الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبي حولين قمريين من حين ولادته، . . . فهو ابنها" (1).
• الموافقون على الاتفاق: سبق ذكر الخلاف في عدد الرضعات المحرِّمة في المسألة السابقة، وكأن ابن حزم نظر إلى أعظم الأقوال في تحديد الرضعات المحرِّمة، فإن من يقول: إن قليل الرضاع يحرِّم، ومن يقول: ثلاث، ومن يقول: خمس، ومن يقول: سبع، من باب أولى أن يقول: إن العشر رضعات تحرِّم.
• مستند الاتفاق:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها: أن سهلة بنت سهيل أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن سالمًا كان منا حيث علمت، كنا نعده ولدًا، وكان يدخل عليّ، فلما أنزل اللَّه عز وجل فيه وفي أشباهه أنكرت وجه أبي حذيفة، إذا رآه يدخل عليّ قال:"فأرضعيه عشر رضعات، ثم ليدخل عليك، كيف شاء، فإنما هو ابنك"(2).
2 -
أن عائشة رضي الله عنها أرسلت بسالم بن عبد اللَّه بن عمر إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر (3)، وهي ترضع، فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليّ، قال سالم: فأرضعتني ثلاث رضعات؛ ثم مرضت أم كلثوم، فلم ترضعني، فلم أكن أدخل على عائشة أم المؤمنين من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشرًا من الرضعات (4).
النتيجة:
ما ذكره ابن حزم من الاتفاق على أن عشر رضعات يقع بها التحريم صحيح؛ لأن من يقول: إن كثير الرضاع وقليله يحرِّم، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، من باب أولى أن يقول: إن العشر رضعات تحرِّم.
[9 - 429] كل ما وصل إلى جوف الطفل من الرِّضاع يثبت به التحريم:
ما يصل إلى جوف الطفل وقت الرضاع سواء كان بمصٍّ عن طريق الفم، أو كان من سعوط، أو وجور (5) فيقع به التحريم، ونُقل الإجماع على ذلك.
(1)"مراتب الإجماع"(ص 121).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وأمها حبيبة بنت خارجة، وليس لها صحبة؛ لأنها ولدت بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، روت عن عائشة، وروى عنها جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه. انظر ترجمتها في:"الإصابة"(8/ 466)، "أسد الغابة"(7/ 373).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (ص 470)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 457).
(5)
السُّعوطَ بالضم -النشوق بالأنف، والسَّعوط -بالفتح- اسم لما يؤخذ عن طريق الأنف من دواء، أو لبن لطفل رضيع، ونحو ذلك. =
• من نقل الإجماع:
1 -
الجوهري (350 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الصبي إذا وجد لبن امرأة فشربه؛ حرُمت على ذلك الصبي أن يتزوجها" (1).
2 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة، وإن لم يمصه من ثديها"(2)، وذكر نحوه في التمهيد (3).
3 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يتعلق التحريم بالسعوط، والوجور"(4). ونقله عنه ابن قاسم (5).
4 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أنه إذا حلب لبنها في حال حياتها في إناء، فأوجر به الصبي بعد موتها، أنه يثبت به الحرمة"(6).
5 -
ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "والوجور، والسعوط تثبت به الحرمة، اتفاقًا"(7).
6 -
ابن نجيم (970 هـ) فذكره كما قال ابن الهمام (8).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن التحريم في الرضاع يثبت بما وصل إلى جوف الصبي؛ وإن لم يمصه من الثدي، وافق عليه الشافعية (9). وهو قول الشعبي، والثوري، وأبي ثور (10).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
• وجه الدلالة: هذا يتناول اسم الرضاعة ومعناها، فإنها قد تكون بالمص بالفم، وقد تكون بالسعوط، وبالوجور (11).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعندي رجل قاعد، فاشتد
= انظر: "لسان العرب"(7/ 314)، "الصحاح"(3/ 368).
والوجور: أن توجِر ماءً أو دواءً في وسط حلق الصبي عن طريق فمه، بغير اختياره.
انظر: "لسان العرب"(5/ 279)، "الصحاح"(2/ 585)، "النهاية"(2/ 332).
(1)
"نوادر الفقهاء"(ص 81).
(2)
"الاستذكار"(6/ 255).
(3)
"التمهيد"(8/ 257).
(4)
"الإفصاح"(2/ 148).
(5)
"حاشية الروض المربع"(7/ 96).
(6)
"بدائع الصنائع"(5/ 92).
(7)
"فتح القدير"(3/ 456).
(8)
"البحر الرائق"(3/ 246).
(9)
"الحاوي"(14/ 431)، "البيان"(11/ 149).
(10)
"الإشراف"(1/ 95)، "المحلى"(10/ 186).
(11)
"الحاوي"(14/ 431).
ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إنه أخي من الرَّضاعة قالت: فقال: "انظرن من إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة"(1).
• وجه الدلالة: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرضاعة المحرِّمة ما استعمل لطرد الجوع، ويستوي في ذلك ما أخذه الطفل عن طريق الثدي، أو سعوطًا، أو وجورًا (2).
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (3)، وابن حزم (4)، إلى أن التحريم ما كان بالمصِّ عن طريق الثدي فقط، وما كان من سعوط أو وجور فلا يحرِّم، وإن وصل إلى الجوف، وبالغ ابن حزم فقال: ولو كان ذلك غذاءه دهره كله. وهو قول الليث بن سعد، وداود، وعطاء الخراساني (5).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"(6).
• وجه الدلالة: لم يحرِّم اللَّه سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع، والرضاعة، ولا يسمى الإرضاع إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع، وما عدا ذلك فلا يسمى إرضاعًا (7).
النتيجة:
أولًا: تحقق الإجماع على أن التحريم يقع بما يمصه الصبي بفمه من الثدي مباشرة.
ثانيًا: يبقى الخلاف في مقدار الرضعات التي يقع بها التحريم: هل هي كل ما يطلق عليه اسم الرّضاع، أم أنه يكون بثلاث، أم بخمس، أم بسبع، أم بعشر؛ فيكون التحريم بالسعوط والوجور على قدر اختلاف الفقهاء فيما يحرم من عدد الرضعات.
(1) أخرجه البخاري (5102)(6/ 153)، ومسلم (2455)"شرح النووي"(10/ 30).
(2)
"البيان"(11/ 149)، "المحلى"(10/ 187).
(3)
"الإنصاف"(9/ 336)، "الفروع"(9/ 281).
(4)
"المحلى"(10/ 185).
(5)
"الإشراف"(1/ 96)، "المحلى"(10/ 186)، "الحاوي"(14/ 431).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
"المحلى"(10/ 185).