الثامن: إن ابن حزم وابن رشد من أشهر من يعبر عن الإجماع بلفظة الاتفاق، وربما يعكس ابن رشد فيعبر عن الاتفاق بالاتفاق المذهبي، ولذلك حرصت على الرجوع إلى بداية المجتهد لابن رشد، وقارنت كثيرًا بين المحلى وبين مراتب الإجماع لابن حزم؛ فظهر لي أن ابن حزم لم يعتن بحكاية الإجماع في المحلى مثل عنايته بالمراتب؛ ولأجل ذلك جاءت الإجماعات قليلة مقارنة بما في المحلى، وعليه! يمكن القول بأن ابن حزم جعل المراتب متخصص في حكاية الإجماع، ومكمل لما في المحلى مما فاته.
التاسع: توصل الباحث إلى أن أغلب أبواب الفقه التي يكثر فيها صحة
الإجماع، أبواب الفرائض، والسبب يرجع إلى أن أغلبها نصوص ظاهرة، وقطعية، وقد حصل الخلاف في مسائل استجدت في عصر الصحابة، ولذلك في أبواب الفرائض بحثت (149) مسألة؛ فكانت المجمع عليها (127) مسألة، والتي لم يتحقق فيها الإجماع (20) مسألة.
العاشر: مسائل الوقف من أهم المسائل التي لها ارتباط عملي في واقع المسلمين، ولم أكن أحسب هذا الكم الكبير من المسائل المجمع عليها في هذا الباب، ولذلك أرجوا أن تكون مسائل الإجماع في باب الوقف داعمًا قويًا، وإضافة جيدة لهيئات الوقف في العالم الإسلامي، خاصة وأن أغلب المؤتمرات التي تعقد بخصوص الوقف تفتقد إلى تمييز المسائل المجمع عليها من غيرها.
الحادي عشر: توصل الباحث إلى أنَّ جَزم ابن المنذر وابن حزم، رحمهما اللَّه، بعدم وجود إجماع في أبواب اللقطة محل نظر، فلقد بحثت (21) مسألة، تحقق الإجماع فيما ظهر للباحث في (11) مسألة، وهذا يصدق عليه قول بعض أهل العلم: كم ترك الأول للآخر.
الثاني عشر: في دراستي هذه كانت المسائل التي تحقق فيها الإجماع أكثر من المسائل التي لم يتحقق فيها الإجماع، فالمسائل التي بحثتها (342) مسألة، وقد صح الإجماع في (267)، والباقي (75) مسألة لم يتحقق فيها الإجماع.