الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب تصرفات المريض
[128 - 1] تصرفات المريض مرض الموت المالية تُخرج من الثلث كالوصية
• المراد بالمسألة: تصرفات المريض، أي: عطاياه، فتصرفات المريض المالية يطلق عليها أهل العلم عطايا، مفرد عطية، وأما الهبة، فتصرفاته المالية في الصحة، وأما الوصايا فما يهبه الإنسان بعد وفاته (1).
• والمراد بالمسألة: أن المرض الذي يلازم به صاحبه الفراش، ولا يعذر معه على شيء من التصرف، ويغلب على القلوب أنه يتخوف عليه منه الموت، إذا أوصى بماله، فلا ينفذ منه إلا الثلث.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [فالعلماء مجمعون قديمًا وحديثًا على أنه لا يجوز له أن يقضي في ماله -أي المريض مرض المخوف- بأكثر من الثلث](2).
ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على عطايا المريض وهباته من الثلث](3).
عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [فدل الحديث وما في معناه، على الإذن بالتصرف في ثلث المال عند الوفاة، وهو مذهب جمهور العلماء](4).
(1) انظر هذا التفصيل في: المطلع (ص 291)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 197).
(2)
الاستذكار (23/ 51).
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 72).
(4)
حاشية الروض المربع (6/ 31).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (1)، والشافعية (2) والشوكاني (3).
قال ابن قدامة: (التبرعات المنجزة. . . إن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول جمهور العلماء)(4).
قال النووي: (التبرعات المعلقة بالموت -وهي الوصايا- معتبرة من الثلث، سواء أوصى بها في صحته، أو في مرضه، وكذلك التبرعات المنجزة في المرض المخوف المتصل بالموت معتبرة من الثلث (5).
قال الشوكاني: (تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى بعد الموت)(6).
قال الدسوقي عن الوصية في المرض: (. . . وأنها في الثلث أي ويعلم أن الوصية إنما تكون في الثلث لا في زائد عليه)(7).
قال عبد الغني الميداني: (ومن أعتق عبدًا في مرضه أو باع وحابى، أو وهب، فذلك كله جائز يعتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا)(8).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي
(1) الهداية (4/ 584)، وبدائع الصنائع (10/ 479)، والدر المختار مع حاشية بن عابدين (10/ 349).
(2)
المهذب (1/ 452)، وأسنى المطالب (6/ 100)، وتحفة المحتاج (3/ 80).
(3)
نيل الأوطار (6/ 154 - 155).
(4)
المغني، (8/ 473 - 474).
(5)
روضة الطالبين، (6/ 123).
(6)
نيل الأوطار (6/ 155).
(7)
حاشية الدسوقي، 6/ 509.
(8)
اللباب في شرح الكتاب، 4/ 175.
مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) (1).
• وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مرضه المخوف أن يتصرف في ماله بأكثر من الثلث، فدل على أن تصرفات المريض مرض الموت في الثلث فقط، كالوصية المجتمع عليها (2).
الثاني: عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم (فدعاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا)(3)
• وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ما زاد على الثلث، وأقر الثلث، فدل على بطلان وصية المريض مرضًا مخوفًا فيما زاد على الثلث (4).
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أَموالكم، زيادة لكم في أعمالكم)(5)
• وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن اللَّه رخص للمريض مرض الموت أن يوصي بحدود الثلث عند وفاته، فدل على عدم جواز الزيادة.
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: طاووس (6)، وداود (7)،
(1) سبق تخريجه.
(2)
كشف اللثام شرح عمدة الإحكام، السفاريني (5/ 172).
(3)
رواه: البخاري رقم (2724)، ومسلم رقم (1668). قال ابن عبد البر في الاستذكار (23/ 54). قوله:(لقد هممت ألا أصلي عليه ما أعتق جميعهم) وهذه الألفاظ محفوظة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(4)
انظر: الأم (8/ 264).
(5)
رواه: أحمد، رقم (27482)، وابن ماجه، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، رقم (2709)، وحسنه الألباني. انظر: إرواء الغليل، حديث رقم (1641).
(6)
الحاوي الكبير (8/ 320).
(7)
المحلى (9/ 348).