الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: مسائل الإجماع في العيوب في النكاح
[1 - 92] تأجيل العِنين الذي لا يمكنه الوطء سنة كاملة:
العُنَّة (1) من العيوب التي تختص بالرجال، فإذا ثبت أن الرجل به هذا العيب فإنه يؤجل سنة قبل أن يفسخ نكاحه، فإن وطئ خلالها بقي على نكاحه، وإلا فرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم.
• من نقل الإجماع:
1 -
الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولم أحفظ عن مفتٍ لقيته خلافًا في أن تؤجل امرأة العنين سنة، فإن أصابها، وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه"(2). ونقله عنه المزني (3)(4)، والماوردي (5).
2 -
الماوردي (450 هـ) حيث قال: "والعنة عيب يثبت به للزوجة خيار الفسخ، وهو إجماع الصحابة، وهو قول جميع الفقهاء"(6). وقال أيضًا: ". . . ولأنه إجماع الصحابة؛ حكي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، والمغيرة، وابن عمر، وجابر: أنه يؤجل، فإن أصابها، وإلا فرق بينهما، وليس يعرف لهم في الصحابة مخالف"(7).
3 -
القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "فأما العنين. . . فلزوجته الخيار بين أن تقيم معه أو تفارقه، وذلك بأن يضرب له الأجل. . . لأن ذلك إجماع الصحابة،
(1) العُنَّة، عين مضمومة، ونون مشددة، والعِنَّين، بكسر العين، ونون مشددة، العاجز عن الوطء، وربما اشتهاه، فيريد النساء ولا يستطيع أن يأتيهن. وهو مشتق من عنَّ الشيء إذا اعترض، قيل: لأن ذكره يعترض يمين الفرج وشماله، وقيل: مشتق من عنان الدابة للينه.
انظر: "لسان العرب"(13/ 290 - 291)، "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص 255 - 256).
(2)
"الأم"(5/ 64).
(3)
هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، أخذ عن الشافعي، ولازمه طويلًا، الفقيه الإمام صاحب التصانيف، وكان زاهدًا، عالمًا مجتهدًا، مناظرًا، قال عنه الشافعي: المزني ناصر مذهبي، توفي سنة (264 هـ). انظر ترجمته في:"طبقات الفقهاء"(ص 109)، "طبقات ابن قاضي شهبه"(1/ 58).
(4)
"مختصر المزني" ملحق بـ "الأم"(9/ 191).
(5)
"الحاوي"(11/ 502).
(6)
"الحاوي"(11/ 501).
(7)
"الحاوي"(11/ 502).
روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم" (1).
4 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء -أئمة الفتوى بالأمصار- على تأجيل العنين سنة، إذا كان حرًّا"(2). وقال أيضًا: "ولا أعلم بين الصحابة خلافًا في أن العنين يؤجل سنة من يوم يرفع إلى السلطان"(3).
5 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن المرأة إذا أصابت زوجها عنينًا فإنه يؤجل سنة"(4).
6 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنه روي عن عمر رضي الله عنه: أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة، وروي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه مثله، وروي عن علي رضي الله عنه، . . . وكان قضاؤهم بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد منهم، فيكون إجماعًا"(5).
7 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن علمت أنه عنين بعد الدخول، فسكتت عن المطالبة، ثم طالبت بعد، فلها ذلك، ويؤجل سنة من يوم ترافعه، لا نعلم في ذلك اختلافًا"(6). وقال أيضًا: ". . . ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة، وروى ذلك الدارقطني بإسناده عن عمر، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، ولا مخالف لهم"(7).
8 -
الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وإذا ثبتت عنة الزوج ضرب القاضي له سنة، كما فعله عمر رضي الله عنه. . . أجمع المسلمون على اتباع قضاء عمر رضي الله عنه"(8).
9 -
ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "روي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، والمغيرة، ولا مخالف لهم، وعليه فتوى فقهاء الأمصار"(9).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن العنين يؤجل سنة كاملة إذا طلبت امرأته ذلك، هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعمرو بن دينار، والنخعي، وقتادة، وحمَّاد بن أبي سليمان،
(1)"المعونة"(2/ 565).
(2)
"الاستذكار"(6/ 192).
(3)
"الاستذكار"(6/ 193).
(4)
"الإفصاح"(2/ 110).
(5)
"بدائع الصنائع"(3/ 587).
(6)
"المغني"(10/ 86).
(7)
"المغني"(10/ 82).
(8)
"مغني المحتاج"(4/ 345).
(9)
"حاشية الروض المربع"(6/ 335).
والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (1).
• مستند الإجماع: قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
• وجه الدلالة: لما كان الوطء حقًّا له عليها، وجب أن يكون حقًّا لها عليه أيضًا (2).
2 -
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة، فإن قدر عليها، وإلا أخذت منه الصداق كاملًا، وفرق بينهما، وعليها العدة (3).
3 -
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله (4).
4 -
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يؤجل سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما (5).
• وجه الدلالة: دلت هذه الآثار على أن العنين يؤجل سنة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك (6).
5 -
يؤجل العنين سنة حتى تأتي عليه الفصول الأربعة لما يعرض له من حرارة، أو برودة، أو رطوبة، أو يبوسة، فيزول ما به من الحرارة في الشتاء، وما كان من البرودة يزول في الصيف، وما كان من الرطوبة يزول في الخريف، وما كان من اليبوسة يزول في الربيع (7).
• الخلاف فى المسألة: أولًا: ذهب بعض الحنابلة، واختاره المجد ابن تيمية (8)، أن لا تأجيل عليه، بل للزوجة الفسخ حال طلبها. وهو قول عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، وسمرة بن جندب رضي الله عنهم (9).
(1)"الإشراف"(1/ 66).
(2)
"الحاوي"(11/ 502).
(3)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 368)، وعبد الرزاق في "المصنف"(10720) - 6/ 253)، وابن أبي شيبة (3/ 503). قال الألباني: روي بعدة عن طرق، كلها منقطعة. انظر:"إرواء الغليل"(6/ 323).
(4)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 368)، وعبد الرزاق في "المصنف"(10722)(6/ 253)، وصححه الألباني. انظر:"إرواء الغليل"(6/ 322).
(5)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 370). قال الألباني: ورجاله ثقات لكنه منقطع بين الضحاك وهو ابن مزاحم الهلالي وعلي، ومحمد بن إسحاق، وهو مدلس وقد عنعنه. انظر:"إرواء الغليل"(6/ 323).
(6)
"بدائع الصنائع"(3/ 587).
(7)
"التهذيب" للبغوي (5/ 466).
(8)
"الإنصاف"(8/ 187)، "المحرر"(2/ 56).
(9)
"المحلى"(9/ 202)، "زاد المعاد"(5/ 181).
ثانيًا: أنه يؤجل عشرة أشهر، وهو قول الحارث بن عبد اللَّه (1)(2)، وعبد اللَّه بن نوفل (3)(4).
ثالثًا: إن كانت المرأة حديثة العهد معه أجل سنة، وإن كانت قديمة العهد أجل خمسة أشهر. وهو قول سعيد بن المسيب (5).
رابعًا: أن تلك مصيبة حلَّت بالمرأة، فلا تأجيل عليه، ولا يحل لها الفسخ، وهو قول مجاهد، وابن علية، والحكم بن عتيبة، وداود، وابن حزم (6).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن امرأة رفاعة لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي أبتَّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"(7).
• وجه الدلالة: أن تلك المرأة ادَّعت العنة على زوجها، ولم يثبت لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخيار (8).
(1) هو الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، ليس له صحبة، ذكره البخاري وابن سعد وابن حبان في التابعين، قال ابن حجر: لا رؤية له؛ لأن أباه ولد بالحبشة، أخرج له الحاكم حديثًا، وقال: صحيح الإسناد، وخفي عليه أن الحارث لا صحبة له، ولي البصرة لابن الزبير. انظر ترجمته في:"الإصابة"(2/ 166)، "أسد الغابة"(1/ 619).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (2016)(2/ 80)، وانظر:"المحلى"(9/ 202).
(3)
هو أبو محمد عبد اللَّه بن نوفل بن عبد المطلب، كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو عنه شيئًا، ولي قضاء المدينة لمعاوية، توفي سنة (84 هـ)، وقيل: سنة (63 هـ) يوم الحرة، وقيل: توفي أيام معاوية. انظر ترجمته في: "أسد الغابة": (3/ 404)، "الإصابة"(4/ 216).
(4)
"زاد المعاد"(5/ 181)، "بدائع الصنائع"(3/ 588).
(5)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 331)، "الإشراف"(1/ 67).
(6)
"المحلى"(9/ 202)، (205)، "الحاوي"(11/ 501)، "الاستذكار"(6/ 192)، "زاد المعاد"(5/ 182)، "البناية شرح الهداية"(5/ 391 - 392).
تنبيه: خلاف أصحاب هذا القول يأتي في جميع مسائل هذا الفصل، فإنهم يرون أن عيوب النكاح لا توجب فسخًا، وأن تلك مصيبة حلت بالمرأة فيجب أن تصبر، ومن ثم ما يرد من حكاية الإجماع قد ينتقض بخلاف أصحاب هذا القول، وذلك فيما يثبت خلافهم فيه في مسائل هذا الفصل.
(7)
سبق تخريجه.
(8)
"الحاوي"(11/ 501)، "بدائع الصنائع"(3/ 586).