الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: ألفاظ الإجماع
• للإجماع ألفاظ عدة، عبر العلماء بها للدلالة عليه، ويمكن ترتيب هذه الألفاظ حسب قوتها من حيث الدلالة على الإجماع إلى أقسام (1):
القسم الأول: ما كان صريحًا في حكاية الإجماع من مادة الفعل "أجمع"(2) وما تصرف منه، مثل: أجمع العلماء، أجمعوا، إجماع، الإجماع، بالإجماع، أجمعت الأمة، أجمع أهل العلم، أجمع المسلمون، بإجماع بين أهل العلم، إجماعهم، مجمع عليه، مجمعون عليه.
• فهذه العبارات تدل صراحة على الإجماع، ما لم تأتِ قرينة تصرفه من الإجماع العام إلى الإجماع الخاص بمذهب، أو ببلد، أو إجماع أشخاص معينين؛ كأن يقال: إجماع أهل المدينة، أو إجماع أهل الكوفة، أو أجمع الخلفاء الأربعة، أو أجمع علماء مذهب ما.
القسم الثاني: التعبير بلفظ الاتفاق، وما تصرف منه من الألفاظ، مثل: اتفق العلماء، اتفق أهل العلم، اتفقوا، بالاتفاق، متفق عليه، باتفاق بين العلماء، باتفاقهم، ونحو ذلك.
القسم الثالث: التعبير بنفي الخلاف، وهذا التعبير يأتي في المرتبة الثالثة بعد عبارة الإجماع، والاتفاق، مثل: لم أجد فيه خلافًا، من دون خلاف بينهم، لم يسمع في ذلك خلاف، لم يقل عن أحد خلاف في ذلك، ونحو ذلك من الألفاظ.
القسم الرابع: التعبير بنفي النزاع، ومن ألفاظه: لا نزاع فيه، لم أجد فيه نزاعًا، لم ينازع فيه أحد، من دون منازع. والتعبير بهذه الألفاظ قليل جدًّا، ومع ذلك إن وجدت شيئًا منه فإنني أذكره.
• ومن خلال جمع مسائل هذه الرسالة اتضح لي ما يلي:
أولًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الإجماع تارة، وبلفظ الاتفاق في المسألة نفسها تارة أخرى.
(1) انظر: "إجماعات ابن عبد البر في العبادات" للبوصي (1/ 46)، وما بعدها.
(2)
قال ابن منظور: "أجمع من الألفاظ الدالة على الإحاطة". انظر: "لسان العرب"(8/ 69).
ثانيًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الإجماع تارة، وبنفي الخلاف تارة أخرى في المسألة ذاتها.
ثالثًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الاتفاق تارة، وبنفي الخلاف تارة أخرى في المسألة بعينها.
رابعًا: أن من العلماء من حكى في بعض المسائل إجماع العلماء نقلًا عن عالم سبقه، وعند الرجوع إلى ما ذكره ذلك العالم المنقول عنه، يتبين أن ذلك العالم حكى الاتفاق أو نفى الخلاف.
• وفي هذا دليل على أن هناك من العلماء من لم يفرق بين هذه الألفاظ في الدلالة على الإجماع.
• وهذه أمثلة على ذلك:
1 -
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن للزوجة نفقتها، وكسوتها بالمعروف)(1). وقال أيضًا: (وقد اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات إذا كانوا جميعًا بالغين، إلا الناشز منهن الممتنعة، فنفقة الزوجة ثابتة في الكتاب والسنة والاتفاق" (2).
2 -
ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في حال الحيض، فإجماع متيقن مقطوع به، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه" (3). وقال في مراتب الإجماع: (واتفقوا على أن الحائض لا تصلي، ولا تصوم، أيام حيضها، ولا يطؤها زوجها" (4).
• وقال أيضًا: (اتفقوا أن نكاح أكثر من أربع زوجات لا يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم" (5). وقال أيضًا: (لم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام" (6).
3 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع هؤلاء الفقهاء أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنى بها إذا استبرأها" (7). وقال أيضًا: (وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم
(1)"الإشراف"(1/ 121).
(2)
"الإشراف"(1/ 119).
(3)
"المحلى"(1/ 389).
(4)
"مراتب الإجماع"(ص 45).
(5)
"مراتب الإجماع"(ص 115).
(6)
"المحلى"(9/ 7).
(7)
"الاستذكار"(5/ 464).
على أنه لو زنى بها جاز له أن يتزوجها" (1). وقال أيضًا: (وأجمع العلماء على أنه إذا طلقها في طهر مسها فيه، لم يجبر على رجعتها"(2).
• وقال أيضًا: (لم يختلف العلماء كلهم أن الرجل إذا طلق في طهر قد مس فيه، أنه لا يجبر على الرجعة" (3). وقال أيضًا: (لم يختلفوا أنها إذا انقضت عدتها لم يجبر على رجعتها" (4).
4 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: (فإن نكاح الأمة في حال طول الحرة في حق العبد جائز بالإجماع" (5). وقال أيضًا: (ولا خلاف في أن طول الحرة لا يمنع العبد من نكاح الأمة" (6).
5 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثًا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (7). ثم أخذ يذكر الأدلة من السنة على ذلك، ثم قال:"وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه"(8). وقال أيضًا في وجوب العدة والصداق بمجرد الخلوة بالمرأة المعقود عليها: (عن عمر، وعلي، وعن سعيد بن المسيب، وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملًا، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعًا" (9). والتعبير بالإجماع عن الصحابة عند عدم العلم بالمخالف منهم كثير عند ابن قدامة وغيره.
6 -
القرطبي (671 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون أن من لم يخف القسط في اليتامى، له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنتين أو ثلاثا، أو أربعًا" (10). وقال أيضًا: (وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعًا وإن خاف ألا يعدل" (11).
• وقال أيضًا: (ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز نكاح مجوسية، ولا وثنية" (12). وقال أيضًا: (وأما المجوس: فالعلماء مجمعون على أن ذبائحهم لا تؤكل، ولا يتزوج منهم" (13).
(1)"الاستذكار"(5/ 473).
(2)
"التمهيد"(15/ 69).
(3)
"التمهيد"(15/ 69).
(4)
الاستذكار (6/ 144).
(5)
"بدائع الصنائع"(3/ 459).
(6)
"بدائع الصنائع"(3/ 449).
(7)
"المغني"(10/ 584).
(8)
"المغني"(10/ 584).
(9)
"المغني"(10/ 154).
(10)
"الجامع لأحكام القرآن"(5/ 13).
(11)
"الجامع لأحكام القرآن"(5/ 121).
(12)
"الجامع لأحكام القرآن"(5/ 123).
(13)
"الجامع لأحكام القرآن"(6/ 44).
7 -
القرافي (684 هـ) حيث قال: (قال ابن حزم في كتاب الإجماع: وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز عتق غير بني آدم من الحيوان" (1). بينما قال ابن حزم: (واتفقوا أن عتق حيوان غير بني آدم لا يجوز" (2).
8 -
ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فإن طلقها وهي حائض، أو وطئها وطلقها بعد الوطء قبل أن يتبين حملها، فهذا طلاق محرّم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين" (3). وقال في موضع آخر: (إذا طلقها في الحيض ولم تكن سألته الطلاق، فإن هذا الطلاق حرام باتفاق المسلمين" (4).
9 -
العيني (855 هـ) حيث قال: (حرمة الجمع بين الأختين، بلا خلاف" (5). وقال أيضًا: (ثبتت الحرمة في الجمع نصًّا وإجماعًا" (6).
10 -
ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم: لا نعلم خلافًا في وجوب دخول المرفقين في الوضوء، وهذا منه حكاية للإجماع" (7).
11 -
ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (قال ابن المنذر: نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة، والإجماع" (8). بينما قال ابن المنذر: (نفقة الزوجة واجبة بالكتاب، والسنة، والاتفاق" (9).
على أن من العلماء من فرّق بين لفظ "الإجماع"، ولفظ "الاتفاق"، فعبر بلفظ "الإجماع" عن اتفاق أهل العلم في شتى المذاهب، وبلفظ "الاتفاق" عن اتفاق علماء المذهب خاصة.
• ومن العلماء من لم يرَ أن نفي الخلاف يدل على الإجماع، ومن هؤلاء العلماء:
أولًا: من فرّق بين لفظ الإجماع، ولفظ الاتفاق:
1 -
العيني (855 هـ) حيث قال: (فيه نظر؛ لأنهم قالوا بالاتفاق دون الإجماع، فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق والإجماع" (10).
(1)"الذخيرة"(11/ 81).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 261).
(3)
"مجموع الفتاوى"(33/ 72).
(4)
"مجموع الفتاوى"(32/ 89).
(5)
"عمدة القاري"(20/ 95).
(6)
"البناية شرح الهداية"(4/ 511).
(7)
"البحر الرائق"(1/ 13).
(8)
"حاشية الروض المربع"(7/ 121).
(9)
"الإشراف"(1/ 124).
(10)
"عمدة القاري"(3/ 85). لكن هناك من الحنفية من عبر بلفظ الإجماع ويريد به علماء المذهب خاصة =