الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الوديعة
[20 - 1] حكم حفظ الوديعة: الجواز
• المراد بالمسألة: الوديعة: فعيلة بمعنى مفعولة، يقال: أودعت زيدًا مالًا: دفعته إليه ليكون عنده وديعة، وجمعها: ودائع، واشتقاقها من الدعة: وهي الراحة، أو أخذته منه وديعة، فيكون الفعل من الأضداد، لكن الفعل في الدفع أشهر، واستودعته مالًا: دفعته له وديعة يحفظه (1).
وفي اصطلاح الفقهاء: المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض (2).
• والمراد بالمسألة: جواز الإيداع والاستيداع، فللإنسان أن يودع من غيره، وللآخر أن يودعه، وذكر الفقهاء أن الوديعة من عقود التبرعات، وأن الأصل في ذلك الجواز والحل.
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الأمانات مؤداة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار](3). العمراني (558 هـ) قال: [إن الأمة أجمعت على جواز الإيداع](4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع](5). القرافي (684 هـ) قال: [وأجمعت الأئمة في جميع الأمصار والإعصار على
(1) المصباح المنير (ص 536)، المطلع على أبواب المقنع (ص 279).
(2)
انظر: أنيس الفقهاء (1/ 92)، التعريفات (325).
(3)
الإشراف على مذاهب أهل العلم (6/ 330)، الإجماع (ص 146).
(4)
البيان في مذهب الإمام الشافعي، 6/ 472.
(5)
المغني (9/ 256).
حسن الإيداع] (1).
ابن مفلح (884 هـ) قال: [والإجماع في كل عصر على جوازها](2) البهوتي (1051 هـ) قال: [والإجماع في كل عصر على جوازها](3). الشوكاني (1255 هـ): [الوديعة. . وهي مشروعة إجماعًا](4) المطيعي (1354 هـ): [وأما الإجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع](5) عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وأجمعوا في كل عصر على جوازها للأمر بأدائها في الكتاب والسنة](6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (7)، وابن حزم من الظاهرية (8).
قال الماوردي: (فإذا قبل الوديعة كان قبولها من العقود الجائزة له المقام عليها والرجوع فيها)(9). وقال ابن حزم: (ومن البر حفظ مال المسلم أو الذمي)(10). وقال السرخسي: (الايداع عقد جائز)(11). قال الخطيب الشربيني: (أحكام الوديعة ثلاثة: الأول: الجواز. . .)(12).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها:
الأول: قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ
(1) الذخيرة (9/ 138)، وقال في موضع آخر (9/ 138):[وهو عقد أمانة إجماعًا، لأن القبض فيه لمصلحة الدافع].
(2)
المبدع في شرح المقنع، (5/ 233).
(3)
اكشاف القناع، (4/ 141).
(4)
نيل الأوطار (5/ 296).
(5)
المجموع شرح المهذب (التكملة)(14/ 173)، وقال في موضع آخر:[اتفق الأئمة كلهم على أن الوديعة من القرب المندوب إليها]. وقال (14/ 174): [اتفقوا على أن حفظها فيه ثواب].
(6)
حاشية الروض المربع، 5/ 456.
(7)
المبسوط (11/ 108).
(8)
المحلى (8/ 276).
(9)
الحاوي الكبير، (8/ 356).
(10)
المحلى (8/ 276).
(11)
المبسوط، (11/ 108).
(12)
مغني المحتاج، (3/ 81).
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58].
والثاني: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283].
والثالث: قوله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75].
• وجه الدلالة من هذه النصوص: أنها دلت بمجموعها على أن للأمانة أصلًا في الشرع، وأن حاجة الناس داعية إليها، والودائع أمانات (1).
الرابع: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)(2).
• وجه الدلالة: أن الأمانة بين الطرفين كانت معروفة، وأقرها الشارع الحكيم، وأمر بأن يحافظ عليها.
الخامس: والعبرة تقتضيها أيضًا، فإن بالناس إليها حاجة، فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم، ويحتاجون إلى من يحفظها لهم (3).
النتيجة:
صحة الإجماع في أن حكم حفظ الوديعة الجواز (4).
(1) البيان في مذهب الإمام الشافعي (6/ 471).
(2)
رواه: أحمد، رقم (15424)، وأبو داود رقم (3536)، والترمذي رقم (1264)، وقال: حسن غريب، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب أخذ الرجل حقه ممن يمنعه إياه، رقم (10/ 270). قال الحافظ في البلوغ (1/ 183):(حسنه أبو داود، وصححه الحاكم، واستنكره أبو حاتم الرازي، وأخرجه جماعة من الحفاظ وهو شامل للعارية)، وصححه الألباني في تعليقه على سنن الترمذي، رقم (1264).
(3)
المغني (9/ 256).
(4)
انظر: نتائج الأفكار (8/ 484)، والاختيار لتعليل المختار (3/ 25)، وشرح منتهى الإرادات، البهوتي (4/ 233)، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة (ص 332).