الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك فيما نقله عنه بعض الشافعية (1)، وعطاء -فيما ذكره عنه الغزالي (2) - وبعض السلف (3)، إلى أنه لو ارتضع صبيان من بهيمة صارا أخوين.
• دليل هذا القول: أن الرضيعين قد اجتمعا على لبن واحد، فوجب أن يصيرا أخوين، كالاجتماع على لبن الآدميات (4).
النتيجة:
تحقق الإجماع على أن لبن غير النساء لا يحرم في الرضاع، والذي يدعو إلى القول بتحقق الإجماع ما يلي:
1 -
أن ما ذكر عن الإمام مالك غير صحيح، فلم ينقله أحد من المالكية؛ بل قال ابن القاسم عندما سئل عن لبن البهيمة هل يقع به التحريم:"لم أسمع من مالك في هذا شيئًا، ولكن أرى أنه لا تكون الحرمة في الرضاع إلا في لبن الآدميات"(5).
2 -
أن ما ذكره الغزالي عن عطاء، لم يُذْكر في أي من كتب الآثار.
3 -
ما ذكر عن بعض السلف من ثبوت التحريم بلبن البهائم، قول غير صحيح كما قال ابن قدامة (6).
4 -
أن الخلاف عن بعض السلف ذُكر بصيغة التضعيف، وليس بصيغة الجزم.
5 -
أنه يلزم من القول بالتحريم بلبن غير الآدميات أن يشترك خلق كثير في الأخوة بسبب الرضاع من البهيمة، وفي هذا مشقة وحرج، والحرج مرفوع شرعًا بقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: الآية 185] وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
[6 - 426] الرِّضاع المحرِّم ما كان في الحولين:
إذا أرضعت المرأة طفلًا فلا تنتشر الحرمة إلا إذا وقع الرضاع في الحولين، ونُقل الاتفاق على ذلك.
(1) انظر: "الحاوي"(14/ 335)، "البيان"(11/ 156).
(2)
"الوسيط"(6/ 179).
(3)
"الحاوي"(14/ 335)، "البيان"(11/ 156)، "المغني"(11/ 323)، وقد ذكروا الخلاف ونسبوه لبعض السلف دون تسميتهم.
(4)
"الحاوي"(14/ 335).
(5)
"المدونة"(2/ 303).
(6)
"المغني"(11/ 323).
• من نقل الاتفاق:
1 -
ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الرضاع يحرم في الحولين"(1).
2 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن التحريم بالرضاع يثبت في سنتين"(2). ونقله عنه ابن قاسم (3).
• الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن هبيرة من الحنابلة من الاتفاق على أن الرضاع هو ما كان في الحولين؛ وافق عليه الحنفية (4)، والشافعية (5). وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وأم سلمة رضي الله عنه، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقتادة، والشعبي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وداود (6).
• مستند الاتفاق:
1 -
قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن الرضاع المعتبر في التحريم هو ما كان في الحولين (7).
2 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء من الثدي (8)، وكان قبل الفطام"(9).
• الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم (10)، إلى أن التحريم في الرضاع لا يتقيد بالحولين، فمتى وقع الرضاع وقع التحريم، وهو اختيار ابن تيمية (11) وقالت به عائشة رضي الله عنها (12).
(1)"بداية المجتهد"(2/ 62).
(2)
"الإفصاح"(2/ 148).
(3)
"حاشية الروض المربع"(7/ 94).
(4)
"البناية شرح الهداية"(5/ 260)، "فتح القدير"(3/ 444).
(5)
"البيان"(11/ 142)، "مغني المحتاج"(5/ 127).
(6)
"سنن البيهقي"(7/ 462)، "الإشراف"(1/ 94)، "المحلى"(10/ 203)، (205)، "البيان"(11/ 142).
(7)
"حاشية الروض المربع"(7/ 94).
(8)
معنى قوله من الثدي؛ أيْ وقت الرضاع، وهما الحولان، كما ورد أن إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مات في الثدي؛ أي: في زمن الرضاع. انظر: "مجموع الفتاوى"(34/ 59 - 60).
(9)
أخرجه الترمذي (1155)(2/ 382). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(10)
"المحلى"(10/ 210).
(11)
"مجموع الفتاوى"(34/ 60)، "الإنصاف"(9/ 334).
(12)
"الحاوي"(14/ 426)، "المحلى"(10/ 209).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].
• وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى الوالدات برضاع أبنائهن عامين، وليس فيها تحريم الرضاعة بعد الحولين، ولا أن التحريم ينقطع بتمامهما (1).
2 -
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
• وجه الدلالة: حرم اللَّه سبحانه وتعالى الأم المرضع، والأخت من الرضاعة، ولم يقيد الرضاع المحرم بما كان في الحولين (2).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن سالمًا (3) مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة (4) وأهله في بيتهم، فأتت سهلة (5) النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالمًا قد بلغ مبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وأنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة (6).
• وجه الدلالة: مثل هذا الحديث يرفع الإشكال في أن الرضاعة المحرِّمة ما كانت في الحولين، فهذا سالم قد ارتضع، وهو كبير قد عقل ما يعقله الرجال (7).
النتيجة:
أولًا: عدم تحقق ما ذكر من الاتفاق على أن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين؛ وذلك لوجود خلاف عن عائشة رضي الله عنها، وابن حزم الظاهري، وابن تيمية، بأن رضاع الكبير بعد الحولين ينشر الحرمة.
(1)"المحلى"(10/ 210).
(2)
"المحلى"(10/ 210).
(3)
هو سالم مولى أبي حذيفة، من أهل فارس، وكان من فضلاء الصحابة وكبارهم، هاجر إلى المدينة قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فكان يؤم المسلمين بها؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، شهد بدرًا وما بعدها، والمشاهد كلها حتى قتل يوم اليمامة. انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(2/ 382)، "الإصابة"(3/ 11).
(4)
هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، قيل اسمه: مهشِّم، وقيل: هاشم، أسلم قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة، وكان من فضلاء الصحابة، شهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدًا. انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(6/ 68)، "الإصابة"(7/ 74).
(5)
هي سهلة بنت سهيل بن عمرو، زوج أبي حذيفة، من السابقين الأولين إلى الإسلام، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها، فولدت له ابنه محمدًا. انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(7/ 154)، "الإصابة"(8/ 193).
(6)
أخرجه مسلم (1453)"شرح النووي"(10/ 28).
(7)
"المحلى"(10/ 210).