الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم" (1).
• وجه الدلالة: هذا نص في عدم مؤاخذة المسلم بما حدّث به نفسه، أو همّ به، ما لم يصاحب ذلك قول أو فعل، فمن همّ بالطلاق، ولم يتلفظ به فلا يؤاخذ به، بنص هذا الحديث (2).
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه، صححها ابن رشد الجد، وقوّاها ابن العربي (3)، إلى أن من نوى الطلاق بقلبه فإنه يقع بمجرد النية. وهو قول الزهري (4).
• أدلة هذا القول:
1 -
حديث عمر بن الخطاب: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(5).
• وجه الدلالة: من طلَّق في قلبه، فقد نوى الطلاق، فله ما نواه بنص هذا الحديث.
2 -
لما وقعت الفرقة بنية الردة، جاز أن يقع الطلاق بها، أي: بالنية (6).
3 -
من كَفَر في نفسه فهو كافو، فكذلك من نوى الطلاق في نفسه فقد طلّق (7).
ثانيًا: ثمة من توقف في هذه المسألة، وهو قول ابن سيرين، فقد سئل عمن طلق في نفسه؛ فقال: أليس اللَّه قد عَلِمَ ما في قلبه؟ قال: بلى، قال: فلا أقول فيها شيئًا (8).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على أن من طلّق في نفسه ونوى ذلك، لا يقع به طلاق؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام مالك، والزهري من قبله، بوقوع الطلاق بمجرد النية.
[24 - 199] عدم وقوع الطلاق قبل النكاح:
إذا قال رجل لامرأة لم يتزوجها بعد: إن تزوجتك فأنت طالق، أو تلك المرأة طالق إن تزوجتها، فإن طلاقه لا يقع، سواء سمى امرأة بعينها، أو أرضًا تنتمي إليها هذه
(1) أخرجه البخاري (5269)(6/ 207)، ومسلم (127)"شرح النووي"(2/ 120).
(2)
انظر: "الإشراف"(1/ 155).
(3)
"مقدمات ابن رشد"(ص 276)، "عارضة الأحوذي"(5/ 125).
(4)
"المغني"(10/ 355)، "فتح الباري"(9/ 475)، "المحلى"(9/ 457).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
"الحاوي"(13/ 3).
(7)
"مقدمات ابن رشد"(ص 276)، "عارضة الأحوذي"(5/ 125).
(8)
"المحلى"(9/ 459)، "زاد المعاد"(5/ 203).
المرأة، أم لم يُسمِّ، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم.
• من نقل الإجماع:
1 -
البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أنه لو نجز طلاق امرأة قبل النكاح. . . أنه لغو"(1).
2 -
ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الطلاق يقع على النساء اللاتي في عصمة أزواجهن. . . وأنه لا يقع على الأجنبيات"(2).
3 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا طلاق قبل النكاح عن عائشة، وعلي، . . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم، فيكون إجماعًا"(3).
وقال أيضًا: "لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو لأمة الغير: إن دخلت الدار فأنت حرة، ثم تزوج الأجنبية، وملَكَ الأمة، ودخلتا الدار، فإن الطلاق لا يقع، ولا تعتق الأمة، بغير خلاف نعلمه"(4).
4 -
الشربيني (977 هـ) حيث قال: "خِطاب الأجنبية بطلاق، وتعليقه بنكاح، وغيره، لغو، . . . بالإجماع"(5).
5 -
الصنعانى (1182 هـ) حيث قال: "إذا قال المطلِّق: إن تزوجت فلانة فهي طالق، مطلق لأجنبية، فإنها حين أنشأ الطلاق أجنبية، والمتجدد هو نكاحها، فهو كما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت، وهي زوجته، لم تطلق إجماعًا"(6).
6 -
ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال الصنعاني (7).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الطلاق قبل النكاح لا يقع، وافق عليه ابن حزم (8)، سواء سمى امرأة، أو أرضًا تنتمي إليها هذه المرأة، أم لم يُسمِّ. وهو قول علي، ومعاذ، وجابر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وابن المسيب، وشريح، والحسن، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وجابر بن زيد،
(1)"شرح السنة"(5/ 146).
(2)
"بداية المجتهد"(2/ 141).
(3)
"المغني"(13/ 489).
(4)
"المغني"(13/ 490).
(5)
"مغني المحتاج"(4/ 475).
(6)
"سبل السلام"(3/ 343).
(7)
"حاشية الروض المربع"(6/ 548).
(8)
"المحلى"(9/ 466).
ومجاهد، ومحمد بن كعب القرظي، وعروة، وقتادة، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور، وداود (1).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: الآية 49].
• وجه الدلالة: أخبر اللَّه سبحانه وتعالى أن الطلاق بعد النكاح، ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن، مما يدل على أنه لا طلاق قبل نكاح (2).
2 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك"(3).
3 -
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل نكاح"(4).
• وجه الدلالة: هذه نصوص صريحة في عدم اعتبار الطلاق قبل النكاح.
• الخلاف في المسألة: أولًا: يرى الحنفية (5)، والإمام أحمد في رواية عنه (6)، أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهو كما قال، تطلق حين يتزوجها. وهو قول عمر، وابن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم، وأعثمان البتي، والزهري، ومكحول، والأوزاعي في رواية (7).
ثانيًا: يرى المالكية (8) أنه إذا لم يُسمِّ امرأة بعينها، أو قبيلة، أو أرضًا، فلا يلزمه ذلك، وإن سمى امرأة، أو أرضًا، أو قبيلة، لزمه ذلك. وهو قول ابن أبي ليلى،
(1)"الاستذكار"(6/ 188 - 189)، "شرح السنة"(5/ 147)، "فتح الباري"(9/ 465 - 466).
(2)
"فتح الباري"(9/ 461)، "المحلى"(9/ 467).
(3)
أخرجه أبو داود (2190)(2/ 258)، والترمذي (1184)(2/ 398)، وابن ماجه (2047)(1/ 642).
قال الترمذي: حديث عبد اللَّه بن عمرو حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
(4)
أخرجه البخاري معلقًا (6/ 205)، وابن ماجه (2049) - (1/ 643). قال ابن حجر: رجاله ثقات؛ إلا أن الحسن لم يسمع من على. انظر: "فتح الباري"(9/ 462).
(5)
"الاختيار"(3/ 140)، "الهداية"(1/ 273).
(6)
"الشرح الكبير"(22/ 440)، "الإنصاف"(9/ 59).
(7)
"الاستذكار"(6/ 188)، "شرح السنة"(5/ 147)، "فتح الباري"(9/ 466).
(8)
"المدونة"(2/ 71 - 72)، "القوانين الفقهية"(ص 234).