الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور (1)، من الاتفاق على أن العدة على النساء تجب بواحد من الأسباب التالية: من طلاق، أو وفاة، أو عتق، وافق عليه والحنابلة (2)، والظاهرية (3).
• مستند الاتفاق:
1 -
قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
2 -
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدًا أسود، يسمى "مغيثًا"، فخيرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فاختارت نفسها، وأمرها أن تعتد (4).
4 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أُمِرَتْ بريرة أن تعتد بثلاث حيض"(5). وذلك لما أعتقت فأصبحت حرة. • وجه الدلالة: من هذه النصوص: دلت هذه النصوص على أن العدة تكون من طلاق، أو وفاة، أو عتق.
النتيجة:
صحة ما ذكر من الاتفاق على أن العدة تجب بالطلاق، أو الوفاة، أو العتق؛ ولا مخالف في ذلك.
[3 - 356] تبتدئ العدة من ساعة وقوع الطلاق، أو الوفاة:
إذا طلق الرجل امرأته، أو توفي عنها، فتلزمها العدة من ساعة وقوع الطلاق، أو الوفاة، ونُقل الإجماع على ذلك.
(1) ذكر الإمام الشافعي، والجصاص من الحنفية، أن العدة تكون من طلاق أو وفاة، وزاد ابن رشد: الأمَة إذا اختارت نفسها إذا عُتِقَت، وهذا صحيح، ولا يعني أن الإمام الشافعي والجصاص لما لم يذكرا إلا سببين من أسباب العدة أنهما لا يريان أن العدة تكون بالعتق أيضًا، بل يريان ذلك، أن الأمة إذا عُتقت أنها تعتد، على خلاف بين الفقهاء هل تعتد عدة حرة، أو عدة أمَة؟ انظر:"بدائع الصنائع"(4/ 415)، "الاختيار"(3/ 172)، "الأم"(5/ 313)، "الحاوي"(14/ 187)، "العزيز شرح الوجيز"(9/ 423).
(2)
"الإنصاف"(9/ 270)(282)، "كشاف القناع"(5/ 411)، (419).
(3)
"المحلى"(10/ 26).
(4)
أخرجه أبو داود (2232)(2/ 270)، وصححه الألباني، انظر:"صحيح أبي داود"(2/ 421).
(5)
سبق تخريجه قريبًا.
• من نقل الإجماع:
1 -
الجصاص (370 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن عدة المطلقة من يوم طلقت، ولم يعتبروا وقت بلوغ الخبر، كذلك عدة الوفاة؛ لأنهما جميعًا سببًا وجوب العدة"(1).
2 -
ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن المعتدة بالقروء، أو الشهور، أو بالأربعة أشهر وعشر فأقل من الوفاة، أنها إن ابتدأت ذلك كله من حين صحة طلاق زوجها لها عندها، ومن حين صحة وفاة زوجها عندها، فقد انقضت عدتها"(2).
وقال أيضًا: "واتفقوا أن كل من ذكرنا من المعتدات، إن ابتدأت عدتها من حين بلوغ خبر الطلاق إليها على صحة؛ أو حين بلوغ الخبر بالوفاة إليها على صحة، حتى تتم الآجال التي ذكرنا، فقد اعتدت"(3).
3 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا في كل امرأة علمت بطلاق زوجها لها من حين طلقها، أن السنة أن تبتدئ عدتها من ساعة وقوع طلاقها"(4). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن كل معتدة من طلاق، أو وفاة، تحسب عدتها من ساعة طلاقها، أو وفاة زوجها"(5).
• الموافقون على الإجماع: يلاحظ في نقل الإجماع ما يلي:
أن الجصاص من الحنفية، وابن عبد البر من المالكية، نقلوا الإجماع على أن العدة تبدأ من حين وقوع الطلاق، أو الوفاة، بينما نقله ابن حزم على أن العدة تبدأ من حين صحة بلوغ الخبر.
ولا يخفى ما في هذا من الاختلاف؛ فقد لا يبلغها الخبر إلا بعد أن يمضي من ساعة الطلاق، أو الوفاة وقت طويل.
وما ذكره الحنفية والمالكية من أن العدة تبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة؛ وافق عليه الشافعية (6)، والحنابلة في المذهب (7). وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وابن الزبير رضي الله عنهم، ومسروق، وعطاء، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي قلابة، وعكرمة، وطاوس، وسليمان بن يسار، وإبراهيم
(1)"أحكام القرآن"(1/ 416).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 135).
(3)
"مراتب الإجماع"(ص 136).
(4)
"الاستذكار"(6/ 152).
(5)
"التمهيد"(15/ 99).
(6)
"الأم"(5/ 312)، "الحاوي"(14/ 254).
(7)
"الكافي"(5/ 25)، "الإنصاف"(9/ 294).
النخعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (1).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1]
• وجه الدلالة: أمر اللَّه عز وجل بأن يكون الطلاق في وقت العدة، فدل على أن العدة متصلة بالطلاق؛ فيلزمها أن تعتد من وقت الطلاق، أو من وقت الوفاة (2).
2 -
قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]
• وجه الدلالة: أن المرأة لو طلقت وهي لا تعلم، أو توفي عنها زوجها، وكانت حاملًا؛ فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ولو لم تكن عالمة بفرقة زوجها، أو وفاته (3).
3 -
أن القصد في العدة غير معتبر، بدليل أن الصغيرة، والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد منهما، وسواء اجتنبت ما تجتنبه الحادة أم لا؛ فإن الحداد -وإن كان واجبًا- لو تركته قصدًا لانتهت عدتها (4).
4 -
أنه لو طلقها، وانتهت العدة، ولم تعلم إلا بعد انتهائها، لا ترثه إن مات؛ لأن زمان العدة قد انتهى (5).
• الخلاف فى المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية (6)، وداود (7)، وابن حزم (8)، إلى أنه إن قامت بينة بموت الزوج أو طلاقه، فالعدة من حين الموت أو الطلاق، وإن لم تثبت البينة فمن حين يبلغها الخبر. وهو قول علي رضي الله عنه، والحسن، وقتادة، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء الخراساني (9)(10).
(1)"الإشراف"(1/ 259)، "المحلى"(10/ 123)، "البيان"(11/ 41).
(2)
"الحاوي"(14/ 255).
(3)
"الإشراف"(1/ 260)، "الحاوي"(14/ 255)، "المغني"(11/ 308).
(4)
"المغني"(11/ 307).
(5)
"الحاوي"(14/ 255).
(6)
"الكافي"(5/ 25)، "الإنصاف"(9/ 294).
(7)
"الحاوي"(14/ 254)، "البناية شرح الهداية"(5/ 610).
(8)
"المحلى"(10/ 123).
(9)
هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني البلخي، نزيل الشام، مولى المهلب بن أبي صفرة الأزدي، روى عن الصحابة مرسلًا كابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وأنس، قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، يحتج به. قال النسائي: ليس به بأس. توفي سنة (135 هـ). انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(7/ 190)، "شذرات الذهب"(1/ 192).
(10)
"الإشراف"(1/ 259)، "المحلى"(10/ 123)، "البيان"(11/ 41).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
• وجه الدلالة: أن التربص في العدة فعل مقصود من المرأة، ولا يقع التربص إلا بعلم المرأة بموت زوجها أو طلاقه، فيخرج ما يقع قبل علمها بذلك (1).
2 -
أن الفريعة بنت مالك (2) خرج زوجها في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القَدُوم (3) لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإن زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفتُ، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني فقال:"كيف قلت؟ "، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الفريعة أن تعتد من حين بلغها الخبر، ولم يعتبر ما مضى قبل ذلك (5).
3 -
أن المعتدة من الوفاة مأمورة بالإحداد في العدة، من اجتناب للطيب، وعدم خروجها من مسكنها، وهي قبل علمها غير قاصدة لأحكام العدة، فلا تكون في عدة حتى يأتيها الخبر (6).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على أن عدة المرأة تبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة؛ وذلك لوجود خلاف عن بعض الصحابة والتابعين، ومن بعدهم فثمة من يرى أنه يبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة، وثمة من يرى أنه من ساعة بلوغها الخبر إذا تيقنت ذلك.
(1)"الحاوي"(14/ 254).
(2)
هي فُربْعَة بنت مالك بن سنان -أخت أبي سعيد الخدري- ويقال لها: الفارعة، شهدت بيعة الرضوان، وأمها حبيبة بنت عبد اللَّه بن أُبي ابن سلول.
انظر ترجمتها في: "أسد الغابة"(7/ 229)، "الإصابة"(8/ 280).
(3)
بالتخفيف اسم جبل قرب المدينة. انظر: "معجم البلدان"(4/ 354).
(4)
أخرجه أبو داود (2300)(2/ 291)، والترمذي (1208)(2/ 411)، والنسائي (3530)(6/ 144)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
"الحاوي"(14/ 254).
(6)
"الحاوي"(14/ 255).