الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب ذوي الأرحام ومسائل الرد والعول
[283 - 91] أن ذوي الأرحام يرثون إذا لم يوجد صاحب فرض ولا عاصب
• المراد بالمسألة: الأرحام في اللغة: جمع رحم، وهو في الأصل موضوع تكوين الجنين، ووعاؤه في البطن، ومنه قوله:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران: 6]، ثم أطلق على القرابة تقريبًا للأفهام (1).
• وفي الاصطلاح: القرابة مطلقًا سواء أكانوا وارثين أم غير وارثين، وعددهم أحد عشر صنفًا: ولد البنات، ولد الأخوات، بنات الأخوة، بنات الأعمام، بنو الأخوة من الأم، العم من الأم، العمات، الأخوال، الخالات، أبو الأم، كل جدة أدلت بأب أمين أعلى من الجد. (2).
ويطلق العلماء في أبواب المواريث خاصة، الأرحام على: كل قريب لا يرث بفرض ولا تعصيب، وتتوسط أنثى بينه وبين الميت في الغالب (3).
• والمراد بالمسألة: أن ذوي الأرحام أحد أنواع الورثة الذين يأخذون التركة بعد موت قريبهم، وذلك بشرط عدم الوارث من أصحاب الفروض أو العصبات.
• من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) قال: [. . فإنه حكي أنَّ المعتضد
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 210).
(2)
انظر: الحاوي (8/ 73)، كشاف القناع (4/ 383)، والتحقيقات المرضية في المباحث الفرضية، (ص 260).
(3)
انظر: التعريفات، الجرجاني (143)، البحر الرائق (8/ 508)، والتاج والإكليل (6/ 373)، وحاشية الرملي على شرح الروض (3/ 52).
سأل أبا حزم القاضيَ عن هذه المسألة، فقال: أجمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غيرَ زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم، وقال المعتضد: أليس أنه يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان؟ فقال: كلا، وقد كذب من روى ذلك عنهم] (1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة (2)، الشوكاني (3).
قال الماوردي (450 هـ): . . . إذا لم يكن عصبة وإن بعدت ولا ذو فرض برحم ولا مولى معتق، فيصير حينئذ ذوو الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث مع عدمه وورثته (4).
قال القرافي (684 هـ): ذوو الأرحام. . . . قال علي وابن مسعود بتوريثهم إذا لم يكن ذو سهم من ذوي الأنساب ولا عصبة ولا مولى نعمة (5).
قال الشوكانى (1250 هـ): وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة، قال الترمذي: واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال، وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي، وابن مسعود، وأبي الدرداء، والشعبي، ومسروق. . . قالوا: إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام (6).
(1) انظر: المبسوط (30/ 2). وسبب حكاية أبي حازم القاضي الحنفي الإجماع على هذا، هو: أنه يذهب إلى أن إجماع الخلفاء الراشدين حجة وإن خالفه غيرهم من الصحابة، وهي مسألة خلافية أصولية مشهورة.
انظر: البحر المحيط، الزركشي (3/ 527 - 528)، جامع العلوم والحكم، ابن رجب (ص 497).
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (6/ 153).
(3)
انظر: نيل الأوطار (6/ 180).
(4)
الحاوي الكبير، 8/ 174.
(5)
الذخيرة، 13/ 53.
(6)
نيل الأوطار (6/ 180).
قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): فمتى لم يوجد وارث صاحب فرض، أو لم يوجد معصب، ورث أولوا الأرحام عند أكثر أهل العلم (1).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)} [الأحزاب: 1].
• وجه الاستدلال: أن بعض أولي الأرحام أولى ببعض فيما كتب اللَّه سبحانه وتعالى وحكم به، وهو يشمل كل الأقرباء، سواء أكانوا ذوي فروض أم عصبات، أم لا.
الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ابن أخت القوم منهم)(2).
• وجه الاستدلال: جعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم ابن الأخت من القوم دليل على توريث ذوي الأرحام.
الثالث: عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالًا فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل (3) عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه) (4).
• وجه الاستدلال: أنه ذكر الخال من الورثة، في حال عدم أصحاب الفرض والتعصيب، وهم من ذوي الأرحام.
(1) حاشية الروض المربع (6/ 153).
(2)
رواه: البخاري رقم (6762)، ومسلم رقم (1059).
(3)
العقل هنا: أي دفع دية القتيل خطأ. انظر: قواعد الفقه، البركتي (ص 386).
(4)
رواه: أبو داود رقم (2900)، والنسائي رقم (1578)، وابن ماجه رقم (2416)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الفرائض، باب من قال بتوريث ذوي الأرحام (6/ 214)، وحسنه أبو زرعة الرازي، وأعله البيهقي بالاضطراب، وذلك عن المقدام بن مَعْدِ يَكْرب. وحسنه الشوكاني في النيل (6/ 406)، وصححه الألباني. انظر: سنن ابن ماجة، رقم (2416).
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (1)، والشافعية (2)، وداود وابن حزم الظاهريان (3) فذهبوا إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون شيئًا.
• دليلهم: ويستند المخالفون لمذهبهم بما يلي:
الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى ذكر في آيات المواريث نصيب أصحاب الفروض والعصبات، ولم يذكر لذوي الأرحام شيئًا، ولو كان لهم حق لبينه، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64].
الثاني: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن اللَّه أعطى لكل ذي حق حقه)(4).
• وجه الاستدلال: أن ذوي الأرحام لم يرد لهم ذكر في تقسيم اللَّه سبحانه وتعالى في الورثة.
الثالث: عن الشعبي قال: (ما ردَّ زيد بن ثابت رضي الله عنه على ذوي الأرحام شيئًا قط)(5).
الرابع: وجاء عن محمد بن مسلم الزهري أنه: (كان يورث المال دون ذوي الأرحام)(6).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع في توريث ذوي الأرحام وذلك للخلاف القوي في هذه المسألة.
(1) انظر: بداية المجتهد (2/ 406).
(2)
انظر: الحاوي الكبير (8/ 174).
(3)
انظر: المحلى (9/ 312)، بداية المجتهد (2/ 406).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
رواه: عبد الرزاق في المصنف، كتاب الولاء، باب ميراث ذي القرابة، رقم (16209).
(6)
رواه: عبد الرزاق في مصنفه أيضًا، كتاب الولاء، باب ميراث ذي القرابة، رقم (16208). وانظر: مجموع الفتاوى (31/ 539).