الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كان ممن يقتدى به لزمه الإجابة؛ لتغيير المنكر، فإن لم يقدر على التغيير ينصرف؛ لما في بقائه من شين الدين، وفتح باب المعصية على المسلمين (1).
• أدلة هذا القول:
1 -
أن تغيير المنكر فرض، فكان في إجابة الدعوة إقامة الفرض، ومراعاة السنة (2).
2 -
أن إجابة الدعوة سنة، ولا تترك السنة لمعصية توجد من الغير، كصلاة الجنازة واجبة الإقامة وإن حضرتها نياحة (3).
ثانيًا: ذهب الشافعية (4)، والحنابلة (5)، إلى القول بأنه إن كان قادرًا على إزالة المنكر لزمه الحضور، فإن لم يقدر لزمه أن يرجع، ولم يفرقوا بين من كان يقتدى به أو غيره.
• أدلة هذا القول:
1 -
استدلوا بحديث سفينة المتقدم، وقالوا: هذا النبي صلى الله عليه وسلم انصرف لما رأى المنكر (6).
2 -
أنه بحضوره، وقدرته على الإنكار، يجمع بين واجبين: تلبية الدعوة، وإزالة المنكر (7).
النتيجة:
ما ذكر من الاتفاق على عدم وجوب إجابة الدعوة إذا كان فيها منكر غير صحيح؛ لخلاف الحنفية، والشافعية، والحنابلة بوجوب الإجابة للقادر على إزالة المنكر، فإن لم يقدر انصرف إن كان ممن يقتدى به عند الحنفية، ومطلقًا عند الشافعية والحنابلة.
[6 - 141] إباحة أخذ النثار في العرس:
إذا نثر (8) أهل العرس شيئًا على من حضر، فإنه يباح أخذه، ونقل الإجماع على
(1)"الهداية"(2/ 414)، "الاختيار"(4/ 176).
(2)
"بدائع الصنائع"(6/ 513).
(3)
"بدائع الصنائع"(6/ 513)، "الهداية"(2/ 414).
(4)
"البيان"(9/ 487)، "المهذب"(2/ 478).
(5)
"الإنصاف"(8/ 335)، "المحرر"(2/ 87).
(6)
"الكافي"(4/ 372).
(7)
"الكافي"(4/ 372)، "البيان"(9/ 487).
(8)
نثرت الشيء أنثره نثرًا فانتثر، والاسم النُّثار. والنُّثار -بالضم: ما تناثر من الشيء، ونثرك الشيء =
إباحة أخذه والتقاطه جمع من أهل العلم.
• من نقل الإجماع:
1 -
الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما نثر السكر واللوز في العرس، أو غير ذلك من طيب أو دراهم، فمباح إجماعًا"(1).
2 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الخلاف إنما هو في كراهية ذلك، أما إباحته فلا خلاف فيها، ولا في الالتقاط"(2). وقال أيضًا: "وأما إذا قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز، والسكر، وغيره، فلا خلاف أن ذلك حسن، غير مكروه"(3).
3 -
ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: ". . . وأما الإباحة والالتقاط فلا خلاف فيهما"(4).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الماوردي من الشافعية، وابن قدامة، وابن قاسم من الحنابلة من الإجماع على إباحة أخذ النثار في العرس، وافق عليه الحنفية (5). وهو قول الحسن، وقتادة، والنخعي، وأبي عبيد (6).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عبد اللَّه بن قرط (7) رضي الله عنه قال: قُرِّب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: "من شاء اقتطع"(8).
• وجه الدلالة: أن هذا الفعل من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جارٍ مجرى النثار، مما يدل على إباحة أخذه (9).
= بيدك، رميك به متفرقًا، مثل: نثر الجوز، واللوز، والسكر، ونثر الحب عند بذره.
انظر: "لسان العرب"(5/ 191)، "الصحاح"(2/ 555).
(1)
"الحاوي"(12/ 203).
(2)
"المغني"(10/ 209).
(3)
"المغني"(10/ 210).
(4)
"حاشية الروض المربع"(6/ 417).
(5)
"المبسوط"(30/ 128 - 129)، "الفتاوى الهندية"(5/ 345).
(6)
"المغني"(10/ 208).
(7)
هو عبد اللَّه بن قرط الأزدي، كان اسمه في الجاهلية شيطانًا، فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه، شهد اليرموك وفتْح الشام، واستعمله أبو عبيدة على حمص، ثم استعمله معاوية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، مات شهيدًا بأرض الروم سنة (56 هـ). انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(3/ 360)، "الإصابة"(4/ 179).
(8)
أخرجه أبو داود (1765)(2/ 194). قال البيهقي: إسناده حسن؛ إلا أنه يفارق النثار في المعنى. انظر: "السنن الكبرى"(7/ 288).
(9)
"المغني"(10/ 209).
2 -
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك، فأتي بأطباق عليه جوز ولوز وتمر، فنثرت، فقبضنا أيدينا، فقال:"ما لكم لا تأخذون"، فقالوا: لأنك نهيت عن النهبى، فقال:"إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم اللَّه تعالى"، فجاذبنا وجاذبناه (1).
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (2)، والشافعية في وجه (3)، والإمام أحمد في رواية، وهي المذهب (4)، إلى القول بكراهة النثار في العرس وغيره.
وهو قول أبي مسعود البدري رضي الله عنه، وعبد اللَّه بن يزيد الخطمي (5) رضي الله عنهما، وعكرمة، وابن سيرين، وعطاء، وزبيد اليامي (6)(7).
• أدلة هذا القول:
1 -
عن عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري (8) رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبى والمثلة (9).
2 -
عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من انتهب نهبة فليس
(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 288). وقال: في إسناده مجاهيل، وانقطاع، وقد روي بإسناد آخر مجهول، عن عروة، عن عائشة، وعن معاذ بن جبل، ولا يثبت في هذا الباب شيء.
(2)
"القوانين الفقهية"(ص 194)، "مواهب الجليل"(5/ 247).
(3)
"روضة الطالبين"(6/ 323)، "مغني المحتاج"(4/ 411).
(4)
"الإنصاف"(8/ 340)، "الفروع"(8/ 376).
(5)
هو أبو موسى عبد اللَّه بن يزيد بن حصن الخطمي الأنصاري، له ولأبيه صحبة، شهد الحديبية، وهو ابن سبع عشرة، وشهد ما بعدها، شهد مع علي الجمل، وصفين، والنهروان، واستعمله عبد اللَّه بن الزبير على الكوفة، وبها مات في خلافة ابن الزبير.
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 413)، "الإصابة"(4/ 227).
(6)
هو زبيد بن الحارث بن عبد الكريم اليامي، من أهل الكوفة، ثبت ثقة، روى عن إبراهيم النخعي، وخلق من كبار التابعين، توفي سنة (122 هـ). انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب"(3/ 310)، "شذرات الذهب"(1/ 160).
(7)
"المغني"(10/ 208).
(8)
هو عبد اللَّه بن يزيد القارئ الأنصاري، فُرق بينه وبين عبد اللَّه بن يزيد الخطمي الأنصاري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت قارئ يقرأ، فقال:"صوت من هذا؟ "، قالوا: عبد اللَّه بن يزيد، قال:"رحمه الله، لقد أذكرني آية كنت نسيتها". انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 413)، "الإصابة"(4/ 228).
(9)
أخرجه البخاري (2474)(3/ 146).
منا" (1).
3 -
عن ثعلبة بن الحكم (2) رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "النهبة لا تحل"(3).
• وجه الدلالة من هذه الأحاديث: قالوا: إن النثار يشبه النهبة المنهي عنها، فيشترك معها في الحكم، فيكون منهيًّا عنه على سبيل الكراهة (4).
4 -
ربما أخذ النثار من يكرهه صاحب النثار لشرهه، ودناءة نفسه، ويحرمه ممن يحب صاحبه (5).
5 -
أن في هذا دناءة، واللَّه يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها (6).
ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى تحريم النثار، وتحريم التقاطه (7).
• دليل هذا القول: حملوا النهي الوارد في أدلة القول الثاني على التحريم (8)، فيحرم النثار قياسًا على النهبة.
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على إباحة النثار في العرس، وإباحة التقاطه؛ وذلك لما يأتي:
1 -
وجود خلاف عن المالكية، والشافعية في وجه، ورواية عن الإمام أحمد في كراهية النثار، ومن سبقهم من السلف، وهم: أبو مسعود البدري، وعبد اللَّه بن يزيد الخطمي رضي الله عنهما، وعكرمة، وابن سيرين، وعطاء، وزبيد اليامي.
2 -
وجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، بتحريم النثار.
(1) أخرجه الترمذي (1126)(2/ 366)، والنسائي (3335)(5/ 82)، وابن ماجه (3937) (2/ 474). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
هو ثعلبة بن الحكم بن عرفطة الكناني، ثم الليثي، قال عن نفسه: كنت غلامًا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان ممن شهد خيبر، توفي ما بين السبعين إلى الثمانين. انظر ترجمته في:"الإصابة"(1/ 517)، "أسد الغابة"(1/ 465).
(3)
أخرجه النسائي (4324)(7/ 143)، وابن ماجه (3938)(2/ 475)، وصححه الألباني: انظر: "صحيح الجامع الصغير"(1/ 400).
(4)
"مواهب الجليل"(5/ 247).
(5)
"المغني"(10/ 209).
(6)
"المغني"(10/ 209).
(7)
"الإنصاف"(8/ 341)، "الفروع"(8/ 376).
(8)
"الإنصاف"(8/ 341).