الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: من يرى أن الطلاق للسيد المشتري، فإذا كان للعبد زوجة فباعه سيده، فالطلاق لسيده الذي اشتراه؛ وهو قول عروة بن الزبير (1).
• دليل هذا القول: أن من اشترى عبدًا وله زوجة يمكن أن يرى في هذا عيبًا يرد به النكاح، وللسيد المشتري التخلص من هذا العيب؛ فإن المشتري يملك من العبد ما يملكه البائع من حقوق الخدمة ونحوها، ونكاحه قد يعيق تأدية هذه الخدمة (2).
النتيجة:
عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن طلاق العبد بيده لا بيد سيده؛ لخلاف ابن عباس، وجابر رضي الله عنهم، ومن قال بقولهما من التابعين، وكذلك خلاف عروة بن الزبير.
[31 - 206] إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا، فلا تحل له إلا من بعد زوج:
نقل الإجماع جمع من أهل العلم على أن الرجل إذا طلق امرأته التي دخل بها ثلاث تطليقات أنها لا تحل له إلا من بعد زوج.
• من نقل الإجماع:
1 -
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا أنها لا تحل له إلا بعد زوج، على ما جاء به حديث النبي صلى الله عليه وسلم"(3).
2 -
الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العصر الأول أن المرأة المطلقة ثلاثًا لا تحل للزوج المطلق لها ذلك الطلاق إلا بعد خروجها من عدتها منه، وبعد زوج يجامعها، ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه"(4).
3 -
القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا يحل له العقد عليها حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] وللإجماع الثابت فيه"(5).
4 -
ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من تزوج امرأة، ثم طلقها طلاقًا صحيحًا، فأكملت عدتها، ولم تتزوج، ثم نكحها ابتداء نكاحًا صحيحًا، أو لم تكمل عدتها؛ فراجعها مراجعة صحيحة، ثم طلقها ثانية طلاقًا صحيحًا، فأكملت عدتها،
(1)"الاستذكار"(6/ 126)، "المحلى"(9/ 504).
(2)
"الاستذكار"(6/ 126).
(3)
"الإجماع"(ص 65).
(4)
"نوادر الفقهاء"(ص 95).
(5)
"المعونة"(1/ 557).
ولم تتزوج، ثم نكحها ثالثة نكاحًا صحيحًا، أو لم تكمل عدتها؛ فراجعها مراجعة صحيحة، ثم طلقها طلاقًا صحيحًا: فإنها لا تحل له إلا بعد زوج" (1).
5 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره"(2). ونقله عنه القرطبي (3).
6 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا طلق ثلاثًا، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره"(4).
وقال أيضًا: "واتفقوا على أن النكاح هاهنا هو الإصابة، واتفقوا على أنه شرط في جواز عودها إلى الأول"(5).
7 -
ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أما البائنة بالثلاث فإن العلماء كلهم متفقون على أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد الوطء"(6).
8 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثًا بعد الدخول، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، . . . وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه"(7).
9 -
القرطبي (671 هـ) حيث قال: "المراد بقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: الآية 230] الطلقة الثالثة {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه"(8).
10 -
ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذا وقع بالمرأة الطلاق الثلاث، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة"(9).
وقال أيضًا: "والمقصود هنا إذا وقع بها الثلاث، حرمت عليه المرأة بإجماع المسلمين، كما دل عليه الكتاب والسنة"(10).
(1)"مراتب الإجماع"(ص 128).
(2)
"الاستذكار"(6/ 204).
(3)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 119).
(4)
"الإفصاح"(2/ 130).
(5)
"الإفصاح"(2/ 130).
(6)
"بداية المجتهد"(2/ 147).
(7)
"المغني"(10/ 548).
(8)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 136).
(9)
"مجموع الفتاوى"(32/ 82).
(10)
"مجموع الفتاوى"(32/ 92).
11 -
قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من طلق زوجته ثلاثًا، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ويطأها في نكاح صحيح"(1).
12 -
ابن حجر (852 هـ) حيث قال: ". . . بالإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا أنها تحرم عليه"(2).
13 -
العيني (855 هـ) حيث قال: ". . . وجب الوطء بحديث العسيلة، فإنه خبر مشهور يجوز به الزيادة على النص، وهذا لا خلاف فيه"(3).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول إلا من بعد زوج، ولا بد فيه من الإصابة، هو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة رضي الله عنهم، ومسروق، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبي ثور، وأبي عبيد (4).
• مستند الإجماع:
1 -
قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230]
• وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا بد أن تنكح المرأة المطلقة زوجًا غير الذي طلقها حتى تحل له، ولا بد أن يجتمع العقد، والوطء؛ لأنه لو عقد عليها دون وطء لا تحل للأول، وإن وطئها دون عقد لا تحل للأول أيضًا، قال الطبري:"لإجماع الأمة جميعًا"، فلا بد من العقد والوطء (5).
2 -
أن امرأة رفاعة لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي أبتّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"(6).
• وجه الدلالة: دل الحديث على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره، فيطأها وطءًا صحيحًا.
• الخلاف في المسألة: ورد خلاف في المسألة -سبقت الإشارة إليه- على النحو التالي:
(1)"رحمة الأمة"(ص 234).
(2)
"فتح الباري"(9/ 452).
(3)
"عمدة القاري"(20/ 236).
(4)
"الإشراف"(1/ 178).
(5)
"تفسير الطبري"(2/ 475)، "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 136).
(6)
سبق تخريجه.
أولًا: ذهب سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير إلى أنه يكفي حتى تحل المرأة لزوجها الأول مجرد عقد الزوج الثاني.
ثانيًا: قال الحسن البصري لا تكفي مجرد الإصابة، بل لا بد من الإنزال.
النتيجة:
أولًا: تحقق الإجماع على أن المطلقة ثلاثًا لا تعود لزوجها الأول إلا من بعد أن تنكح زوجًا غيره، ولا بد من الوطء في هذا النكاح.
ثانيًا: سبق ذكر قول من خالف في أنه يكفي مجرد العقد، وقد وصف بالشذوذ، وأُعيدُ ما سبق قبل في الجواب عن هذا الخلاف:
1 -
لعل سعيد بن المسيب، وابن جبير لم يبلغهما حديث العسيلة، أو لم يصح عندهما، فأخذا بظاهر القرآن (1).
2 -
إن هذا القول لم نعلم أحدًا قال به إلا الخوارج؛ كما قال ابن المنذر (2).
3 -
إنه قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده (3).
4 -
من عقد نكاحًا على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضى فسخه؛ ولا يعتبر فيه خلافه؛ لأنه خارج عن إجماع العلماء (4).
5 -
ما ورد عن سعيد بن جبير لم يوجد مسندًا عنه في كتاب، إنما نقله أبو جعفر النحاس في معاني القرآن (5).
6 -
إن العسيلة التي لابد من ذوقها بين الزوجين هي مجرد التقاء الختانين بينهما، أما الإنزال فيسمى:"الدبيلة"، فإن الرجل لا يزال في لذة من الملاعبة، حتى إذا أولج فقد عسّل، ثم يتقاطر منه ما فيه عناء نفسه، وإتعاب أعضائه، فالإنزال أقرب إلى الحنظلية منه إلى العسيلية؛ لأنه يبدأ بلذة، ويختم بألم (6).
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137)، "الاستذكار"(5/ 447)، "فتح الباري"(9/ 562 - 563).
(2)
"الإشراف"(1/ 179)، وانظر:"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137).
(3)
"مختصر الفتاوى المصرية"(ص 449).
(4)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137).
(5)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 137)، "سبل السلام"(3/ 248)، وانظر:"معاني القرآن" للنحاس (1/ 206).
(6)
"عارضة الأحوذي"(5/ 37).