الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: نعم. فزوجوه، فدخل عليها، وهو شاب صحيح. فلما دخل على المرأة فأصابها فأعجبها، فقالت له: أعندك خير؟ قال: نعم، هو حيث تحبين، جعله اللَّه فداءها. قالت: فانظر لا تطلقني بشيء، فإن عمر لن يكرهك على طلاقي. فلما أصبح لم يكد أن يفتح الباب حتى كادوا أن يكسروه، فلما دخلوا عليه قالوا: طلق؛ قال: الأمر إلى فلانة. قال: فقالوا لها: قولي له أن يطلقك. قالت: إني أكره أن لا يزال يدخل عليّ. فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب فأخبروه، فقال له: أتطلق امرأتك؟ قال: لا، واللَّه لا أطلقها، فقال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط (1).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه صحح نكاحه، ولم يأمره باستئنافه (2).
• القول الثاني: أن النكاح بهذه الصورة باطل، وهو قول أبي يوسف (3)، والمالكية (4)، والصحيح من المذهب عند الحنابلة (5). وسبق ذكر من قال بمنعه مطلقًا بكل صوره.
النتيجة:
أولًا: عدم تحقق الإجماع في تحريم نكاح التحليل؛ لخلاف الحنفية، والإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية عنه بأنه صحيح مع الكراهة.
ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على بطلان نكاح المحلل، إذا نوى الزوج التحليل، ولم يأمره أحد بذلك، للخلاف الوارد في ذلك.
[3 - 83] لا يقع التحليل إلا بعقد نكاح فيه وطء:
لا تحل المرأة لزوجها الأول الذي طلقها، إلا بعد أن يطأها زوجها الثاني؛ ولم
(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 209)، عن ابن جريج قال: أُخبرت عن ابن سيرين، فذكره مختصرًا، وأخرجه عبد الرزاق (10786)(6/ 267)، وسعيد بن منصور (2/ 77).
قال الإمام الشافعي: وسمعت هذا الحديث مسندًا شاذًّا، متصلًا عن ابن سيرين. انظر:"سنن البيهقي"(7/ 209).
وهذا الذي ذكر عن عمر ليس له إسناد، فلم يذكر ابن سيرين إسناده إلى عمر، كما قال الإمام أحمد. وقال أبو عبيد: هذا مرسل. انظر: "المغني"(10/ 53).
(2)
"نيل الأوطار"(6/ 254).
(3)
"بدائع الصنائع"(4/ 405)، "الاختيار"(3/ 151).
(4)
"الكافي" لابن عبد البر (ص 238)، "القوانين الفقهية"(ص 209).
(5)
"الإنصاف"(8/ 161)، "المحرر"(2/ 52).
يشترطوا في الوطء سوى التقاء الختانين، وإن لم ينزل، ونُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع:
1 -
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا أنها لا تحل له إلا بعد زوج، على ما جاء به حديث النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
2 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها، كافٍ في ذلك، من غير إنزال المني"(2).
3 -
ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وما يذكر عن ابن المسيب من عدم اشتراط الوطء، فذاك قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده"(3).
4 -
ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول"(4).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها، إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، ولا بد في ذلك النكاح من الوطء، وافق عليه الحنفية (5)، والمالكية (6)، وابن حزم (7).
وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة رضي الله عنهم، ومسروق، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبي ثور، وأبي عبيد (8).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
• وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا بد أن تنكح المرأة المطلقة زوجًا غير الذي طلقها حتى تحل له، ولا بد أن يجتمع العقد والوطء؛ لأنه لو عقد عليها دون وطء لا تحل للأول، وإن وطئها دون عقد لا تحل للأول أيضًا، قال الطبري: لإجماع الأمة جميعًا، فلا بد من العقد والوطء (9).
(1)"الإجماع"(ص 65).
(2)
"شرح مسلم"(10/ 4).
(3)
"مختصر الفتاوى المصرية"(ص 449).
(4)
"فتح الباري"(9/ 562 - 563).
(5)
"بدائع الصنائع"(4/ 407)، "الاختيار"(3/ 150).
(6)
"الاستذكار"(5/ 447)، "التفريع"(2/ 61).
(7)
"المحلى"(9/ 414).
(8)
"الإشراف"(1/ 178).
(9)
"تفسير الطبري"(2/ 475)، "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 136).
2 -
أن امرأة رفاعة (1) لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير (2)، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي أبتّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة (3) الثوب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك"(4).
• وجه الدلالة: دل الحديث على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره، فيطأها وطءًا صحيحًا.
• الخلاف في المسألة: أولًا: نقل عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير؛ أنهما قالا: يجوز أن ترجع المرأة إلى زوجها الأول إذا طلقها الثاني، وإن لم يمسها، ولا يشترط في ذلك سوى العقد (5). وهو قول الخوارج (6).
• دليل هذا القول: قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . [البقرة: 230].
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن للزوج أن يعود لزوجته إذا طلقها زوجها الثاني، وليس هناك ذكر للمسيس في هذا الموضع (7).
ثانيًا: ذهب الحسن البصري إلى القول بأن المرأة لا تحل لزوجها الأول حتى يطأها زوجها الثاني، ولا بد فيه من الإنزال (8).
(1) هو رفاعة بن سِمْوَال القرظي، من بني قريظة، وهو خال صفية أم المؤمنين، وهو الذي طلق امرأته ثلاثًا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، واسم امرأته: تميمة بنت وهب، وقيل: سهيمة. انظر ترجمته في: "الاصابة"(2/ 408)، "أسد الغابة"(2/ 283).
(2)
هو عبد الرحمن بن الزَّبير -بفتح الزاي- بن زيد الأوسي، وقيل: عبد الرحمن بن الزبير بن باطا القرظي، وهو الذي تزوج امرأة رفاعة لما طلقها ثلاثًا. انظر ترجمته في:"الإصابة"(4/ 258)، "أسد الغابة"(3/ 442).
(3)
أرادت بذلك متاعه، وأنه رخو مثل طرف الثوب، لا يُغني عنها شيئا. انظر:"النهاية في غريب الحديث"(5/ 216).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
"الإشراف"(1/ 178)، "الاستذكار"(5/ 447)، "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 136)، "شرح مسلم" للنووي (10/ 4).
(6)
"الإشراف"(1/ 179)، "فتح الباري"(9/ 563).
(7)
"الاستذكار"(5/ 447).
(8)
"الاستذكار"(5/ 447)، "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 136)، "شرح مسلم" للنووي (10/ 4).
• دليل هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك".
• وجه الدلالة: أن المرأة لا تحل للزوج إلا بذوق العسيلة، ولا يتحقق ذلك إلا بعد وطء فيه إنزال (1).
النتيجة:
أولًا: تحقق الإجماع في أن الزوجة تحل لزوجها الأول بعد أن يعقد عليها زوج آخر، ويطأها بذلك العقد؛ لأن اشتراط الحسن البصري الإنزال، لا يكون إلا بوطء.
ثانيًا: لا ينظر لخلاف سعيد بن المسيب، وابن جبير في قولهما أنه يكفي مجرد العقد، ولا يشترط الوطء؛ لما يأتي:
1 -
لعل سعيد بن المسيب، وابن جبير لم يبلغهما حديث العسيلة، أو لم يصح عندهما، فأخذا بظاهر القرآن (2).
2 -
أن هذا القول لم يقل به أحد إلا الخوارج؛ كما قال ابن المنذر (3).
3 -
أنه قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده (4).
4 -
من عقد نكاحًا على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي فسخه، ولا يعتبر فيه خلافه؛ لأنه خارج عن إجماع العلماء (5).
5 -
ما ورد عن سعيد بن جبير لم يوجد مسندًا عنه في كتاب، إنما نقله أبو جعفر النحاس (6) في "معاني القرآن"(7).
(1)"عارضة الأحوذي"(5/ 37).
(2)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137)، "الاستذكار"(5/ 447)، "فتح الباري"(9/ 562 - 563).
(3)
"الإشراف"(1/ 179)، وانظر:"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137).
(4)
"مختصر الفتاوى المصرية"(ص 449).
(5)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137).
(6)
هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس النحوي، روى عن النسائي، وأخذ النحو عن الأخفش، وابن الأنباري، ونفطويه، صنف التصانيف؛ منها:"تفسير القرآن"، و"إعراب القرآن"، و"الناسخ والمنسوخ" توفي سنة (338 هـ). انظر ترجمته في:"طبقات المفسرين"(72)، "وفيات الأعيان"(1/ 99).
(7)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137)، "سبل السلام"(3/ 248)، وانظر:"معاني القرآن" للنحاس (1/ 206).