الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الحطاب (954 هـ)، حيث قال:(والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب، وبالإجماع إجماع العلماء)(1).
ثانيًا: من رأى أن نفي الخلاف لا يدل على الإجماع:
• وهذا القول منسوب للإمام الشافعي في أحد القولين، وللصيرفي (2) من الشافعية (3)، وللإمام أحمد في إحدى الروايتين (4).
المبحث السابع: مسائل أصولية في الإجماع
المسألة الأولى: الإجماع على أحد القولين، هل يرفع الخلاف المتقدم
؟
• إذا اختلف مجتهدو عصر من العصور في مسألة، واستقر الخلاف بعد النظر والاجتهاد، وانقرض علماء ذلك العصر، وجاء مجتهدو العصر التالي، فهل لهم أن يجمعوا على أحد القولين المنقولين عن علماء العصر الذي سبقهم، فيرتفع الخلاف، وتصبح المسألة محل إجماع، أم أن المسألة تبقى خلافية أبدا؟
• اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين: القول الأول: ذهب الإمام أبو حنيفة على خلاف في نقل قوله (5)، والمالكية في قول (6)، وإليه مال الإمام الشافعي (7)، والغزالي (8)، وإمام الحرمين (9)، والشيرازي من الشافعية (10)، بل هو قول أكثر الشافعية كما يقول الشيرازي (11)، والإمام أحمد، والقاضي أبي يعلى، وابن
= وسيتضح ذلك من خلال البحث في مسائل الرسالة.
(1)
"مواهب الجليل"(1/ 55).
(2)
هو أبو بكر محمد بن عبد اللَّه البغدادي الصيرفي، أخذ عن ابن سريج، وكان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي، له مصنفات في أصول الفقه، وغيرها، وشرح الرسالة للإمام الشافعي، توفي في مصر سنة (330 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 141)، و"طبقات ابن قاضي شهبة"(1/ 117).
(3)
"البحر المحيط"(4/ 517).
(4)
"إعلام الموقعين"(1/ 34). وسبقت الإشارة إلى هذا، انظر حاشية رقم: 1 (ص 51).
(5)
"أصول السرخسي"(1/ 319)، و"التحرير"(ص 402)، و"كشف الأسرار"(3/ 367).
(6)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 328).
(7)
"البرهان"(1/ 454).
(8)
"المنخول"(ص 329).
(9)
"البرهان"(1/ 454).
(10)
"التبصرة"(ص 378).
(11)
"التبصرة"(ص 378).
تيمية (1)، والأشعري (2)، وهو قول الجمهور (3)، واختاره الآمدي (4)، إلى عدم وقوع الإجماع، بل تبقى المسألة خلافية.
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
• وجه الدلالة: أن هذا حكم قد وقع فيه النزاع في العصر الأول، فوجب أن يُرد إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله، وعلى القول الآخر يلزم رده إلى إجماع المجتهدين (5).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"(6).
• وجه الدلالة: ظاهر هذا الحديث يقتضي الرد إلى كل واحد من الصحابة بكل حال، مع الإجماع على قول بعضهم، ومع الاختلاف (7).
3 -
أن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا على قولين، فقد أجمعوا على تسويغ الخلاف في
(1)"العدة"(4/ 1105)، و"الواضح"(5/ 155)، و"المسودة"(ص 326)، و"مجموع الفتاوى"(13/ 26).
(2)
هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري البصري، من نسل أبي موسى الأشعري، أخذ عن أبي علي الجبائي المعتزلي، ثم فارقه إلى أهل السنة، وصنف التصانيف في الرد على المعتزلة، والرافضة، والجهمية، والخوارج، قيل: إنه شافعي المذهب، وقيل غير ذلك، توفي سنة (324 هـ). انظر في ترجمته:"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 251)، و"طبقات ابن قاضي شهبة"(1/ 114).
(3)
انظر: "بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب"(1/ 600)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 328)، و"البرهان"(1/ 455)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 336)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 95)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 273)، و"إرشاد الفحول"(ص 156).
(4)
"الإحكام"(1/ 336).
(5)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 328)، و"العدة"(4/ 1107).
(6)
أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 111)، وقال: هذا إسناد لا تقوم بمثله حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول. وقال ابن حجر: في سنده عن ابن عمر: حمزة، وهو ضعيف جدًّا، وفي سنده عن جابر أيضًا: جميل بن زيد؛ وجميل لا يعرف. وقال الذهبي: في سنده عن أبي هريرة: جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، يضع الحديث، وهذا الحديث من بلاياه، وقال ابن حجر عن جعفر هذا: وهو كذاب. قال الألباني: هذا حديث موضوع.
انظر: "ميزان الاعتدال" للذهبي (2/ 140)، و"التلخيص الحبير"(4/ 190)، "لسان الميزان" لابن حجر (2/ 118)، "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(1/ 44).
(7)
"العدة"(4/ 1107).
المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين، فلو أجمع من جاء بعدهم على الأخذ بأحد القولين، لأدى ذلك إلى تعارض الإجماعين، وهو ممتنع (1).
4 -
أن موت المختلفين لا يسقط مذاهبهم، فهم من الأمة، وقولهم معتبر في حق من يأتي بعدهم، فإن "المذاهب لا تموت بموت أربابها" وهي من عبارات الشافعي الرشيقة، كما يقول الجويني (2).
5 -
أن الإجماع على أحد القولين من مجتهدي العصر التالي فيه تخطئة لمجتهدي العصر الأول فيما ذهبوا إليه، ويستحيل أن يجتمع الحق والمنع في أحد القولين (3).
القول الثاني: ذهب الحنفية (4)، والمالكية في قول (5)، والصيرفي، والرازي من الشافعية (6)، وأبو الخطاب من الحنابلة (7)، والمعتزلة (8)، إلى جواز ذلك، وأن الإجماع ينعقد، فلا تجوز مخالفته.
• أدلة هذا القول: قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
• وجه الدلالة: أنه إجماع حدث بعد أن لم يكن، فيكون حجة، كما لو حدث بعد تردد أهل الإجماع فيه حال التدبر والتأمل (9).
2 -
أن القول الثاني قد صار قول كل الأمة؛ لأن أهل العصر الثاني صاروا كل الأمة، والحق لا يتعداهم، فيتعين أن قولهم هو الحق، وما عداه باطل (10).
• الترجيح: يترجح لدي قول الجمهور في أن الإجماع على أحد القولين لا يرفع الخلاف المتقدم، وذلك لما يأتي:
1 -
أن قول ناقل الإجماع مقابل بنقل من يثبت الخلاف، وناقل الإجماع نافٍ
(1)"العدة"(4/ 1108)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 337).
(2)
"البرهان"(1/ 455)، وانظر:"شرح الكوكب المنير"(2/ 272).
(3)
"الإحكام"(1/ 338).
(4)
"أصول السرخسي"(1/ 319)، و"كشف الأسرار"(3/ 367)، و"تيسير التحرير"(3/ 232).
(5)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 328).
(6)
"المحصول"(3/ 846)، و"التبصرة"(ص 378).
(7)
"التمهيد"(3/ 297)، و"روضة الناظر"(ص 143)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 273).
(8)
"المعتمد" لأبي الحسين البصري (2/ 37)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 336).
(9)
"المحصول" للرازي (3/ 846)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 95)، (96).
(10)
"شرح تنقيح الفصول"(ص 328).