الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومستند يوجب اجتماعها، خلافًا لطائفة شاذة" (1).
• وقال ابن تيمية: (لا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يخفى على بعض الناس، ويعلم الإجماع" (2).
•
الأدلة على وجوب أن يكون للإجماع مستند:
1 -
أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا بآكد حالًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول ولا يحكم إلا عن وحي، فالأمة أولى أن لا تقول إلا عن دليل (3).
2 -
لو جاز للمجمعين كلهم أن يحكموا من غير مستند، لجاز لكل واحد منهم، فإن الإجماع لا يكون إلا بحكم كل واحد منهم، وحين لم يجز لآحادهم، لم يجز لجماعتهم (4).
3 -
أن القول في الدين من غير دلالة ولا أمارة خطأ، فلو اتفقوا على الحكم من غير مستند، كانوا مجمعين على خطأ، وهذا محال (5).
4 -
أن أهل الإجماع ليس لهم الاستقلال بإثبات الأحكام، وإنما يثبتونها بالنظر إلى مآخذها وأدلتها، ولو قالوا بالحكم من غير مستند، لاقتضى ذلك أن يثبتوا شرعًا مستأنفًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو باطل (6).
الشرط الثاني: أن يكون المجمعون من أهل الاجتهاد: المعتبر قوله في الإجماع من كان من أهل الاجتهاد، ولا يشترط أن يكون مجتهدًا مطلقًا، بل يكفي أن يكون له أثر في ذلك العلم (7).
• يقول الرازي (8): (المعتبر بالإجماع في كل فن: أهل الاجتهاد في ذلك الفن،
(1)"الإحكام"(1/ 322).
(2)
"مجموع الفتاوى"(19/ 195).
(3)
كشف الأسرار" (3/ 388)، و"بذل النظر" (ص 563).
(4)
"الإحكام" للآمدي (1/ 323)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 259).
(5)
"الإحكام" للآمدي (1/ 323)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 259).
(6)
"كشف الأسرار"(3/ 388)، و"البحر المحيط"(4/ 459).
(7)
انظر في اعتبار هذا الشرط: "كشف الأسرار"(3/ 351)، و"أصول السرخسي"(1/ 311)، و"شرح العضد"(2/ 33)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 341)، و"البحر المحيط"(4/ 461)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 284)، و"العدة"(4/ 1136)، و"روضة الناظر"(ص 131).
(8)
هو فخر الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عمر بن الحسين الرازي، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة =
وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره" (1). وقال ابن قدامة: (ولا اختلاف في اعتبار علماء العصر من أهل الاجتهاد في الإجماع"(2). وقال أيضًا: (ومن لا يعرف من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم -كأهل الكلام واللغة والنحو ودقائق الحساب- فهو كالعامي لا يعتد بخلافه" (3).
الشرط الثالث: أن يصدر الإجماع من جميع مجتهدي العصر: معنى هذا الشرط: أنه إذا خالف الإجماعَ واحدٌ أو اثنان من علماء ذلك العصر الذي وقع فيه حكم الحادثة؛ فهل يعد خلافه خرقًا للإجماع؟ خلاف على قولين:
القول الأول: ذهب الجمهور إلى أن الأقل إن خالف فإن قول الباقين لا يعد إجماعًا (4).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن العصمة إنما ثبتت للأمة بكليتها، وإذا قال الأكثر بقول وخالفهم الواحد أو الاثنان فليس بقول الجميع، بل هو مختلف فيه (5).
2 -
أن الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا على تجويز مخالفة الآحاد منهم؛ فانفرد ابن مسعود بخمس في الفرائض، وابن عباس بمثلها، فسوغوا لهما الخلاف، ولو كان العبرة في الإجماع بقول الأكثر لما ساغ خلافهم (6).
القول الثاني: أن العبرة في الإجماع هو قول الأكثر، في رواية عن الإمام أحمد (7)، وهو قول محمد بن جرير الطبري (8)، والجصاص من الحنفية (9)، وابن خويز
= في العلوم الشرعية، وصنّف في فنون كثيرة؛ في علم الكلام، والفقه، والأصول والتفسير، وندم على دخوله في علم الكلام، توفي سنة (606 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 283)، و"طبقات ابن قاضي شهبة"(1/ 396).
(1)
"المحصول"(2/ 281).
(2)
"روضة الناظر"(ص 131).
(3)
"روضة الناظر"(ص 132).
(4)
"مسلم الثبوت"(2/ 222)، و"تيسير التحرير"(3/ 236)، و"أحكام الفصول"(1/ 467)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 336)، و"البحر المحيط"(4/ 476)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 294)، و"روضة الناظر"(ص 136)، و"العدة"(4/ 1117).
(5)
"بذل النظر"(ص 540)، و"روضة الناظر"(ص 136)، و"قواطع الأدلة"(3/ 309).
(6)
"الإحكام" للآمدي (1/ 294)، و"روضة الناظر"(ص 136).
(7)
"الواضح في أصول الفقه"(5/ 135)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 53).
(8)
"الإحكام" للآمدي (1/ 294)، و"روضة الناظر"(ص 136).
(9)
"الفصول في الأصول" للجصاص (3/ 296)، و"أصول السرخسي"(1/ 316).
منداد (1) من المالكية (2)، وأبي الحسين الخياط (3) من المعتزلة (4).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن مخالفة الواحد شذوذ، وقد ورد النهي عن الشذوذ (5) بقوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بالسواد الأعظم"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"يد اللَّه مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار"(6).
2 -
أن لفظ "المؤمنين"، و"الأمة"، الواردين في الأحاديث الدالة على عصمة الأُمة يراد بهما ما يصدق عليه الأكثر منهم، كما يقال: بنو تميم يحمون الجار، ويكرمون الضيف، والمراد به أكثرهم لا كلهم (7).
3 -
أن الأمة اعتمدت الإجماع على خلافة أبي بكر رضي الله عنه لمّا اتفق عليه الأكثرون، وإن خالف في ذلك آحاد من الصحابة على خلافته (8).
• الترجيح: يترجح لدي القول بأن خلاف الواحد أو الاثنين يعد خرقًا للإجماع، لما ثبت من خلاف أحد الصحابة لقول عامتهم، واعتبار خلافه من قِبَلِهم.
• ويجب التنبيه إلى أن قول الأكثر أولى بالإتباع إذا انتفى الإجماع في حكم المسألة؛ وذلك إذا لم يظهر الحق مع الأقل.
الشرط الرابع: اعتبار انقراض العصر في تحقق الإجماع: إذا أجمع المجتهدون على حكم مسألة، فهل يشترط أن يبقى رأيهم واحدًا لا يختلف ما دام القائل بهذا القول حيًّا، وإذا رجع عن قوله، فهل رجوعه خرق للإجماع؟ خلاف على أقوال، أذكر منها
(1) هو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عبد اللَّه بن خويز منداد، أخذ عن الأبهري، وله اختيارات خالف فيها الإمام مالكًا كثيرا، قالوا عنه: لم يكن جيد النظر، ولا قوي الفقه، وليس له في علماء المالكية بالعراق ذكر، لم يذكر من ترجم له تاريخ وفاته. انظر في ترجمته:"ترتيب المدارك"(4/ 585)، و"شجرة النور الزكية"(1/ 154).
(2)
"أحكام الفصول"(1/ 467).
(3)
هو أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط، رأس فرقة الخياطية من المعتزلة، إليه ينسبون، له كتاب:"الانتصار" في الرد على ابن الراوندي، توفي سنة (300)، وقيل:(290 هـ). انظر في ترجمته: "تاريخ بغداد"(11/ 87)، و"الفرق بين الفِرق"(ص 136).
(4)
"الإحكام" للآمدي (1/ 294)، و"المعتمد"(2/ 486).
(5)
"روضة الناظر"(ص 136).
(6)
سبق تخريج هذين الحديثين.
(7)
"الإحكام" للآمدي (1/ 296)، و"الإبهاج"(2/ 388).
(8)
"الإحكام" للآمدي (1/ 296).
ثلاثة لأهميتها:
القول الأول: لا يشترط انقراض عصر المجمعين في تحقق الإجماع؛ فلو وقع الإجماع ولو لحظة واحدة فقد تحقق. وهو قول الحنفية (1)، والمالكية (2)، والأصح عند الإمام الشافعي، وقول كثير من الشافعية (3)، والإمام أحمد في رواية عنه (4).
• أدلة هذا القول:
1 -
أنه لا يجوز رجوع المجتهد فيما أجمع عليه، فيكون قوله حجة عليه، كما لا يصح أن يخالف النص (5).
2 -
أن الحكم الثابت بالإجماع كالحكم الثابت بالنص، وكما أن الحكم الثابت بالنص لا يختص بوقت دون وقت، فكذلك الحكم الثابت بالإجماع (6).
3 -
لو شرط انقراض العصر لم يتصور وقوع إجماع أبدًا؛ فإن بعض التابعين قد زاحم الصحابة في الفتوى، وهكذا بعض تابعي التابعين زاحم بعض التابعين، فالقول به يؤدي إلى سد باب الإجماع، وهذا باطل (7).
القول الثاني: أنه يشترط انقراض العصر، فإذا أجمع المجتهدون على حكم واقعة، ثم رجع أحدهم عن قوله فقد انحل الإجماع، وهو أحد قولي الإمام الشافعي (8)، وقول الإمام أحمد في رواية عنه (9)، وأبي بكر بن فورك (10)(11).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى الأمة
(1)"أصول السرخسي"(1/ 315).
(2)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 330)، و"أحكام الفصول"(1/ 473).
(3)
"الإحكام" للآمدي (1/ 316)، و"البحر المحيط"(4/ 519).
(4)
"التمهيد"(3/ 346)، و"المسودة"(ص 329).
(5)
"العدة"(4/ 1098) و"أصول السرخسي"(1/ 315).
(6)
"أصول السرخسي"(1/ 315).
(7)
"أصول السرخسي"(1/ 315)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 318).
(8)
"الإحكام" للآمدي (1/ 317).
(9)
"العدة"(4/ 1095)، و"التمهيد"(3/ 346).
(10)
"الإحكام" للآمدي (1/ 317).
(11)
هو أبو بكر محمد بن الحسن بن فُورَك -بضم الفاء، وفتح الراء- الأصبهاني، المتكلم، الأصولي، الفقيه، الواعظ، أقام في العراق مدة يدرِّس، ثم انتقل إلى نيسابور، وبنى له فيها مدرسة، مات مسمومًا سنة (406 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 424)، و"طبقات ابن قاضي شهبة"(1/ 194).
شهداء على غيرهم من الأمم، ولم يجعلهم شهداء على أنفسهم، فيجوز الرجوع عن القول إذا اعتقد الصواب في غيره (1).
2 -
عن السائب بن يزيد (2) رضي الله عنه قال: كنا نُؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (3).
• وجلد عليٌّ في خلافة عثمان أربعين فقال: جلد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكُلٌّ سُنّة، وهذا أحب إليّ (4).
3 -
ما ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: اتفق رأيي ورأي عمر على ألا تباع أمهات الأولاد، والآن قد رأيت بيعهن (5).
• وجه الدلالة من الأثرين: أن عليًّا قد أظهر الخلاف بعد الوفاق؛ فقد خالف في حد الخمر، وفي بيع أمهات الأولاد، ولو كان الخلاف غير جائز لكونه مسبوقًا بالإجماع، لما خالف علي رضي الله عنه (6).
القول الثالث: أن انقراض العصر شرط في الإجماع السكوتي دون غيره (7)، وهو اختيار الآمدي (8).
• دليل هذا القول: أن الساكت عن موافقة المجتهد في قوله قد يكون عن عدم
(1)"العدة"(4/ 1098)، و"التمهيد"(3/ 346).
(2)
هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الأزدي، له ولأبيه صحبة، حج أبوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، مرض فمسح النبي صلى الله عليه وسلم-على رأسه فما شاب رأسه حتى مات، استعمله عمر على سوق المدينة، آخر من مات من الصحابة بالمدينة سنة (82) وقيل: سنة (90 هـ). انظر في ترجمته: "أسد الغابة"(2/ 401)، و"الإصابة"(3/ 22).
(3)
أخرجه البخاري (6779)(8/ 18)، ومسلم (1706)"شرح النووي"(11/ 178).
(4)
أخرجه مسلم (1707)"شرح النووي"(11/ 178).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(13224)(7/ 291)، وابن أبي شيبة (5/ 184). قال ابن حجر: وهذا إسناد معدود في أصح الأسانيد. انظر: "التلخيص الحبير"(4/ 219).
(6)
"الإحكام" للآمدي (1/ 319)، و"العدة"(4/ 1095).
(7)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 332)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 317)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 246).
(8)
"الإحكام"(1/ 317).
دليل، فإذا وجد الدليل، فإنه يسوغ له الخلاف؛ لمعرفته بالدليل الذي كان قد خفي عليه (1).
الشرط الخامس: عدالة المجمعين: العدالة (2) في المجتهد شرط في قبول قوله في الإجماع، والفسق ضد العدل، وهو على قسمين (3):
الأول: فسق بسبب الاعتقاد: كالرافضي، والخارجي، ونحوهم.
الثاني: فسق بسبب الفعل: كالزاني، والسارق، وشارب الخمر، ونحوهم.
• قبل معرفة خلاف الفقهاء في خلاف الفاسق لا بد من بيان أن المجتهد إذا كان صاحب بدعة؛ فإن كُفِّر ببدعته، فلا يعتبر خلافه، سواء علم هو بكفر نفسه أم لم يعلم (4). قال الآمدي: بلا خلاف (5).
• أما الفاسق الذي لم يكفر بفسقه، فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يُعدّ خلاف الفاسق بالاعتقاد أو بالفعل مؤثرًا في الإجماع فلا يعتد بخلافه. وهو قول أكثر العلماء، فقد قال به الحنفية (6)، والمالكية (7)، وبعض الشافعية (8)، والحنابلة (9).
(1)"الإحكام" للآمدي (1/ 319).
(2)
العدالة في اللغة: العدل ضد الجور، وهو ما قام في النفس أنه مستقيم، ورجل عدل: بيّن العدالة والعدل. والعدل: الذي لم تظهر منه ريبة.
• وفي الاصطلاح: قيل هي: ملكة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة. وقيل: من تكون حسناته غالبة على سيئاته، وهو ذو المروءة غير المتهم.
انظر: "لسان العرب"(11/ 430)، و"معين الحكام"(ص 82)، و"مسلم الثبوت"(2/ 123).
(3)
"شرح الكوكب المنير"(2/ 228)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 42).
(4)
"أصول السرخسي"(1/ 310)، و"كشف الأسرار"(3/ 353)، و"بيان المختصر"(1/ 549)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 335)، و"البرهان"(1/ 442)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 288)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 42)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 227).
(5)
"الإحكام"(1/ 288).
(6)
"أصول السرخسي"(1/ 311)، و"كشف الأسرار"(3/ 353).
(7)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 336)، و"بيان المختصر"(1/ 549).
(8)
"البرهان"(1/ 442)، و"التلخيص"(3/ 48).
(9)
"العدة"(4/ 1139)، و"التمهيد"(3/ 252).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
• وجه الدلالة: أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نتثبت ونتبين في خبر الفاسق؛ لأن من أقدم على فعل المفسقات لا يؤمن من الكذب (1).
2 -
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
• وجه الدلالة: الوسط في اللغة: العدل، فلمّا لم يكن أهل الفسق والضلال بهذه الصفة، لم يجز أن يكونوا من الشهداء على الناس، فلا يعتد بهم في الإجماع (2).
3 -
قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
• وجه الدلالة: لمّا كان سبيل الفاسق غير سبيل المؤمنين، لم يجز أن يكون سبيلهم مأمورًا باتباعه (3).
4 -
أن الفاسق لا تقبل روايته ولا شهادته، فرجب ألا يقبل قوله في الإجماع (4).
5 -
أن الفاسق يجوز عليه أن يعصي فيما يعتد به من الإجماع كما يجوز أن يعصي في غيره، فلا يعتد بخلافه (5).
القول الثاني: الاعتداد بخلاف الفاسق، وأن الإجماع لا ينعقد بدونه، وهو اختيار ابن الحاجب من المالكية (6)، والشيرازي (7)، والجويني (8)، والغزالي (9)، وابن السبكي (10)، والآمدي (11)، من الشافعية، وأبي الخطاب (12) من الحنابلة (13).
(1)"التمهيد"(3/ 254).
(2)
"العدة"(4/ 1149).
(3)
"العدة"(4/ 1149).
(4)
"الإبهاج"(2/ 387)، و"الوصول إلى الأصول" لابن برهان (2/ 87).
(5)
"العدة"(4/ 1140)، و"الوصول إلى الأصول"(2/ 87).
(6)
"بيان المختصر"(1/ 549)، و"شرح العضد"(2/ 33).
(7)
"اللمع"(ص 91).
(8)
"البرهان"(1/ 442).
(9)
"المستصفى"(2/ 332).
(10)
"الإبهاج"(2/ 386).
(11)
"الإحكام"(1/ 287).
(12)
هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، نسبة إلى إحدى قرى بغداد، أخذ عن القاضي أبي يعلى وطبقته، صار إمام وقته، وفريد عصره، ودرّس وأفتى، وقصده الطلبة، صنّف في الأصول والفروع، وانتفع بها خلائق، توفي سنة (510 هـ). انظر في ترجمته:"المنهج الأحمد"(2/ 89)، و"المقصد الأرشد"(3/ 29).
(13)
"التمهيد"(3/ 253).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن المجتهد الفاسق من أهل الحل والعقد، وهو داخل في مفهوم لفظ "المؤمنين" في قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، وفي لفظ "الأمة" في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تجتمع أمتي على ضلالة"(1)، المشهود لهم بالعصمة (2).
2 -
أن فسق الفاسق غير مخل بأهليته في الاجتهاد، والظاهر من حاله الصدق فيما يخبر به عن اجتهاده، كإخبار غيره من المجتهدين (3).
القول الثالث: أنه إذا أظهر خلافه يُسأل عن دليله، فإن كان صالحًا اعتبر خلافه، وإن كان دليله غير صالح فلا يعتبر خلافه، وينعقد الإجماع بدونه. وهذا اختيار السمعاني (4) من الشافعية (5).
• دليل هذا القول: قد يحمل الفسقُ صاحبَه على اعتقاد شرع من غير دليل، فإذا أظهر من استدلاله ما يصلح أن يكون دليلًا فإن الإجماع لا ينعقد بدونه ولو كان فاسقًا، فإن كان دليله غير صالح للاستدلال فلا يعتبر خلافه، ولا ينخرم الإجماع بخلافه (6).
• الترجيح:
1 -
يجب التفريق بين من كان فسقه بسبب بدعته، كالخارجي، والرافضي، فهؤلاء لا يعتد بخلافهم مع أهل السنة والجماعة.
2 -
أما من كان فسقه بسبب معصية لا توصله لدرجة الابتداع، فهذا من الأمة، ومن المؤمنين الذين جاءت بذكرهم النصوص، فيجب أن يعتبر قوله، فإن كان موافقًا تحقق بقوله الإجماع، وإن خالف فلا ينعقد الإجماع بدونه.
* * *
(1) سبق تخريجه.
(2)
"الإحكام" للآمدي (1/ 287)، و"الإبهاج"(2/ 386).
(3)
"الإحكام" للآمدي (1/ 287).
(4)
هو أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي الشافعي، المشهور بالسمعاني، كان فقيهًا، أصوليًّا، صنّف التصانيف؛ منها:"قواطع الأدلة" في الأصول، والأوسط، و"البرهان" في الفروع، توفي سنة (489 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الشافعية" للسبكي (3/ 278)، و"طبقات ابن قاضي شهبة"(1/ 249).
(5)
"قواطع الأدلة"(1/ 482).
(6)
"قواطع الأدلة"(1/ 482)، و"تيسير التحرير"(3/ 239)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 228).