الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في ألفاظ النكاح وشروطه
[1 - 21] انعقاد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج:
ينعقد النكاح بالإيجاب والقبول عند جميع الفقهاء، فهما من الأمور المعتبرة في عقد النكاح كسائر العقود (1)؛ واختلفوا ما الذي يكون أولًا؛ هل هو الإيجاب أو القبول؟ (2).
وقد نُقل الإجماع على أن الصيغة التي ينعقد بها كل من الإيجاب والقبول هي: الإنكاح، والتزويج، وهما اللفظان الصريحان في النكاح.
• من نقل الإجماع:
1 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا قال الولي: زوجتك، أو أنكحتك، فقال الزوج: قبلت هذا النكاح، فإنه ينعقد النكاح"(3).
(1) انظر: "فتح القدير"(3/ 190)، "بدائع الصنائع"(3/ 317)، و"مواهب الجليل"(5/ 47)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 221)، و"روضة الطالبين"(6/ 29)، و"مغني المحتاج"(4/ 227)، و"الإنصاف"(8/ 50)، و"كشاف القناع"(5/ 37).
(2)
أولًا: يرى الحنفية أن الإيجاب هو اللفظ الصادر أولًا، والقبول هو اللفظ الصادر ثانيًا، سواء وقع من الولي أولًا، أو من الزوج.
ثانيًا: يستوي عند المالكية والشافعية تقدم القبول على الإيجاب أو تأخره عنه، إلا أن المالكية قالوا: يندب تقدم الإيجاب.
فلو قال الزوج للولي: زوجني، أو تزوجت بنتك؛ كان قبولًا، ولو قال الولي بعد ذلك: زوجتك أو أنكحتك؛ كان إيجابًا.
ثالثًا: قال الحنابلة: لا بد أن يتقدم الإيجاب على القبول؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب، فمتى وجد قبله لم يكن قبولًا لعدم معناه فلم يصح. فلو قال الزوج: تزوجت ابنتك، وقال الولي: زوجتكها، لم يصح. رواية واحدة.
انظر: "فتح القدير"(3/ 190)، "مواهب الجليل"(5/ 47)، "حاشية الدسوقي"(2/ 221)، و"مغني المحتاج"(4/ 227)، و"الإنصاف"(8/ 50).
(3)
"الإفصاح"(2/ 101).
ونقله عنه السيوطي (1)(2)، والشربيني (3)، وابن قاسم (4).
2 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن النكاح ينعقد بلفظ الإنكاح والتزويج"(5).
3 -
ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على انعقاد النكاح بلفظ النكاح ممن إذنه اللفظ، وكذلك بلفظ التزويج"(6).
4 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج، والجواب عنهما، إجماعًا"(7). ونقله عنه ابن قاسم (8).
5 -
ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (9).
6 -
ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "أما انعقاده بلفظ النكاح والتزويج فلا خلاف فيه"(10).
7 -
ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "وإنما يصح بلفظ تزويج ونكاح؛ لأنهما صريح، . . . اعلم أن الصريح ينعقد به النكاح بلا خلاف"(11).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن النكاح ينعقد بلفظي الإنكاح والتزويج، وافق عليه ابن حزم (12).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37].
2 -
وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22].
(1) هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ولد ونشا في القاهرة، وقرأ على جماعة من العلماء، كان إمامًا بارعًا في علوم كثيرة؛ فقد كان مفسرًا، ومحدثًا، وفقيهًا، ونحويًّا، ولغويًّا، اعتزل الناس والتدريس والإفتاء بعد بلوغه الأربعين، والصرف إلى التأليف، توفي سنة (911 هـ). انظر ترجمته في:"شذرات الذهب"(8/ 54)، و"البدر الطالع"(1/ 229).
(2)
"الأشباه والنظائر"(ص 498).
(3)
"مغني المحتاج"(4/ 226).
(4)
"حاشية الروض المربع"(6/ 248).
(5)
"بدائع الصنائع"(3/ 317).
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 10).
(7)
"المغني"(9/ 460).
(8)
"حاشية الروض المربع"(6/ 248).
(9)
"الشرح الكبير"(20/ 93).
(10)
"البحر الرائق"(3/ 91).
(11)
"حاشية ابن عابدين"(4/ 78).
(12)
"المحلى"(9/ 47).
3 -
وقال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: 230].
• وجه الاستدلال بالآيات: قالوا: سمى اللَّه سبحانه وتعالى في كتابه "النكاح" باسمين؛ هما: النكاح والتزويج؛ فيجب المصير إليهما، وعلى هذا فالفروج محرّمة قبل العقد، فلا تحل أبدًا إلا بأن يقول الولي: قد زوجتكها، أو أنكحتكها، ويقول الخاطب: قد قبلت تزويجها، أو نكاحها (1).
4 -
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلًا، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. . . قال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن"(2).
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن النساء عوان عندكم لا يملكن من أمورهن شيئًا، إنكم أخذتموهن بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه"(3).
موضع الدليل من هذا الحديث: "واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه"، وليس في كتاب اللَّه إلا لفظ النكاح والتزويج، فدل على أنه لا تستحل الفروج إلا بهما (4).
6 -
أن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تُتَلَقَّى من الشرع، والشرع لم يرد إلا بلفظي الإنكاح والتزويج (5).
النتيجة:
تحقق الإجماع على أن النكاح ينعقد بلفظي الإنكاح والتزويج؛ وذلك لعدم وجود مخالف.
• تنبيه: لا يجوز أن تقصر الألفاظ التي يصح بها النكاح على هذين اللفظين؛ لما يأتي:
1 -
يرى الحنفية (6)، والمالكية (7) أن النكاح ينعقد بالألفاظ التالية: البيع، والهبة،
(1)"الأم"(5/ 60)، "المغني"(9/ 460)، "مختصر المزني"(ملحق بالأم)(9/ 179).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه مسلم (1218)"شرح النووي"(8/ 145).
(4)
"الحاوي"(11/ 209).
(5)
"العزيز شرح الوجيز"(7/ 493)، و"مغني المحتاج"(4/ 229).
(6)
"بدائع الصنائع"(3/ 317)، و"البحر الرائق"(3/ 91).
(7)
"التاج والإكليل"(5/ 44)، و"القوانين الفقهية"(ص 195).