الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للخلاف، والآخر مثبت له، والمثبت مقدم على النافي (1).
2 -
إذا كان ناقل الخلاف يمكن أن يكون غلط فيما ذكره من الخلاف، إما لضعف إسناد، أو لعدم دلالة، فإن غلط الذي حكى الإجماع أولى، فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه، أو بلغته وظن ضعف أسانيدها، وقد ثبتت عند غيره، فما يجوز على المثبت للخلاف يجوز على النافي له، مع زيادة أنه لم يعلم بالمخالف (2).
3 -
أن عدم علم الذي حكى الإجماع بالخلاف ليس علمًا بعدم الخلاف، لا سيما في أقوال علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا يحصيها إلا رب العالمين (3).
المسألة الثانية: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة، وكان من أهل الاجتهاد، فهل يعتد بخلافه
؟
• اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا ينعقد إجماع الصحابة إذا خالفهم التابعي، إن كان من أهل الاجتهاد، وقال بهذا: الحنفية (4)، والمالكية (5)، وبعض الشافعية (6)، والإمام أحمد في رواية عنه (7)، قال ابن قدامة: وهي أظهر القولين (8)، واختاره أبو الخطاب الكلوذاني (9)، وابن عقيل (10)(11).
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(19/ 271)، وما بعدها.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(19/ 271)، وما بعدها.
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(19/ 271)، وما بعدها.
(4)
"أصول السرخسي"(1/ 315)، و"بذل النظر"(ص 543).
(5)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 335)، و"بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب"(1/ 557).
(6)
"البرهان"(1/ 460 - 461)، و"التبصرة"(ص 384).
(7)
"العدة"(4/ 1157)، و"مختصر التحرير"(ص 106).
(8)
"روضة الناظر"(ص 134).
(9)
"التمهيد"(3/ 271)، وانظر:"روضة الناظر"(ص 134).
(10)
هو أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي، المقرئ، الفقيه، الأصولي، الواعظ، المتكلم، أخذ عن أبي يعلى، والشيرازي الشافعي، أفتى، ودرّس، وصنّف التصانيف النافعة؛ منها:"الواضح" في أصول الفقه، وكتاب "الفنون"، وتفرد بانفرادات عن المذهب، ترفي سنة (513 هـ). انظر في ترجمته:"ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 142)، و"المنهج الأحمد"(2/ 102).
(11)
"الواضح"(5/ 194).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن هذا المخالف من التابعين تناولته النصوص، بكونه من المؤمنين، وبكونه من الأمة، فكان قوله مؤثرًا ومعتبرًا في الإجماع (1).
2 -
أن الصحابة رضي الله عنهم قد سوغوا اجتهاد التابعين، ولم ينكروا عليهم، وهذه أمثلة على ذلك:
أ - روى أبو سلمة (2) بن عبد الرحمن بن عوف قال: تذاكرت أنا وابن عباس (3) وأبو هريرة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال ابن عباس: أبعد الأجلين، وقلت أنا: عدتها أن تضع حملها، وقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (4).
ب - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولّى شريحًا القضاء قال له: "اقض بما في كتاب اللَّه، فإن لم تجد فبما سنّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه"(5).
ت - أن عليًّا تخاصم إلى شريح في درعه الذي فقده بصفين، ولم يقبل شريح شهادة ابن علي لأبيه، فقبل علي قوله، مع أنه يرى خلافه (6).
ث - وسُئل ابن عمر عن فريضة فقال: سلوا عنها سعيد بن جبير (7) فإنه أعلم بها
(1)"بذل النظر"(ص 543).
(2)
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، أحد الأئمة الكبار، وكان من بحور العلم، اختلف في وفاته، فقيل: توفي سنة (94)، وقيل: سنة (104 هـ). انظر في ترجمته: "طبقات الفقهاء"(ص 44)، و"شذرات الذهب"(1/ 105).
(3)
هو عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محاصرون في الشعب، فحنكه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بريقه، توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعمره 13 سنة، عمي في آخر عمره، وتوفي بالطائف سنة (68 هـ). انظر في ترجمته:"أسد الغابة"(3/ 291)، و"الإصابة"(4/ 121).
(4)
أخرجه البخاري (4909)(6/ 79)، ومسلم (1485)"شرح النووي"(10/ 99).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(10/ 136).
(7)
هو أبو عبد اللَّه سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء، أحد أئمة التابعين، أخذ العلم عن ابن عباس، وابن عمر، وآخرين، وحدّث في حياة ابن عباس بإذنه، كان من أعلم الناس بالتفسير، فقيهًا، مقرئًا، قتله الحجاج بن يوسف سنة (95 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الفقهاء"(ص 82)، و"شذرات الذهب"(1/ 108).
مني (1).
ج - وسُئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن (2) فقالوا: يا أبا حمزة نسألك، وتقول: سلوا مولانا الحسن، فقال: إنا سمعنا وسمع، فحفظ ونسينا (3).
• وجه الدلالة من هذه الآثار: أن الصحابة رضي الله عنهم قد سوغوا للتابعين الاجتهاد، والأخذ بأقوالهم، مما يدل على اعتبار أقوالهم في صحة الإجماع، والاعتداد بخلافهم في منع الإجماع (4).
3 -
أن الاعتبار بالاجتهاد وليس بالصحبة، فلو أن صحابيًّا عاميًّا في عصر التابعين، جاز له تقليد فقهائهم المجتهدين، ولا يعتد بقول الصحابي لعدم بلوغه رتبة الاجتهاد (5).
4 -
أن التابعين معهم آلة الاجتهاد وقت حدوث النازلة، فكان معتدًّا بقولهم (6).
القول الثاني: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة فلا يعتد بخلافه، وإن بلغ رتبة الاجتهاد، وقال بهذا بعض الشافعية (7)، والإمام أحمد في رواية عنه (8)، نصرها القاضي أبو يعلى (9)، وهو قول لبعض المتكلمين (10).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن الصحابة رضي الله عنهم لهم مزية الصحبة، فقد شهدوا التنزيل، وسماع التأويل، وزادوا بمزية الاجتهاد، فوجب تقديم قولهم (11).
2 -
أن الصحابة أنكروا على بعض التابعين، وهذا دليل منهم على أنهم لا يعتبرون خلافهم، ومن ذلك:
(1) أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(6/ 258).
(2)
هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، أبوه مولى زيد بن ثابت، وأمه مولاة أم سلمة، إمام أهل البصرة، وخير أهل زمانه، وكان فقيهًا حجة، كثير العلم، توفي سنة (110 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الفقهاء"(ص 91)، و"شذرات الذهب"(1/ 136).
(3)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(7/ 167).
(4)
"الواضح"(5/ 196).
(5)
"الواضح"(5/ 197).
(6)
"الواضح"(5/ 196).
(7)
"التبصرة"(ص 384).
(8)
"العدة"(4/ 1152)، و"روضة الناظر"(ص 134).
(9)
"العدة"(4/ 1152)، و"الواضح"(5/ 194).
(10)
"الإحكام" للآمدي (1/ 309).
(11)
"الواضح"(5/ 199).