الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: هذا حكم من أمير المؤمنين عمر بعدم الوقوع لمّا لم يقصد الزوج اللفظ الذي يقع به الطلاق، بل قصد لفظًا لا يقع به الطلاق، فكان لا بد من النية (1).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على أن اللفظ الصريح في الطلاق يقع إذا لم ينوه؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، وداود؛ إذ يريان أنه لا يقع إلا بنية.
[22 - 197] ألفاظ الكناية في الطلاق لا تقع إلا بالنية:
يقسِّم الفقهاء الطلاق من حيث اللفظ إلى صريح وكناية (2)، فالصريح كلفظ الطلاق وما تصرّف منه، ولفظ الفراق والسراح على الخلاف السابق في اعتبارهما من الصريح أو من الكناية.
والكناية مثل: أنت بائن، أنت خلية، أنت حرة، أمرك بيدك، اختاري، ونحوها من الألفاظ (3).
فإذا وقع الطلاق بلفظ من ألفاظ الكناية فلا بد فيه من النية، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم.
• من نقل الإجماع:
1 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أنه لا يقع الطلاق بشيء من ألفاظ الكناية إلا بالنية"(4).
2 -
الرافعي (623 هـ) حيث قال: "وكما يقع الطلاق بالصريح، يقع بالكنايات مع النية، بالإجماع"(5).
(1)"زاد المعاد"(5/ 206)، "المحلى"(9/ 460).
(2)
انظر: "بدائع الصنائع"(4/ 216)، "فتح القدير"(4/ 3)، "الكافي" لابن عبد البر (ص 264)، "القوانين الفقهية"(ص 230)، "التهذيب"(6/ 21)، "روضة الطالبين"(7/ 21)، "الإنصاف"(8/ 462)، "كشاف القناع"(5/ 245).
(3)
يرى ابن حزم أن الطلاق لا يقع إلا بواحد من ألفاظ ثلاثة: الطلاق، والفراق، والسراح، وما تصرف منها، والصريح والكناية يقع في هذه الألفاظ دون غيرها، ولا يقع بقوله: أنت خلية، أو أنت حرة، الحقي بأهلك، ونحوها. انظر:"المحلى"(9/ 436 - 437).
(4)
"بدائع الصنائع"(4/ 235).
(5)
"العزيز شرح الوجيز"(8/ 515).
3 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما الكناية فيقع بها الطلاق مع النية بالإجماع، ولا يقع بلا نية"(1).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني من الحنفية، والرافعي، والنووي من الشافعية من الإجماع على أن كنايات الطلاق لا تقع إلا بنية، هو قول الأوزاعي، وأبي عبيد، وحمّاد بن أبي سليمان (2).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن ابنة الجون (3) لما أدخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها:"لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك"(4).
2 -
ما ورد في قصة كعب بن مالك (5) في قصة توبته: جاءه رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقال كعب: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها (6).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن لفظ: "الحقي بأهلك"، ولفظ:"الاعتزال"، من ألفاظ الكناية التي تحتاج إلى نية، فلا تعتبر بغير نية من تلفظ بها (7).
3 -
كُتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من العراق، أن رجلًا قال لامرأته: حبلك على غاربك، فكتب عمر إلى عامله: أن مرهُ أن يوافيني بمكة في الموسم، فبينا عمر يطوف بالبيت، إذ لقيه الرجل فسلّم عليه، فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا الذي أمرتَ أن أُجلب عليك، فقال له عمر: أسألك برب هذه البنيّة، ما أردت بقولك: حبلك على
(1)"روضة الطالبين"(7/ 24).
(2)
"الإشراف"(1/ 146).
(3)
هي أسماء بنت النعمان بن الحارث بن الجون الكندية، بنت ملك قومها، تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاستعاذت منه، ففارقها، فخلف عليها المهاجر بن أمية المخزومي، ثم قيس بن مكشوح المرادي، توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر ترجمتها في:"أسد الغابة"(7/ 14)، "الإصابة"(8/ 19).
(4)
أخرجه البخاري (5254)(6/ 200).
(5)
هو كعب بن مالك، الأنصاري، شهد العقبة، اختلف في شهوده بدرًا، والصحيح أنه لم يشهدها، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج في تبوك، كان من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، مات بالشام في خلافة معاوية، وقيل: بل في خلافة علي. انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 461)، "الإصابة"(5/ 457).
(6)
أخرجه البخاري (4418)(5/ 154).
(7)
"فتح الباري"(9/ 435)، "الاستذكار"(6/ 24 - 25).
غاربك؟ فقال له الرجل: أردت بذلك الفراق، فقال عمر: هو ما أردت (1).
• وجه الدلالة: استحلف عمر رضي الله عنه الرجل ماذا أراد بما تلفظ به، فلما أخبره الرجل بنيته، قال: هو ما أراد، مما يدل على اعتبار النية في كنايات الطلاق.
4 -
أن ألفاظ الكناية قد يراد بها الطلاق عند النطق بها، وقد يراد بها غيره، ولا يفهم المقصود منها من حيث الظاهر، فلا بد من نية المكلف حتى تكون هذه الألفاظ معتبرة في الطلاق (2).
• الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (3)، والحنابلة (4)، إلى أن كنايات الطلاق منها ما يقع بلا نية؛ مثل: أنت خلية، وبريّة، وبائن، وبتة، وبتلة. وهذه تسمى كنايات ظاهرة.
ومنها ما لا يقع إلا بنية؛ مثل: اخرجي، اذهبي، انصرفي، ذوقي، اغربي. وهذه تسمى كنايات خفية، أو محتملة.
ثم اختلف هؤلاء فيما يقع بالكنايات الظاهرة من طلاق:
• أولًا: يرى المالكية، والإمام أحمد في رواية عنه، أنها تقع ثلاث تطليقات. وهو قول علي، وابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وعمر بن عبد العزيز (5).
• دليل هذا القول: أن هذا يروى عن علي، وابن عمر، ولا مخالف لهما، فيكون إجماعًا (6).
• ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، اختارها أبو الخطاب، أنه يقع ما نواه من عدد، إن واحدة، فواحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا.
• دليل هذا القول: أن الكنايات الظاهرة أحد نوعي الطلاق، فإذا نوى واحدة لم يزد عليها، وإن نوى أكثر وقع ما نواه (7).
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(ص 434).
(2)
"بدائع الصنائع"(4/ 232).
(3)
"المعونة"(2/ 616)، "التفريع"(2/ 74).
(4)
"الإنصاف"(8/ 476)، "الكافي"(4/ 444).
(5)
"الإشراف"(1/ 146).
(6)
"الكافي"(4/ 444)، "الإشراف"(1/ 146).
(7)
"الكافي"(4/ 444).